من المخا إلى سقطرى.. خارطة القواعد الإماراتية الإسرائيلية لابتلاع الممرات البحرية

سقطرى وميون.. جزر يمنية تتحول إلى قواعد تخدم المشروع الصهيوني

باب المندب.. المعركة الخفية بين اليمن والتحالف الصهيوني الإماراتي

خاص للحقيقة ـ جميل الحاج

منذ انطلاق العدوان على اليمن عام 2015م، استخدمت الإمارات والسعودية ما يُسمّى بـ”الأدوات الناعمة” من كيانات سياسية وفصائل مسلحة لتبرير سيطرتهما على الجزر والموانئ والمطارات اليمنية المدنية والعسكرية.

ورُوِّج لهذه الخطوات تحت شعار مواجهة “النفوذ الإيراني” في اليمن، غير أن الحقيقة الأعمق تكشف عن أجندة تخدم الكيان الصهيوني في البحرين الأحمر والعربي، وفي قلبها السيطرة على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم.

هذا التوجه تجلّى بوضوح منذ عام 2017م، عندما صرّح رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن سيطرة أنصار الله على الساحل الغربي لليمن تشكّل “تهديداً مباشراً لأمن (إسرائيل)”.

وهو تصريح يعكس بجلاء ارتباط التحركات السعودية والإماراتية بمصالح الكيان الصهيوني.

التكفيرين وطارق عفاش.. واجهات محلية لمشروع استعماري خارجي

دفعت الإمارات بفصائل مسلحة جنوبية، أبرزها ما تسمي بقوات “العمالقة”، وأسندت قياداتها لعناصر سلفية متطرفة، بينهم موالون لتنظيم ما تسمي بـ (القاعدة) التكفيرين.

هذه الفصائل تولت السيطرة على مناطق حساسة في الساحل الغربي المطلة على مضيق باب المندب، ابتداءً من المضاربة ورأس العارة في لحج، وصولاً إلى المخا وأجزاء من تعز الغربية.

ورغم النجاحات الميدانية الجزئية، فشلت تلك الفصائل في السيطرة على ميناء الحديدة، ما دفع أبوظبي إلى إبقاءها تحت قيادة المرتزق “طارق عفاش” الذي احتضنته بعد أحداث ديسمبر 2017م.

الوجود الإسرائيلي.. أجهزة استشعار ومنظومات دفاعية

في سياق متصل، كشف مراقبون عن نشر الاحتلال الإسرائيلي أجهزة استشعار لرصد الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تطلقها قوات صنعاء ضد السفن الإسرائيلية والقطع البحرية الأميركية في خليج عدن وباب المندب، وحتى تلك التي تستهدف العمق الفلسطيني المحتل.

وفي نوفمبر 2023م، نصبت (تل أبيب) منظومات دفاع جوية في المنطقة، عقب إعلان القوات المسلحة اليمنية حظر الملاحة أمام السفن الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي دعماً لغزة.

سقطرى.. الجوهرة الاستراتيجية في قلب الأطماع

في 30 مارس 2024م، كشفت صحيفة “إزفيستيا” الروسية أن الولايات المتحدة قررت نشر فرقة عسكرية في جزيرة سقطرى لمواجهة أنصار الله، ورغم استبعاد الصحيفة نجاح هذه الخطوة في الحد من أنشطة صنعاء، إلا أنها أكدت أهمية الموقع الاستراتيجي للجزيرة التي تتيح السيطرة على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية.

موقع “جيروزاليم بوست” الإسرائيلي ذهب أبعد من ذلك، مؤكداً أن كل ما يجري في سقطرى يخدم أمن (إسرائيل) من خلال ذراعها الإماراتية.

ومنذ بدء العدوان على اليمن، سعت أبوظبي للسيطرة على الأرخبيل عبر فصائل مسلحة موالية للإمارات، ضمن خطة طويلة الأمد في خدمة المشروع الصهيوني.

عبد الكوري.. القاعدة الإسرائيلية الجديدة

تُظهر تقارير متعددة أن الإمارات والكيان الصهيوني عملتا على بناء قاعدة عسكرية مشتركة في جزيرة عبد الكوري، ثاني أكبر جزر الأرخبيل اليمني.

وبحسب تقرير “الأخبار اللبنانية” في يوليو 2024م، فإن هذه الخطوة جاءت ضمن تحالف إقليمي يجمع العدو الإسرائيلي بعدد من الدول الخليجية تحت المظلة الأمريكية. وقد وثقت صور أقمار صناعية أعمال بناء جديدة في الميناء لاستخدامه لتخزين الأسلحة والمعدات العسكرية، تحت إشراف مباشر منذ 2017م وحتى اليوم.

