أُمّةٌ مُعْوَجّة.. وكتابٌ لا عِوَجَ فيه.. قراءة في محاضرة الشهيد القائد:[آيات من سورة الكهف]
صادق البهكلي
- الشهيد القائد: القرآن كتاب هدى وبناء وعمل وجهاد.
- الشهيد القائد: المفاهيم المعوجة أخطر من العدو… لأنها تشل الإرادة وتسوّغ القعود
الشهيد القائد: أزمة الأمة الإسلامية أزمة خوف، لا من الله، بل من أمريكا، ومن إسرائيل .
- الشهيد القائد: من جديد نمكن بني إسرائيل من كتابنا، من تثقيفنا وهم من قد نزع الله من بين أيديهم كتبه، وأنبيائه
- الشهيد القائد: الله يصنع المتغيرات لمن يثقون به… كما صنعها لأصحاب الكهف
مقدمة:
في خضمّ التحديات المتلاحقة التي تضرب الواقع العربي والإسلامي، وتحت وقع السيوف الإعلامية والسياسية والثقافية التي تشهرها قوى الاستكبار العالمي، يعيش المسلم المعاصر حالةً من التردّد والحيرة والاغتراب عن منابع القوة الحقيقية التي يمتلكها. إذ لم تعد المعركة تُخاض فقط على ميادين القتال، بل أصبحت تتسع إلى ميدان الوعي، ومجال المفاهيم، ومصير الهوية. وفي هذا السياق، يغدو الحديث عن الرجوع إلى القرآن الكريم ليس رفاهًا روحيًا، أو شعارًا خطابيًا، بل ضرورةً حضارية لإنقاذ الأمة من ضياعها الشامل، وتيهها المستمر.
من هنا تكتسب محاضرة السيد حسين بدر الدين الحوثي، التي ألقاها في صعدة بتاريخ 29 أغسطس 2003م، خصوصية بالغة. فهي ليست خطابًا وعظيًا تقليديًا، بل هي قراءة قرآنية عميقة للواقع، تتخذ من مطلع سورة الكهف منطلقًا لتفكيك المفاهيم المغلوطة التي كرّستها الأنظمة المهزومة، والمناهج التربوية الممسوخة، والدعاوى الاستسلامية التي باتت تبرر للأمة خنوعها وتراجعها.
الشهيد القائد لم يقدّم درسًا دينيًا جافًا، بل خطابًا ينبض بالحياة، يحمّل المؤمن مسؤوليته، ويكشف عن خريطة المفارقة الصارخة بين “قيم القرآن” و”واقع المسلمين”، ويؤكد أن الأزمة الحقيقية ليست في قوة العدو، بل في هشاشة الفهم، وعطب الإرادة. إن المحاضرة تمثل محاولة صادقة لإعادة بناء إنسان مسلم قرآني لا مسلم ملغم بالمذهبية والأفكار المغلوطة، عبر استحضار النماذج الربانية، مثل أصحاب الكهف، وربطها بالتحديات المعاصرة المعاصرة.
إنها دعوة للخروج من أسر الخوف، والتحرر من وهم “استحالة التغيير”، والانطلاق برؤية قرآنية ترى في الدين قوة تغيير، لا مجرد شعيرة، وفي القرآن كتاب مواجهة، لا كتاب للترتيل والتنغيم. في هذا التقرير سنحاول استنطاق ما تيسر من هذه المحاضرة العميقة، قراءة وتحليلاً وإسقاطًا على الواقع:
القرآن الكريم كتاب “قَيِّمٌ لا عِوَجَ فيه”
حين افتتح السيد حسين بدر الدين الحوثي حديثه بتأمل آيات من سورة الكهف، لم يكن ذلك مجرد استهلال تفسيري، بل كان تمهيدًا لنسف واحدة من أخطر العقد النفسية التي تعيق الأمة عن النهوض: الاعتقاد بأن الدين جميل في ذاته، لكنه غير قابل للتطبيق في واقع الحياة.
الآية الكريمة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّمًا} تشكّل في تحليل السيد حسين بدر الدين الحوثي بيانًا توحيديًا جديدًا، لا يُحيل فقط إلى كمال النص القرآني، بل يُسقط على الواقع دعوةً حاسمة إلى التحرر من أوهام “الانسداد”، ومزاعم “استحالة الالتزام”.
