مهرجان الرياض للكوميديا 2025 بين الترفيه واتهامات تلميع السمعة الحقوقية

اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية، السلطاتَ السعودية باستغلال مهرجان الرياض للكوميديا 2025 لصرف الانتباه عن قمعها الوحشي لحرية التعبير وانتهاكات أخرى واسعة.

ودعت المنظمة الفنانين المشاركين في مهرجان الرياض إلى استثمار ظهورهم للمطالبة علنًا بالإفراج عن المعارضين والصحفيين والنشطاء المحتجزين تعسفًا.

ويتزامن المهرجان مع الذكرى السابعة لاغتيال جمال خاشقجي في 2 أكتوبر 2018، ما يضفي على الجدل بُعدًا رمزيًا إضافيًا.

وقالت جوي شيا، باحثة السعودية في المنظمة، إن الذكرى السابعة للقتل الوحشي بحق جمال خاشقجي ليست نكتة، مؤكدة أن “من يتقاضون مبالغ طائلة لتقديم عروض في الرياض عليهم ألا يصمتوا عن المواضيع المحظورة مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير”.

وحثت على المطالبة بالإفراج عن ناشطين بارزين، بينهم وليد أبو الخير المحكوم بالسجن 15 عامًا، ومناهل العتيبي المدربة والناشطة التي أُدينت بسبب نشاطها على الإنترنت وخُفّض حكمها مؤخرًا إلى خمس سنوات.

وتضم لائحة الأسماء المعلَن مشاركتها في العروض الرئيسية: عزيز أنصاري، ديف شابيل، بيل بور، جيمي كار، بيت ديفيدسون، ماز جبراني، سام موريل، مارك نورماند، نيميش باتيل وتوم سيغورا. ووفق هيومن رايتس ووتش، فقد خاطبت المنظمة ممثلي وإدارات عدد من هؤلاء في 19 سبتمبر لطلب لقاء حول أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، من دون تلقي رد حتى الآن.

مبالغ طائلة مقابل تبييض الصورة

أعاد الجدل إلى الواجهة ما قاله الكوميدي الأمريكي تيم ديلون في بودكاسته أواخر أغسطس عن “أجور مرتفعة” عُرضت عليه مقابل المشاركة، إذ ذكر أنّ مهرجان الرياض دفع له 375 ألف دولار لعرض واحد، زاعمًا أن فنانين آخرين حصلوا على ما يصل إلى 1.6 مليون دولار.

ثم أعلن في 20 سبتمبر أن عرضه أُلغي بعدما لم تُرضِ السلطاتُ السعودية تعليقاته الساخرة حول أوضاع العمال الوافدين وقضايا حقوقية.

وقال: “في برنامجي، في بلدي حيث أتمتع بحرية التعبير، سأكون مضحكًا”؛ مؤكدًا أنه لم يكن لينتقد مَن يدفعون له خلال وجوده في الرياض.

وتشير هيومن رايتس ووتش إلى مفارقة حادة بين دفاع بعض الفنانين العلني عن حرية التعبير، وبين الواقع القمعي داخل المملكة.

وتستشهد المنظمة بحالات قالت إنها تجسّد التصعيد: منها إعدام الكاتب والصحفي تركي الجاسر في 14 يونيو/حزيران 2025 بتهم “إرهابية”، وإعدام المحلّل السياسي عبدالله الشمري في فبراير/شباط 2024 على خلفية اتهامات بينها تهديد استقرار السعودية، وسط شُحّ المعلومات عن مسار توقيفهما ومحاكمتهما.

وتقول إن هذه الوقائع تأتي جنبًا إلى جنب مع موجات اعتقال طالت معارضين ومثقفين وأفرادًا من العائلة المالكة منذ 2017، رغم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الواسعة المرتبطة بـرؤية 2030.

في المقابل، تُقدّم الحكومةُ السعودية قطاعَ الترفيه بوصفه رافعةً لتنويع الاقتصاد وجذب الاستثمار والسياحة، وتنظيم فعاليات عالمية بمشاركة مشهورين ورياضيين وفنانين.

وترى الرياض أن هذه الأنشطة تعكس انفتاحًا اجتماعيًا وفرصًا اقتصادية، غير أن منظمات حقوقية تعتبرها جزءًا من استراتيجية علاقات عامة لتلميع صورة البلاد على الساحة الدولية.

تطبيع الظلم

ويزيد المشهد تعقيدًا أن بعض المشاركين يتجنبون الترويج العلني لظهورهم. إذ لا يذكر الكوميدي البريطاني جيمي كار (العرض الرئيسي 6 أكتوبر) مشاركته في السعودية على موقعه الإلكتروني أو حساباته، رغم تأكيده مرارًا دعمه لحرية التعبير “مع تحمّل العواقب”.

بالنسبة لهيومن رايتس ووتش، فإن الصمت العام من فنانين ذوي تأثير واسع يسهّل تطبيع الظلم حين تُستخدم منصات الترفيه لصرف الأنظار عن الانتهاكات.

وتدعو المنظمة الكوميديين إلى استغلال المنصة في الرياض للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين، وإثارة ملف غياب المساءلة في قضية خاشقجي، بدل الاكتفاء بتقديم عروض في موسم يتزامن مع ذكراه.

وتؤكد أن الفنّان ليس مُطالَبًا بتحويل العرض إلى بيان سياسي، لكنه قادرٌ على تمرير مواقف مبدئية مختصرة ومباشرة تضع حقوق الإنسان في الواجهة.

تقييد الحقوق في السعودية

منذ تولّي ولي العهد محمد بن سلمان قيادة المشروع الإصلاحي، شهدت المملكة خطوات انفتاح لافتة تخصّ المرأة والشباب وقطاع الترفيه، لكن منظمات دولية تقول إن هذه الإنجازات ترافقت مع تقييد شديد للحقوق المدنية والسياسية.

ويُشير نقّاد إلى أن اقتصاد الفعاليات قد يغطي على انتهاكات لا تقل أهمية في ميزان صورة السعودية الدولية.

وتخلص جوي شيا إلى القول إن “الكوميديين الذين يظهرون في الرياض عليهم انتقاد الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، وإلا فهم يخاطرون بتوفير غطاءٍ لجهودٍ مُموّلة بسخاء لغسل الصورة”، معتبرةً أن تنامي القمع طال حتى حرية التعبير التي يدافع عنها كثيرون منهم في بلدانهم، بينما يُحرَم منها الناس في السعودية.

ويكليكس السعودية

قد يعجبك ايضا