ميون.. عقدة الممر البحري العالمي

جزيرة ميون (بريم) الواقعة في قلب مضيق باب المندب، شكّلت هدفاً استراتيجياً آخر للإمارات.

تقارير عديدة، منها ما نشره موقع “ديبكا” الإسرائيلي، أكدت أن بناء قاعدة عسكرية إماراتية هناك يغيّر موازين القوى البحرية.

حتى وكالة الأنباء السعودية أقرت في مايو 2021م بوجود قاعدة عسكرية في ميون، بدعوى “التصدي لقوات صنعاء وتأمين الملاحة البحرية”.

ويعتبر مراقبون إسرائيليون، مثل “إيهود يعاري”، أن سقطرى وميون تشكلان حلقتي وصل في شبكة القواعد الإماراتية الممتدة من مطار الريان بالمكلا، مروراً بالقرن الإفريقي، وصولاً إلى قواعد في الصومال وإريتريا، وكلها تخدم المصالح الأمنية للكيان الصهيوني.

تحالف استخباراتي ـ عسكري متعدد الأطراف

تقرير المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية في نوفمبر 2023م أكد أن جزيرة سقطرى تحتضن قاعدة استخبارات إماراتية يمكن استخدامها لنشر أجهزة استشعار إسرائيلية متطورة، ما يجعلها جزءاً من منظومة استخباراتية عسكرية متكاملة تشمل قواعد أخرى في ميون، بونتلاند (الصومال)، عصب (إريتريا)، والمكلا (حضرموت).

التكامل الاستخباراتي هذا، يعكس الدور المركزي للإمارات كعميل ميداني ينفذ أجندة إسرائيلية أميركية، في مقابل نفوذ مباشر متزايد لـ (تل أبيب) في البحر الأحمر وخليج عدن.

سقطرى.. الموقع الذي لا يُقدّر بثمن

يتكون أرخبيل سقطرى من ست جزر رئيسية، بمساحة 3650 كيلومتراً مربعاً، ويقع في قلب بحر العرب على مشارف المحيط الهندي، على بعد 350 كلم من اليمن و250 كلم من الصومال.

هذا الموقع جعل الأرخبيل مطمعاً استراتيجياً منذ عقود، واليوم يبرز كحلقة أساسية في المشروع الإماراتي الإسرائيلي المشترك للهيمنة على الممرات البحرية.

وبحسب مصادر إعلامية، شرعت الإمارات منذ مارس 2022م في إنشاء لسان بحري لاستقبال السفن في عبد الكوري، تزامناً مع بناء مدرج مطار عسكري، ومنازل بديلة لسكان الجزيرة في حضرموت، في خطوة تستهدف تهجير السكان وتحويل الجزر إلى مستعمرات عسكرية.

صور الأقمار الصناعية وثقت استحداثات جديدة في مطار الريان بالمكلا، بينها هناجر ومستودعات، ما يعزز فرضية أن الإمارات تبني منظومة عسكرية متكاملة بإشراف خبراء إسرائيليين.

 

القوات اليمنية: يقظة دائمة ورصد استخباراتي

أمام هذه التحركات، تؤكد القيادة الثورية والسياسية في صنعاء أن قواتها المسلحة في حالة يقظة استخباراتية مستمرة، وأنها تتابع عن كثب النشاط الإماراتي الإسرائيلي في الجزر والموانئ اليمنية.

وترى صنعاء أن هذه التحركات تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومي اليمني والعربي، وأن استمرارها في ظل معركة دعم غزة سيفتح الباب أمام مواجهات لا تُحمد عقباها.

وتؤكد الوقائع أن ما يجري في الجزر والموانئ اليمنية ليس مجرد نفوذ إماراتي أو سعودي، بل جزء من مشروع إسرائيلي أمريكي طويل الأمد يهدف للسيطرة على المضائق البحرية، وفي القلب منها باب المندب.

غير أن اليمن، بجيشه وشعبه، يظل صخرة صلبة في وجه هذه الأطماع، ومع كل محاولة لاختراق السيادة الوطنية، تزداد قناعة اليمنيين أن معركة اليوم ليست محلية فحسب، بل هي دفاع عن مستقبل المنطقة بأسرها، وعن الممرات البحرية التي يريدها العدو الصهيوني رهينة بيده.

قد يعجبك ايضا