عملية “عربات جدعون” تنكسر في غزة وجيش العدو الإسرائيلي يخشى مستنقع الاستنزاف
تعكس دعوة رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، إيال زامير، لمنح “وضوح استراتيجي” بشأن مستقبل الحرب على غزة، حجم التخبط داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعد فشل عملية “عربات جدعون” في تحقيق أهدافها.
وبينما يتراجع الزخم العسكري الإسرائيلي بفعل الاستنزاف المتواصل وتآكل القدرة القتالية، تتصاعد مؤشرات الانقسام بين القيادة السياسية المتمسكة بخطاب الحسم، والمؤسسة العسكرية التي باتت تدق ناقوس الخطر من الغرق في حرب استنزاف طويلة الأمد، ما يضع حكومة الاحتلال أمام معضلة استراتيجية تتجاوز الحسابات العسكرية إلى مأزق سياسي داخلي وخارجي مفتوح، في ظل غياب أي تصور واقعي لـ ”اليوم التالي” في قطاع غزة.
ويطالب زامير، الحكومة بمنح الجيش “وضوحا استراتيجيا”، وأن يقرر المستوى السياسي بشأن استمرار الحرب على غزة بادعاء أن عملية “عربات جدعون” العسكرية قد انتهت، حسبما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي اليوم، الاثنين.
وأضافت الإذاعة أن زامير يحذر من عدم انعقاد الكابينيت السياسي – الأمني منذ فترة طويلة ويدعي أنه لا يوجد وضوح لدى الجيش وأنه لا يتلقى أوامر وتعليمات واضحة من المستوى السياسي حول مستقبل الحرب.
ولم تحقق عملية “عربات جدعون” العسكرية هدفها المعلن وهو ممارسة ضغط عسكري على حماس كي توافق على تبادل أسرى ووقف إطلاق نار بشروط إسرائيلية، أي بدون إنهاء الحرب، وبدون القضاء على حماس، وفق ما ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم.
وكان جيش الاحتلال، أعلن في بيان عبر منصة “إكس” الخميس الماضي، سحب الفرقة 98 من شمالي قطاع غزة، تمهيداً لما قال إنها “مهام إضافية” لم يحددها، في خطوة اعتبرتها وسائل إعلام إسرائيلية مؤشراً على قرب نهاية عملية “عربات جدعون” العسكرية البرية.
وبحسب إذاعة جيش الاحتلال، فإن هناك فرقتين من أصل أربع تنفذ مهام قتالية شمالي القطاع وفي مدينة خانيونس جنوباً، في حين تقوم الفرقتان الأخريان بدور دفاعي، بالتزامن مع قرار رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير تقليص عدد قوات الاحتياط في كل الجبهات بنسبة 30%.
وطالب جيش الاحتلال، قبل أسبوعين، المستوى السياسي باتخاذ قرارات حول كيف ستستمر عمليات الجيش، فيما أفاد موقع “زمان يسرائيل” الإخباري، حينذاك، أن الجيش لا يُخفي رغبته بدفع صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق نار، وأن هذه “ضرورة فورية من أجل إنعاش القوات”.
تآكل قدرات الجيش
وسجلت “عربات جدعون”، والتي انطلقت مطلع مايو/ أيار الماضي، عشرات القتلى والمصابين في صفوف جنود الاحتلال نظراً لطبيعة الكمائن العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في غزة، فضلاً عن محاولات لأسر جنود إسرائيليين.
وأعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن مقتل 40 جندياً على الأقل خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو الماضيين، في حين سجل الشهر الماضي انتحار مسبعة جنود، جميعهم خدموا في القطاع خلال حرب الإبادة المتواصلة.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد إلياس حنّا، إن جيش الاحتلال “يبدّل إستراتيجياته ويغيّر القوات داخل القطاع، لكن النتيجة في النهاية واحدة: فشل ميداني وتآكل في قدرات الجيش”.
