ما بعد هدنة غزة: إسرائيل لا تَأمن اليمن

تكشف القراءة الإسرائيلية تصاعد القلق من استمرار التهديد اليمني بعد اتفاق غزة، وسط عجز تل أبيب عن تحديد استراتيجية واضحة تجاه صنعاء.

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيّز التنفيذ، تتّجه الأنظار الإسرائيلية نحو جبهة اليمن التي تُوصف بأنها «الأبعد جغرافياً والأخطر استراتيجياً». فالإعلام العبري، في معظم تحليلاته، يرى أن حركة «أنصار الله» تحوّلت من مصدر إزعاج عابر إلى تهديد وجودي للكيان، وأن انتهاء الحرب في غزة لا يعني بالضرورة نهاية المواجهة مع صنعاء. وبين التحريض السياسي والدعوات إلى الانتقام، تكشف القراءة الإسرائيلية حجم الإرباك والقلق من استمرار التهديد اليمني وتأثيره على الملاحة في البحر الأحمر.

وترتكز السردية الإعلامية الإسرائيلية على ضرورة الانتقام من اليمن؛ باعتبار أن الحركة ستعود إلى استفزاز إسرائيل، وستجد مبرراً لاستئناف العمليات العسكرية في أيّ ظرف. لكن باستثناء تصريح وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي هدّد بالقضاء على «نظام الحوثيين» بعد وقف إطلاق النار، لم يصدر حتى الآن موقف رسمي إسرائيلي موحَّد يوضح كيف ستتعاطى حكومة العدو مع اليمن. وقال سموتريتش، في مقابلة مع «القناة 14» العبرية، إن «لدى الحوثيين بنية تحتية ضخمة تحت الأرض؛ إنه تهديد كبير يجب القضاء عليه».

وجاء ذلك في وقت تابع فيه الإعلام الإسرائيلي تغريدة عضو المجلس السياسي لـ «أنصار الله»، حزام الأسد، على منصة «إكس» باللغة العبرية، والتي هدّد فيها إسرائيل رداً على الغارات الإسرائيلية الأخيرة في جنوب لبنان، قائلاً إن «العدوان الصهيوني ضرب منطقة مصيلح قبل الفجر، يبدو أنهم يريدون العودة إلى ملاجئهم». ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن محللين يمنيين معادين لـ«أنصار الله» القول إن استمرار الصراع أصبح ضرورةً للحركة أكثر من كونه مجرد تكتيك أو استراتيجية؛ فهي تستفيد من ذلك لترسيخ روايتها بأنها تقاتل الولايات المتحدة وإسرائيل.

كذلك، يقدّر المحللون الإسرائيليون أن «أنصار الله» راكمت «قوة فائضة» نتيجة سنوات من توجيه مواردها الاقتصادية والإعلامية والقبلية نحو النشاط العسكري ضد إسرائيل، ما أتاح لها تحمُّل الضربات وتوسيع قدراتها. ويُحذّرون من أن الحركة قد تعيد توجيه تلك القوة داخلياً لضرب خصومها المحليين، وأنها إذا نجحت، فستستعيد القدرة على استفزاز إسرائيل مجدداً.

إعلام العدو يرصد تأثير تهديد «أنصار الله» لإسرائيل رداً على الغارات ضد جنوب لبنان

ويتقاطع الحديث الإسرائيلي عن مستقبل الصراع مع اليمن، جزئياً، مع الحديث عن المعارك في البحر الأحمر. وفي حين يرى الإسرائيليون الخطر في البعد الأمني، تتسع النظرة الغربية إلى البعد الاقتصادي، حيث تتعامل الدوائر الغربية بحذر مع الملاحة الدولية وتوقّف كثير من خطوط الشحن عبر مضيق باب المندب. ورغم توقيع اتفاق غزة، لا يتوقع خبراء الملاحة البحرية والفاعلون في صناعة الشحن أن تعود السفن التجارية إلى البحر الأحمر في أي وقت قريب.

ونقل موقع «تريد ويندز» عن مصادر في سوق الشحن البحري القول إن «شركات التأمين ستنتظر أدلة على أن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس سوف يصمد، قبل تخفيف أسعار التأمين على السفن التي تمر عبر المناطق العالية الخطورة في البحر الأحمر وخليج عدن». والواقع أن صمت «أنصار الله» حول التوتر في البحر الأحمر، أثار كثيراً من الحذر والريبة في أوساط شركات النقل. وفي هذا الإطار، قال آلان مورفي، مؤسس ورئيس شركة «Sea Intelligence»، إن «الوضع لا يزال في مراحله الأولى، وليس هناك ضمانات لاستمرارية الهدنة».

وأضاف أن «أنصار الله قد لا تعتبر وقف إطلاق النار استجابة كافية لمطالبها، وقد تشترط إقامة دولة فلسطينية صريحة لوقف هجماتها، وهو شرط معقَّد وصعب التحقيق». كما لفت إلى أن ثمة «بازل» جيوسياسياً يجب أن يُحل قبل أن تستطيع شركات الشحن العودة، رغم المزايا الزمنية والاقتصادية لمسار قناة السويس. ويرى خبراء النقل أن «حل هذا البازل يقع خارج نطاق قدرة شركات الشحن – وحدها -، التي من المرجّح أن تطلب التزامات قوية من الحوثيين بعدم استهداف السفن، إلى جانب تعزيز الدعم الأمني الغربي، قبل التفكير في العودة».

وعلى مستوى الصناعة، رجّح مورفي أنه عند إعادة فتح المسار تدريجياً، ستعود التحالفات البحرية الكبرى إلى قناة السويس على مراحل متباينة. وإذا حدث تحوّل شبه متزامن، فقد يؤدي ذلك إلى ازدحامات واضطرابات تمتد من شهرين إلى 6 أشهر، مع انعكاسات سلبية على سلاسل الإمداد وأسعار الشحن. على أن شبكة «سي إن بي سي» الأميركية توقعت أن «يستمر الازدحام لعدة أشهر. ومع تزايد اختناق الموانئ وتباطؤ العمليات، قد تعلَق السفن خارج الموانئ، ما يؤدي إلى اضطرابات وإلغاء بعض الرحلات البحرية».

لقمان عبد اللهلقمان عبد الله الأربعاء 15 تشرين اول 2025

قد يعجبك ايضا