الشهداء.. حياة الأمة ودرعها في مواجهة الذل والفناء
تُعَدّ الشهادة في سبيل الله أسمى مراتب العطاء والتضحية، فهي تعبيرٌ صادقٌ عن الإيمان العميق، وتجسيدٌ عمليٌّ للدفاع عن القيم والمبادئ التي تقوم عليها الأمة. ويأتي تعميق الوعي بقيمة الشهداء في المجتمع كضرورةٍ تربويةٍ وثقافيةٍ تهدف إلى غرس روح التضحية والصمود، وإحياء مشاعر الفخر والاقتداء بمن بذلوا أرواحهم في سبيل الله دفاعاً عن الدين والوطن.
إن الشهادة ليست مجرد موت في ساحة المعركة، بل هي حياةٌ خالدةٌ ومرتبةٌ إيمانيةٌ راقية، حين يصل الإنسان إلى الاستعداد للتضحية بنفسه في سبيل الله، كما قال الله تعالى:
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
وكما قال السيد القائد في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1447هـ:
“الشهادة هي امتيازٌ وتقديرٌ عظيمٌ جعله الله سبحانه وتعالى للذين قُتِلوا في سبيله، بكل ما يعنيه هذا العنوان المهم: (في سبيل الله)، من أجل الله، وتحركوا وفق الطريق التي رسمها، وانطلقوا على أساس تعليماته وتوجيهاته تبارك وتعالى، واستجابوا لأوامره جلَّ شأنه.”
الشهادة في سبيل الله هي أعلى درجات التضحية، فهي لا تتعلق بالموت ذاته، بل بالقيمة الإيمانية التي يحملها الإنسان في قلبه.
فالشهداء الذين ضحّوا بأنفسهم في موقف حقٍّ، وبسبب قضيةٍ عادلة، بعيدًا عن الأهواء والمطامع، نالوا عند الله أرفع المراتب. إن الشهادة تمنح الإنسان حياةً حقيقيةً وكرامةً خالدة، وتحقق له الفلاح في الدنيا والآخرة، وتغرس في الأمة روح النصر والعزة والحرية.
وأكد السيد القائد أيضًا في كلمته في ذكرى الشهيد 1447هـ على قيمة وأهمية الشهادة عندما قال:
“الشهادة أيضًا تقيم ميزان العدالة بين الأمم؛ فهي ترد الكرامة للمظلومين، وتوقف موجات الاستعباد، وتُظهر أن القوة الحقيقية ليست في الأسلحة وحدها، بل في الإيمان والعمل الصالح، وفي التضحية من أجل الحق.”
فالشهادة فوزٌ عظيم، وليست ثقافةَ موتٍ، بل هي ثقافةُ الحياةِ الحقيقية؛ لأنها حياةٌ للأمة ووقايةٌ لها من الفناءِ مع الذل. فهي تمثل حمايةً للناس، تدفع الشر عنهم، وتتصدى للطغيان، وتواجه المجرمين. وإنّ التخلي عن ثقافة الشهادة والاستسلام للأعداء يعرّض الأمة للنكبات والخسارة.
وهذا ما أشار إليه السيد القائد في كلمته في ذكرى الشهيد 1447هـ حين قال:
“أما الذين لا يقدّرون قيمة الشهادة، أو يخافون منها، فإنهم يقعون في فخّ الذل والهوان، ويصبحون فريسةً سهلةً لأعدائهم، كما رأينا في تاريخ الأمة حين غابت روح الشهادة، فتكبّدت الأمة خسائر فادحة، وأُهينت مدنها، وأُبيدت شعوبها.”
إن الشهداء يمثّلون أعظم نموذجٍ للإيمان والتضحية، وسيرتهم تُعدّ مدرسةً أخلاقيةً وتربويةً نستقي منها دروس العزة والصبر والجهاد.
فالشهداء يمثلون قمة الإيمان، وهم رمزٌ للعزة والكرامة، ووجودهم يذكّر الأمة بواجبها في الدفاع عن الحق والوقوف ضد الظلم والعدوان.
إنهم يجودون بأرواحهم دفاعًا عن دينهم وأوطانهم، فيتحول دمهم الطاهر إلى بذورٍ تُنبت حريةً وكرامةً للأمة بأكملها. وقد جعل الله لهم منزلةً عظيمةً في الدنيا والآخرة، فهم أحياءٌ عند ربهم يُرزقون، وتُخلَّد ذكراهم في وجدان الشعوب التي تقدّر تضحياتهم.
رفع الله منازلهم، وأعلى درجاتهم، وجعلهم أحياءً عنده فرحين بما آتاهم من فضله، مستبشرين ومطمئنين، وهو تكريمٌ إلهيٌّ يعكس عظيم منزلتهم وكرامتهم.
كما أن تضحيات الشهداء تمثّل حافزًا للأمة على الجهاد والمواجهة، وتشجع على تجاوز الخوف من الموت، وتدفع الأفراد والمجتمعات للانطلاق بروحٍ جهاديةٍ صادقة تحمي الأمة من الهوان والذل، وتعيد لها عزّتها وقوّتها واستقلالها.
للشهادة والشهداء أثر بالغ على المجتمع والأمة، لا يقتصر على الفرد فحسب، بل يتجاوز إلى الأمة جمعاء. فالشهادة ليست فوزًا فرديًا، بل انتصارٌ جماعيٌّ للأمة بأكملها، لما تتركه من أثرٍ اجتماعيٍّ وأخلاقيٍّ عظيم.
فهي تحرّر المجتمع من قيود الخوف والذل، وتغرس فيه روح الشجاعة والصمود، وتمنحه القوة في مواجهة الظلم والطغيان. وقد أشار السيد القائد في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1447هـ إلى ذلك في قوله:
” إن المجتمعات الحرة والعزيزة روحها المعنوية عالية، إرادتها فولاذية، لا تنكسر من المخاوف، بينما المجتمعات الخائفة المتهيبة من الشهادة هي أمة تستسلم لأعدائها وتنكسر إرادتها، وأن كثير من المجتمعات دفعت الثمن الباهظ في ظل استسلامها وخنوعها لما تهيبت من الشهادة والتحرك الجاد ضد أعدائها لما يحميها من شرهم وطغيانهم وإجرامهم.
وقال أيضا ” أن الثمرة للتضحية في سبيل الله تتمثل في عاجل الدنيا بالنصر والعز والتمكين، وما يكتبه في الآخرة النصر الحقيقي والنعيم العظيم والسعادة الأبدية”.