ويوضح حنّا -في حديث للجزيرة نت- أن (إسرائيل) انتقلت إلى إستراتيجية “عربات جدعون” بزعم استهداف قيادات في المقاومة، لكن الواقع أظهر أن “الفرقة 98 استُنزفت بشكل كبير”، سواء بهدف إراحتها تمهيدًا لجولة قادمة، أو لأن “الخسائر باتت تفوق القدرة على التحمل”.
ويشير إلى أن الوحدات الخاصة، التي من المفترض أن تعمل في إطار مهام دقيقة، “أصبحت تقاتل كقوات مشاة عادية، ما تسبب في تذمر كبير داخل هذه الوحدات، لأن مهامها الأصلية تختلف تمامًا من حيث التدريب والتجهيز”.
ويلفت حنا إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات في شكل العمليات، مع احتمالية وجود استعدادات لصفقة سياسية تحت الطاولة، خاصة مع زيارة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى (إسرائيل).
ويرى الخبير العسكري، أن التحركات السياسية قد تمهد لـ”مرحلة جديدة من العمليات أو الدخول في مفاوضات”، وهو ما يعكس إدراكًا داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن الحسم العسكري الكامل في غزة لم يعد ممكنًا.
الصفقة أو بدائل عسكرية
في غضون ذلك، كان من المتوقع أن يصادق رئيس أركان جيش الاحتلال، أمس الأحد، على خطط عملياتية تدريجية لتوسيع القتال في غزة. ووفق ما أوردته صحيفة هآرتس العبرية، فإن هذه الخطط، التي ستُعرض لاحقاً على المستوى السياسي، تشمل توسيع العمليات العسكرية لتشمل أيضاً مناطق حساسة في غزة ومنطقة مخيمات الوسط، حيث امتنع جيش الاحتلال حتى الآن عن المناورة البرية، بسبب الخشية من وجود أسرى إسرائيليين هناك.
وتقول إذاعة جيش الاحتلال، اليوم أيضا، إن زامير “يدفع إلى صفقة، إذ بالإمكان تليين الموقف وبذل جهد من أجل التوصل إليها بأي ثمن يُقرر”. لكن موقف الجيش، حسب الإذاعة، هو أنه “يجب الاستمرار في السيطرة على المناطق عند حدود القطاع في أي اتفاق مستقبلي”، ومن الجهة الأخرى يدعي الجيش أنه “حتى إذا طولبنا بالتنازل، فإنه سنتمكن من السماح لأنفسنا بتليين الموقف”.
وأضافت الإذاعة أن زامير يحذر في “محادثات مغلقة” من أن البقاء في القطاع “يشكل خطرا على قوات جيش الاحتلال وسيكون لمصلحة حماس، وذلك إلى جانب الإرهاق المتزايد في الجيش”، وفي حال عدم التوصل إلى صفقة، يعتزم زامير طرح بديلين أمام المستوى السياسي.
البديل الأول هو “احتلال القطاع كله، وهو ما يعارضه الجيش”. وحسب زامير، فإن “احتلال القطاع كله ممكن من الناحية العسكرية وسيستغرق عدة أشهر، لكن تطهير المنطقة، فوق وتحت الأرض، قد يستغرق سنوات”.
والبديل الثاني الذي يوصي به جيش الاحتلال هو “التطويق والاستنزاف” من خلال مواقع تسيطر على القطاع، “وإلا، فإنه بدلا من أن نستنزف حماس، هي ستستنزفنا لاحقا بحرب عصابات”.
وفي هذا السياق، استبعد الخبير العسكري العقيد المتقاعد نضال أبو زيد، احتمالية توسيع العمليات العسكرية التي تحدث عنها رئيس أركان الاحتلال، مبينًا أن أي فرقة يتم سحبها تحتاج، وفقًا للعرف العسكري، إلى فترة لا تقل عن 3 إلى 4 شهور لإعادة بنائها تنظيمًا وتدريبًا واستعادة حالتها النفسية والجاهزية القتالية.