في مجمل خطابه، يشنّ الشهيد القائد هجومًا عنيفًا على الثقافة الاستسلامية التي تبرر القعود، وتعلّق الفشل على “قوة الأعداء”، و”سوء الظروف”، و”عوج الدنيا”. ويفنّد بمنهج قرآني صريح هذه الترهات، مؤكدًا أن الله الذي أنزل الكتاب، وخلق الحياة، وركّب سنن الكون، لم يجعل أي تناقض بين رسالته وواقع خلقه. فالقرآن لا يتصادم مع الحياة، بل يهدي الحياة. ولا يُفرَض على ظروف خارجة عن الإرادة، بل يصنع الظروف، ويُحدِث المتغيرات لمن يسيرون على نوره.
ومن هنا ينبثق المفهوم المحوري الذي تعالجه المحاضرة: أن العوج الحقيقي ليس في الدين، ولا في الواقع، بل في نفوس الناس التي امتلأت بالأوهام، وتكلّست بالخوف، وانفصلت عن يقين الهداية.
لذلك، فإن الإصلاح يبدأ من الداخل، من تطهير الذهنية من المفاهيم المعوجة التي تصوّر الدنيا وكأنها “حائط مسدود” أمام دعوة الحق. أما من ينطلقون في واقع الحياة جهاداً وتربية وبناء على أساس هدى الله، فلن يجدوا في الطريق مطبًّا من خلق الله، بل من صُنع ضعفهم.
بهذا التأسيس، يربط الشهيد القائد (رضوان الله عليه) الإيمان بالوعي، والتدين بالفعل، ويُسقِط جدار الأعذار الذي تحتمي خلفه الجماهير والأنظمة، ليعلن بوضوح: ” القرآن هو قيِّم، يرسم طريقاً مستقيماً، ويستقيم بمن يسيرون على هديه، ما ترى عوج”
مفاهيم معوجة… حين يصبح العجز قناعةً، والانهزام حكمَة
من أقسى ما تواجهه أي أمة في مراحل الانحدار ليس فقط ضعف إمكانياتها أو شدة عدوها، بل ما يتغلغل إلى أعماقها من مفاهيم مُشوَّشة، تُلبس القعود ثوب الحكمة، وتُصوِّر الخوف حذقًا سياسيًا، وتُسوِّغ التبعية باعتبارها قدرًا لا فكاك منه.
السيد حسين بدر الدين الحوثي واجه هذا الركام الذهني بوضوح لافت، مركزًا على أن المشكلة الجوهرية ليست في الخارج بل في داخل الإنسان المسلم، حين يستبطن “العوج” في نظرته إلى الواقع، والحياة، والدين.
يقول في موضع شديد الدقة:
“نحن نسمع كثيراً من الناس عادة يقولون: [ما جهدنا، وأعداؤنا أقوياء، والدنيا قد هي كذا، ونحن حالتنا كذا..] تجد أننا نعرض قائمة من العوج، قائمة من العوج.”
إنها “قائمة العوج” كما سمّاها، القائمة التي تستعرضها الشعوب المسلمة يوميًا لتبرير الجمود، وتشرعن غياب الفعل، وتحوّل الاستسلام لثقافة مستقرة.
ويضيف بنبرة ساخطة على هذا الخطاب الانهزامي:
“ومن أغرب ما يقال مثلاً: [الدنيا قد هي ملان نفاق، والدنيا هذه ملان كفر وما باستطاعتنا نعمل شيء] ويقدِّم الدنيا بالشكل الذي لا يمكن أن تكون ساحة للعمل في سبيل الله.”
هذه ليست مجرد عبارات عابرة، بل هي – في منطق المحاضرة – انحراف عقدي خطير، لأنها تضع الإنسان في موقع التشكيك في عدالة الله، وكأن الله أنزل القرآن في بيئة لا تقبل تطبيقه، وطلب من عباده ما لا يستطيعون إليه سبيلاً.
ويتابع:
“فليفهم الناس هذه الإشكالية؛ لأنها فعلاً من أكثر ما يهيمن على نفسيات الناس… أليسوا يتحدثون عن الحياة أنها ملان عوج، ومطبات؟!”
