أحلام لها أجنحة
عبدالكريم الوشلي
الحلم بمعناه الإنساني الصحيحِ والصحي والبَنَّاء والمثمر وليس بمفهومه المرضي الكسيح المعطِّل لقدرات الإنسان وحركته الطبيعية نحو كل ما هو أجمل وأفضل في واقعه وحياته وحياة من حوله، الحلم بهذا المعنى ليس مروحة ننوش بها محبطات الحياة وأعباءها الواقعية الثقيلة والواطئة فحسب، وإنما يُعد المادة الخام الأولى لكل واقع نصنعه بجدنا ودأبنا وكفاحنا في هذه الحياة.
وليس مجازفةً القولُ إن جُل إن لم نقل كلَّ ما أحرزته الإنسانية واجترحه العقل البشري من إنجازات وقفزات في شتى الفضاءات والمجالات العلمية والمعرفية بتجلياتها العملية والحياتية الشاملة كان مبدأها الحُلم ومنبتُها الخيالَ المبادر والنشط والخلاق، أي أن الحُلم كان المهدَ الأول والمؤسِّس لكل إنجاز عملي حققه الإنسان “الحالم” على هذا الصعيد أو ذاك ،كما أن الشعوب والأمم والمجتمعات التي عاشت تلاوين الظروف والأحوال والتحديات والصعوبات وواجهت الأخطار الشتى بما فيها تحديات وأخطار الأعداء من الطغاة والبغاة والغزاة والطامعين والمتجبرين وكثيرٌ ما هم بالكثرة ذاتها للشعوب التي واجهت وتواجه خطرهم وشرهم وضرهم، والتي كانت وتبقى انتصاراتُها عليهم في نهاية كل مصطرع ومحترب معهم بقدر ما تشكلت وتتشكل من معجون ملاحم الجهاد والكفاح والنضال والتضحيات في مقارعة أولئك الطغاة والمعتدين والمجرمين، كانت، أيضا، ولاداتٍ كبرى ومخاضات عظمى لأحلام وتطلعات مشروعة مُحِقة عناوينُها الأساسية الحرية والكرامة والحقوق المصانة والاعتباراتُ الموفورة لهوياتها وثقافاتها وخصوصياتها الحضارية وكينونتها الوجودية بشروطها الجوهرية التي لا تقبل مساسا من أي معتد أو طاغ أو متجبر يروم إخضاعها لغير خالقها..
المهم أن الحُلم سلاح يُعد من بين أهم وأعرق وأمضى أسلحة الإنسان في معركته الأزلية مع الصعوبات والمحبطات والجدران المسدودة.
هو كذلك بالنسبة للإنسان الذات المفردة كما هو للشعوب والمجتمعات والأمم.. ونكاد نقول إن الأحلام هي مكون رديف لحياة الشعوب، ومقدمة لخطواتها النوعية وإنجازاتها الكبرى على أرض الواقع ؛وبالتالي فالشعب الذي لا يحلم لا يمكن أن ينجز شيئا في معاركه مع الأعداء والأخطار والتحديات، ومن بين أمثلة كثيرة ولا حصر لها وليس بوسع حيز كهذا استيعابُ الإفاضة والبسط في عرضها أو سردها، يكفينا هنا المثال الفلسطيني الحي للشعوب التي واجهت وتواجه أعتى قوى العدوان والإجرام والطغيان وأخطرهم وعانت ما ليس بوسع الجبال تحملُه من الويلات والمعاناة متشبثةً بحلم الحرية والإنعتاق، ومازال هذا حالَ الشعب الفلسطيني إلى اليوم وحتى يتحقق له حتما حُلمُه المفتدى والأغلى.
ونحن ،كيمنيين، لا نخرج على أبجديات ومطروحات هذا المنطق البديهي المنظور ومضموناتِ الحقيقة الوجودية التي يقاربها، فلنا أحلامنا ولنا تطلعاتنا وطموحاتنا، ولنا ما نتوق به ونتطلع عبره نحو الآتي الأوعد والأفضل على الدوام ..
وإلى ذلك فأحلامنا، كيمنيين أيضا، أحلام لها أيدٍ وأقدامٌ وعزائم وطاقات وتقنياتٌ “بالستيةٌ وفرطُ صوتيةٍ” أكثرُ تطورا وقدراتٌ على التحليق عاليا، والوصولِ إلى حيث تريد.. أحلامُنا ليست بلا أجنحة.. إنها أحلام لا تعترف بالطرق والآفاق المسدودة..
لأنها أحلام أحرار،مؤمنين، أباة، مضحين، باذلين للأغلى والأنفَس مما يملكون، في سبيل مطلوباتهم ومخطوباتهم الأثيرة..
هم دائما يخطبون الحرية والكرامة المصانة والعزة
..و “من يخطب الحسناء لم يغلها المهر” !