ويشير إلى أن ما يجري هو عملية تدوير للوحدات والفرق العسكرية داخل غزة، وليس تعويضًا أو تغذية بوحدات جديدة، “وبالتالي، الاحتلال لن يتمكن من إعادة الزج بهذه القوات قبل 4 شهور على الأقل”.
وحول التصريحات التي أطلقها وزراء في حكومة الاحتلال مثل وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش ووزير التراث، بشأن نية احتلال قطاع غزة بالكامل، يقول أبو زيد إنها “لا تستند إلى تقدير عسكري، بل تأتي من منطلق سياسي لا يُدرك حجم العمليات والخسائر على الأرض”.
ويضيف: “من يدرك الواقع الميداني هم العسكريون، وهم الذين يدركون حجم المأزق والانسداد العسكري الذي وصل إليه الجيش في غزة، ولهذا ارتفعت حدة التصريحات من السياسيين في مقابل تصريحات متحفظة أو محذّرة من القيادات العسكرية”.
واستشهد أبو زيد بتصريحات قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الذي قال إن الجيش “يتورط في عملية عسكرية طويلة ومعقدة”، وتصريحات لقائد لواء “جفعاتي” الذي دعا إلى وقف العمليات وعدم الاستمرار فيها، إلى جانب تصريح زمير نفسه الذي أقر بأن “عربات جدعون استنفدت أهدافها”.
وتابع: “نحن أمام انقسام واضح بين السياسيين الذين يريدون استمرار العملية، والعسكريين الذين يدركون خطورة الوضع، حيث بلغت العمليات ذروتها ولم يعد بالإمكان الاستمرار، لأن الكلفة ستكون باهظة على جيش الاحتلال”.
لا إطار زمني لإنهاء الحرب
بدوره يرى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، أحمد عطاونة، أن إنهاء عملية “عربات جدعان” يعكس حالة من الفشل في تحقيق الأهداف التي أعلن عنها جيش الاحتلال مع بداية العملية.
ويشير في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “تقليص الوجود العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة يأتي نتيجة عدة عوامل”. أبرز هذه العوامل، وفق عطاونة، أن “الاحتلال قد أحدث دماراً واسعاً ولم يعد بحاجة لقوات كبيرة على الأرض”.
واعتبر عطاونة أن “العملية التي امتدت لأكثر من ثلاثة أشهر لم تستطع حسم الموقف ميدانياً، فالمقاومة لا تزال فاعلة، والأسرى لا يزالون بيدها، ما يُعد ضربة قوية لرواية الاحتلال التي روّجت إمكانية إنهاء الحرب عبر هذا المسار العسكري”.
ويشير إلى أن الاحتلال “استنفد أدواته التقليدية في غزة، ولم يعد بمقدوره الاستمرار بالنهج ذاته من دون تحقيق إنجاز سياسي أو عسكري، ما يضع القيادة الإسرائيلية أمام مأزق واضح في التعامل مع سؤال اليوم التالي للحرب”.
وأوضح أن هذه القيادة “لم تعد تملك تصوراً لإدارة القطاع سياسياً أو أمنياً، ولا تقبل بعودة حكم حماس، ولم تنجح في إعادة السلطة الفلسطينية”.
ويضيف عطاونة، أن الاحتلال فشل في إنتاج طرف فلسطيني بديل يمكنه التعاون معه لإدارة غزة، “وكل ما يُطرح من صيغ بديلة، كفكرة المدينة الإنسانية (على أنقاض رفح) أو المناطق الآمنة لم تتجاوز نطاق الأفكار النظرية غير القابلة للتطبيق”.
ويرى أن الاحتلال عالق سياسياً وميدانياً، فيما المجتمع الدولي عاجز عن تقديم حل عملي بسبب الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل وتطرّف الحكومة الإسرائيلية، ما يجعل إنهاء هذه الحرب الدموية بعيد المنال في الأفق القريب.
مركز الإعلام الفلسطيني