بهذا التوصيف، يجعل السيد حسين من إصلاح المفاهيم أولوية في معركة الوعي، لأن من يفكر بعوج، سيتحرك بعوج، وينتهي إلى نتائج أكثر عوجًا.
وعليه، فالتحرر من هذه “القائمة” هو الخطوة الأولى للعودة إلى الجادة، وهي الجادة التي رسمها القرآن الكريم ككتاب “قَيِّم”، لا يعترف بعذر الضعف، ولا يرحم مبررات القعود.
فتية الكهف… نموذج إيماني يقلب الموازين
في رؤية السيد حسين بدر الدين الحوثي حول قصة أصحاب الكهف، لا تُقدَّم الحكاية كقصة تاريخية مجرّدة، بل كنموذج رباني دائم، يتكرر في كل زمان تتقاطع فيه الإرادة الإيمانية مع طغيان الواقع. فهم – كما وصفهم القرآن – لم يكونوا من علية القوم، ولا من (النخبة) كما نسميهم اليوم، بل مجموعة شبان اتخذوا موقفًا إيمانيًا علنيًا في وجه الانحراف العقدي والسياسي لعصرهم.
“ومن أعظم ما ضرب من أمثلة، وأفضلها ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف من قصة أصحاب الكهف. وأصحاب الكهف كانوا كما حكى الله عنهم فتية، مجموعة من الفتيان. ذكرهم هنا كيف كان إصرارهم، كيف كان صمودهم، كيف كانت قوة نفسياتهم.”
هؤلاء الفتية لم يُقدَّموا كمجرد مؤمنين، بل كأصحاب موقف:{ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا}، إيمان يقوم، لا إيمان يقعد. إيمان يصدح، لا يهمس. ولعل هذه هي الرسالة التربوية الأبرز في القصة: أن الصدق في الإيمان لا يُقاس بمقدار المعرفة، بل بمدى الانطلاق، والثبات، والاستعداد للتضحية.
وفي المحور ذاته، ركّز الشهيد القائد (رضوان الله عليه) على ما اعتبره من أبرز ثمرات الإيمان الصادق: ربط الله على القلوب.
“وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ”
وعنها قال:
“قوى قلوبهم، وهذه هي قضية عندما يقول عنها في المقدمة بأنها آية من آياته، آية لنا المتأخرين نعرف، ليعرف الناس أنهم إذا انطلقوا مؤمنين بالله بشكل صحيح، مؤمنين بالله بشكل جاد، فإن الله يقوي أنفسهم؛ لأنه هو الذي يتحكم في نفوس الناس.”
هذا التمكين النفسي هو بيت القصيد. فالإيمان – في نظر السيد حسين – ليس مجرد اعتقاد داخلي، بل حالة تحرّك وجداني، توصل النفس إلى التوازن، والشجاعة، والتماسك، وهو ما يجعل من أصحاب الكهف رمزًا خالدًا لمن أراد أن يواجه العوج، بقلب موصول بالله، غير معقود بالخوف من الناس.
ثم يؤكد ما يُفهم من السياق العام أن هؤلاء لم يفرّوا هروبًا، بل “اتجهوا إلى مكان ليفكروا أين يتحركوا بعد، وأين يتجهوا ليعملوا على مواصلة نشاطهم، ما هو هروب، ليست مسألة أنه هروب، أنهم قد قالوا تلك الكلمة وهربوا وانتهى الموضوع…”
هكذا تنقلب الموازين: من يظنهم الناس صغارًا، ترفعهم العناية الإلهية، ومن يظن نفسه كبيرًا – بعقله أو ماله أو منصبه – يتهمّش ويتقزّم حين يتخلى عن الحق. إنها سنة الله التي تتكرر: القوة ليست في الأجساد، بل في القلوب التي ترتبط بالله.
رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)… المصدِّق الأول، والنموذج الأعلى في التأسي والقدوة
في معرض تفسيره العميق للآيات، توقف السيد حسين بدر الدين الحوثي عند صورة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) كما يصورها القرآن: نبيٌّ يكاد يهلك نفسه أسفًا على من لم يؤمن برسالة الله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}
ليست فقط تعبيرًا عن الحزن النبوي، بل مرآة تعكس عمق الارتباط الصادق بين الرسول والقرآن، بين الإيمان والموقف، بين العلم والعمل.
