هل يمكن خداع أنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية؟
أظهرت معركة طوفان الأقصى التي بدأت في الـ 7 من أكتوبر 2023، وما تبعها من اشتعال للعديد من الجبهات وخاصةً في لبنان، أن دور الذكاء الاصطناعي العسكري لدى الكيان المؤقت، بات محورياً على جميع المستويات العسكرية والأمنية، وخاصةً في مجال التحصيل الاستخباري.
ووفقاً لأحد مسؤولي مديرية الأهداف في هيئة الأركان العامة (التي تأسست في مارس 2019)، فإن آلة الذكاء الاصطناعي التي طُوّرت في شعبة الاستخبارات – أمان، تُحسّن وتُعالج بيانات الاستخبارات باستخدام خوارزميات مبنية على قواعد، وتُقدّم توصيات لتحديد الأهداف، وأنها استطاعت انتاج آلاف الأهداف يومياً، بينما كان انتاج ذلك في السابق يعدّ نوعاً من الخيال العلمي.
أما أسلوب توليد الأهداف بشكل مبسّط، فهو من خلال رصد مديرية الأهداف لسلوكيات وظواهر “العدو” غير الاعتيادية عبر مجموعة متنوعة من صيغ المعلومات (الصوت، النص، الصورة، الفيديو، الرادار، صور الأقمار الصناعية، ومجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار التكنولوجية الأخرى)، وتُصدر عندها بسرعة غير مسبوقة توصية بشن هجوم، أو في حال “السلم” تقوم بتجميع هذه الأهداف في بنك جاهز لأي تصعيد عسكري.
الدافع الرئيسي وراء استخدام الذكاء الاصطناعي
أما الدافع الرئيسي وراء استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي في توليد الأهداف فهو بسبب الإخفاق الإسرائيلي أمام المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، خلال حرب تموز يوليو من العام 2006، وهذا ما يمكن استنتاجه من تصريح المقدم (احتياط) الطيّار الدكتور دان تسيون لأحد المواقع الالكترونية الإسرائيلية حيث قال: “بعد حرب لبنان الثانية، أدرك الجيش أمرين. الأول هو امتلاكنا قوة استراتيجية – سلاح الدقة. والثاني هو أن العدو ينوي الفوز، ولا ينوي البقاء على خط المواجهة. ثم تطورت فكرة استندت إلى إنجازات سلاح الجو في بداية حرب لبنان الثانية (يقصد عملية الوزن النوعي التي باتت تُعرف بعملية الوهم النوعي)”. وأكمل تسيون بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي توصل لخلاصة مفادها: “إذا تمكنا من تدمير 200 هدف في 34 دقيقة، وتدمير جميع الأسلحة الاستراتيجية التي كان يمتلكها حزب الله تقريبًا في ذلك الوقت، فلا يوجد سبب يمنعنا، مع التحضير الجيد، من تدمير 2000 هدف. ففي النهاية، لا يوجد أكثر من 2000 هدف لحزب الله. مستودعات، مقرات، مراكز تحكم – في النهاية، هذا هو العدد. أكثر من 140 ألف صاروخ وقذيفة وقنبلة ليست متناثرة في الميدان، بل مُركّزة في المستودعات بانتظار يوم القيادة”. ويضيف تسيون: “هكذا بدأ عملٌ استخباراتيٌّ مُذهلٌ في الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو والموساد، استمرّ 15 عامًا. يمتلك حزب الله نظام قيادة وتحكم قائمًا على الألياف الضوئية، ولا سبيل للتنصت عليه إلا بالاتصال به، لذا فمن المُرجّح أنهم تواصلوا. وهكذا تمكّنوا من معرفة مكان كل فرد، وأين يتسكّع حسن نصر الله الآن، وأين سيكون بعد ثلاث ساعات. لدمج المعلومات، طوّرنا جهاز ذكاء اصطناعيّ يُحلّل جميع العناصر. هذا يأتي من جميع العناصر، وما يفعله فريق بشريّ في أسبوع، يفعله في ساعة واحدة. بهذه الطريقة، يُمكن تحديد الأهداف آنيًا، وتوجيه الطائرات إليها أثناء تحليقها.