وفي تعليق السيد حسين على هذه الآية، يظهر التحليل في أرقى صوره:
“يعني أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرف عظمة هذا القرآن، وهو إنسان رحيم بالناس، حريص على الناس، يحب للناس الخير إلى أقصى درجاته، حتى أولئك الأعداء الذين يواجهوه.”
لكن الفكرة لا تتوقف هنا، بل يُسقطها على واقع اليوم، ليقارن بين نفسية النبي المشتعلة ألمًا لعدم استجابة الناس، وبين جمود كثير من المتدينين في هذا العصر، ممن لا تثيرهم مؤامرات الأعداء، ولا تحرّكهم انتكاسات الأمة، وكأن لا علاقة لهم لا بالقرآن ولا برسالة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله).
ثم يطرح تساؤلًا بلاغيًا حادًا:
“لاحظوا كيف موقفنا نحن، ما هناك أحد ممكن أنه يدفعه أسفه إلى أنه يتعاون بأبسط شيء من أجل القرآن فضلاً عن أن يقتل نفسه، أو ينطلق في عمل من أجل إعلاء كلمة هذا القرآن.”
هنا يكشف المفارقة المفجعة: بين صدق النبي وفتور الأمة، بين عظمة الرسالة وضعف الحاملين لها. ومن هذه المفارقة، يستخلص معيارًا حاسمًا للفاعلية الإيمانية:
“ولهذا كما نقول: إن القرآن الكريم هو أهم مصدر لمعرفة سيرة النبي، القرآن يعرِّفك حتى على مشاعر النبي، ونفسية النبي، ومواقفه.”
وبناءً عليه، فإن التأسّي الحقيقي برسول الله لا يكون بمجرد حب عاطفي، أو تقليد ظاهري، بل بأن تُحمَل همومه، وتُبنى النفسيات على شاكلته، وتُقاس حرارة الإيمان بمقدار الأسى على ضياع القرآن في حياة الناس، ومدى الجدية في إعلاء كلمته في وجه المستكبرين والساكتين على السوء.
“أن تكون أنت أول مصدق بما تأتي به، مصدق بما تتحرك فيه أنت”… تلك هي القاعدة الذهبية التي يضعها الشهيد القائد في وجدان كل مؤمن؛ لأن من لا يصدق بما يحمل، لن يكون يومًا صادقًا في حمله، مهما رفع من شعارات.
حرب المناهج… غزو ناعم لاحتلال العقول والقرآن
في معرض حديثه عن طبيعة الهجمة الأمريكية الصهيونية على الأمة الإسلامية، يكشف السيد حسين بدر الدين الحوثي جانبًا من أكثر أساليب الحرب خطورة: الهيمنة على المناهج التربوية، وصياغة الوعي العام وفق رؤية استعمارية ناعمة. وهي ليست حربًا مدججة بالصواريخ فقط، بل حرب في ميدان الفكر والتثقيف والتنشئة، تُشن من خلال المدرسة والمسجد، والكتاب والخطبة.
يقول بمرارة تكشف حجم الكارثة:
“من أسوأ ما في هذه بالنسبة للناس أننا جئنا من جديد نمكن بني إسرائيل من كتابنا، من تثقيف أنفسنا، من تثقيف أولادنا؛ ليحرِّفوا، ليخفوا الكثير منه، وهم من قد نزع الله من بين أيديهم كتبه، ووراثة كتبه، وأنبيائه، فهل نمكنهم نحن؟!”
هنا، يكشف السيد حسين عن المفارقة المهولة: اليهود الذين حرّفوا التوراة والإنجيل، يُمكَّنون اليوم من المناهج الإسلامية في المدارس الرسمية! وفي صلب مشروعهم طمس آيات الجهاد، وآيات الولاية، وآيات مواجهة بني إسرائيل، في عملية “تجريف منهجي” تحوّل القرآن إلى قراطيس مهجورة، لا حضور لها في وجدان الأجيال.
ويقول مستنكرًا:
“ألسنا نسمع أخباراً بأنهم يريدون أن يخفوا آيات الجهاد، والآيات التي عن بني إسرائيل، وآيات مدري ماذا! يطلع لك نصف القرآن يخفونه عن الناس! هذا يعتبر من الكفر الرهيب، من الكفر الرهيب بهذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها على عباده: القرآن.”
والمفارقة الأخطر في هذه المعركة – كما يبينها – أن المسلمين لا يظهرون أي ممانعة، ولا اعتراض يُذكر! فالتحالفات السياسية مع أمريكا جعلت من القيادات والنخب أدوات تنفيذية لمشاريع التغيير الثقافي، تحت غطاء “الإصلاح الديني”، أو “تحديث التعليم”.
إنها حرب تشن على الجيل القادم من الداخل، حرب لا تخرّب الجدران، بل تنقض الثوابت، وتعيد تشكيل الإدراك الجمعي؛ لصناعة أمة لا ترى في القرآن مشروعًا للحياة، بل نصوصًا ميتة يجب ترويضها لتناسب مزاج المحتل.
ويصرخ السيد حسين بدر الدين الحوثي في هذا السياق حمل موقف المسلمين من تغيير مناهجهم على أيدي اليهود والنصارى:
“كيف لا يعترضون، ولا يضجون على أن هناك توجه يهودي للسيطرة على مناهج المسلمين! أنا أتصور هذه أنها عند الله كبيرة جداً، أنها مظنة أن يحصل للأمة هذه ضربات شديدة.”
هكذا تصبح المعركة حول المناهج معركة وجود لا تدريس، ومعركة وعي لا نصوص. ومن يفقد زمام وعيه، لن يطول الأمر حتى يفقد هويته، وتاريخه، وقرآنه.
وكمثال فقد شمل تغيير المناهج تقريبا في جميع الدول العربية بناء على طلب أمريكي وعلى سبيل المثال في السعودية كنموذج احصائي لحجم التغيير في المناهج لتتماشى مع الرغبة الإمريكية والإسرائيلية فقد كشفت دراسات إسرائيلية عن تحليل 301 كتاب مدرسي لوزارة التربية والتعليم السعودية، وورد أن وزير التعليم السعودي كشف سابقاً عن 120 ألف تعديل شملت 89 كتاباً في المناهج التعليمية السعودية، بالإضافة إلى إدخال 34 كتاباً ومنهجاً مستحدثاً ليصل مجموع المقررات المستحدثة إلى 52 كتاباً. هذه التعديلات هدفت، بحسب بعض المصادر، إلى “ترويج التطبيع مع العدو الصهيوني”. ومنظمة “IMPACT-se” (مراقبة الكتب المدرسية السعودية) قامت بمراقبة الكتب السعودية منذ أوائل عام 2000، وفحصت التغييرات التي أجريت على أكثر من 80 كتاباً مدرسياً خلال العام الدراسي 2022-2023.
أكذوبة “مكافحة الإرهاب”… الإسلام هو المستهدف
في مواجهة الخطاب الإعلامي الغربي – والأمريكي تحديدًا – الذي دأب بعد أحداث 11 سبتمبر على الترويج لشعار “مكافحة الإرهاب”، يقدّم السيد حسين بدر الدين الحوثي تفكيكًا عميقًا لهذه الذريعة، مبينًا أنها ليست سوى قناع لحرب شاملة على الإسلام، تستهدف وجوده لا سلوكه، وهويته لا تطرفه. فالمشكلة من وجهة نظر أمريكا ليست مع الإرهاب، بل مع أي التزام إسلامي صادق.
يقول بوضوح يقطع الشك باليقين:
“نقول: الآن افتضح الأمريكيون، افتضحوا، الذين قالوا أنهم لا يريدون إلا أن يحاربوا الإرهابيين!”
ثم يواصل فضح التناقض الأمريكي:
“فلماذا بادروا إليها ليحتووها، ويغيروا المناهج التعليمية، ويصيغونها على ما يريدون؟ مع أنه منهج لا يطلع ملتزمين بالدين؟!”
هنا تتجلى الحجة القرآنية في أوضح صورها: أن العدو يفضح نفسه حين يسعى إلى تغيير مناهج لم تكن تُخرّج جيلًا مجاهدًا أو ملتزمًا أصلًا، بل كانت – في كثير من الأحيان – مناهج مفرغة من المضامين القرآنية. ومع ذلك، فقد وجدوها غير مناسبة، لأنها ما زالت تحتفظ ببعض الآيات التي تذكّر بالجهاد، أو تكشف خيانة بني إسرائيل.