في الواقع، الطائرات دائمًا في الجو، والمعلومات حول الأهداف تصل مباشرةً إلى الطائرة، دون حتى أن يكون ذلك عن طريق الطيارين. سوف يصل السلاح إلى النقطة بالضبط، حتى لو كان الطيار لا يعرف أين هي النقطة”.
وفي مكان آخر من المقابلة، كشف تسيون عن دور رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي، في كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في جيش الاحتلال: “أجرى تغييرات في سلاح الجو، وفي الوقت نفسه، أنشأ “مديرية أهداف هيئة الأركان العامة” في الاستخبارات العسكرية، وهي هيئة مهمتها الوحيدة تحديد أهداف هذه الآلة الهجومية، فبدونها لا يمكن أن ينجح العمل. بمعنى آخر، نُقل التعامل مع الأهداف التي سيهاجمها سلاح الجو إلى هيئة منفصلة، وهي التي تُحدد أي الطائرات ستذهب إلى أين، وليس سلاح الجو. في الوقت نفسه، أنشأ كوخافي مراكز إطلاق النار في القيادات، وفي الواقع، فكّك النظام وحوّل قدراته إلى الميدان. تم كل ذلك بفضل التكنولوجيا وعرض النطاق الترددي اللذين مكّنا الشبكات – في أي لحظة، يرى الجميع الشيء نفسه. يمكن لكل قائد سرية وكل قائد كتيبة أن يرى بالضبط ما تراه الطائرة، وما تراه القيادة، في قطاعه”.
كيف يمكن مواجهة وخداع تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكري؟
بالتأكيد، وكما كان حال صراع المقاومة مع الجيش الإسرائيلي طوال العقود السابقة، عبر تمكّنها دائماً من إيجاد الوسائل والتكتيكات التي تعطّل أو تحدّ من التفوق التكنولوجي، فإنها بالتأكيد ستصل الى ذلك بمواجهة تطبيقات الذكاء الاصطناعي العسكري.
فخداع الذكاء الاصطناعي العسكري، أمرٌ ممكن بل وفي بعض الحالات أسهل من خداع البشر. وهذا ما يؤكد عليه الكثير من الدراسات والمقالات، ومنها الدراسة التي نشرها مركز الأبحاث “نيو أمريكا”، وشارك في تأليفها الضابط السابق في الجيش الأسترالي ميك رايان والخبير الاستراتيجي بي. دبليو. سينجر.
ووفقاً لهذه الدراسة، فإن الأنظمة الذكية أسهل للخداع، وأن الجيوش التي لطالما اعتمدت على الخداع لتضليل الخصوم، ومع تزايد تكليف أنظمة الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات ساحة المعركة، وتحديد الأنماط، وحتى التوصية بالإجراءات، فإنه لم يعد البشر وحدهم أهداف الخداع – بل الآلات أيضًا.
وتخلص الدراسة إلى أنه يُمكن خداع الذكاء الاصطناعي من خلال بيانات استشعار مُتلاعب بها، أو إشارات مُزيفة، أو أنماط مُصممة لاستغلال افتراضاته الأساسية. بخلاف فرق الاستطلاع التقليدية، التي غالبًا ما تعتمد على الحدس أو الشك، قد تفسر الأنظمة الآلية البيانات الفاسدة على أنها حقائق، مما يؤدي إلى استنتاجات خاطئة أو ردود أفعال مضللة.
وفي سياق متصل، يمكن للمقاومة التي لطالما اعتمدت على الدفاع السلبي (من إجراءات التمويه والخداع والاستتار)، كقاعدة أساسية لكل عملياتها العسكرية خلال العقود السابقة، أن تطوّر هذه الإجراءات مع تطور وسائل رصد وتجسس كيان الاحتلال، وربما بوسائل بسيطة للغاية على سيل الذكر لا الحصر (استخدام الدخان – كساتر اصطناعي – والضباب – كساتر طبيعي من أجل منع الأقمار الاصطناعية من رصد التنقلات والحركة). كما يمكن لها العودة الى أسلوبها القديم من إجراءات الحماية السلبية، بحيث تمتنع عن استخدام أي وسائل اتصالات تكنولوجية، إلا وفق آلية عمل آمنة للغاية.
الخنادق