وهكذا يخلص السيد حسين إلى نتيجة مفصلية:
“هم يريدون الاحتلال لأفكارنا، لنفوسنا، لبلادنا، لقيمنا، لكل ما يربطنا بديننا.”
إنها حرب بالغة الخبث، تستهدف جذور الانتماء الديني للأمة، وتسعى إلى إنتاج جيل لا يحب الله، ولا يكره أعداءه، ولا يعرف معنى الولاء ولا البراءة. جيل يعيش في ظل الإسلام اسماً، لكنه مفتون بأمريكا واقعًا، يقدّس نموذجها السياسي، وينشأ على مدرستها الفكرية.
ويتابع:
” هم يريدون هذه، وإلا لما اتجهوا إلى المدارس الحكومية التي لا تخرج مناهجها ولا ملتزمين، التزام ببعض الأشياء، ما هذا معروف؟ أم أنه ليس معروفاً؟ تحدثوا في أوساط الناس نحن نقول: إذا كنا أذكياء نعرف كيف نعمل سننجح أمام أي قضية ينزلها الأمريكيون.”
بهذا المنطق القرآني الواضح، يقدم الشهيد القائد تحليل استراتيجي لحقيقة المعركة. فالمعركة ليست بين “الإرهابيين” وأمريكا، بل بين القرآن ومن يسعون إلى طمسه، بين أمة يُراد لها أن تُفطم عن هويتها، وعدو يعرف أن تمكينه لن يكتمل إلا إذا نُزعت من صدور هذه الأمة آيات الولاء ، والجهاد وفصلها عن القرآن وعن أعلامه وورثته بشكل عام.
ومن النقاط المهمة التي تمثل رؤية استباقية واستشراف دقيق لمآل المؤامرة الأمريكية وإلى أين تتجه يقول السيد حسين ـ:
“إذا كنا أغبياء سيقهروننا بغبائنا. هم ما تغلبوا علينا اليهود إلا لغبائنا، هل تفهمون هذه؟ لأننا دائماً لا نهتدي بالقرآن. أؤكد على كل واحد أن يتحدث في هذه النقطة، أن هذا يفضح الأمريكيين بأنهم قالوا: يريدون مكافحة الإرهاب فقط! هم يريدون احتلال، وهيمنة، وحرب للدين؛ وإلا لما اتجهوا إلى تغيير المناهج في المدارس الحكومية التي لا تخرج حتى ولا مصلين. أليس هذا معلوماً؟”.
وهذا للأسف ما حدث وما أصبح ماثلا أمامنا اليوم في غزة ولبنان وسوريا وإيران واليمن وغيرها من منطقتنا العربية والإسلامية الأمريكي والصهيوني لايريد إلا أمة خانعة تقدم له المال وتصمت أمام مؤامراته الاستعمارية والتوسعية لدرجة أن الرئيس الأمريكي بات يسخر ويستهزئ بزعماء هذه الأمة جهارا نهارا أمام وسائل الإعلام العالمية بدون خجل أو احترام ..
الخوف من بأس الآخرين… صنم نفسي يهدمه القرآن
لطالما كان بث الخوف أحد أقوى أسلحة الطغيان، لا بقوته الذاتية، بل بما يصنعه في النفوس من شلل، وانهزام، واستباق للهزيمة قبل وقوعها. السيد حسين بدر الدين الحوثي يضع إصبعه على هذا الجرح العميق، مبينًا أن كثيرًا من المسلمين لا يعبدون الله كما ينبغي، لأنهم – وإن اعتقدوا أنهم مسلمين – إلا أنهم يُعظّمون بأس أعداء الله أكثر مما يخافون بأس الله نفسه.
ويستشهد بالآية:{لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ}
معلّقًا عليها بالقول:” ما يقعد الناس عن التحرك في سبيل الله إلا الخوف من بأس الآخرين… أليس هذا هو الذي يقعد الناس؟ قل وهذه واحدة.”
إنها إذًا أزمة خوف، لا من الله، بل من أمريكا، من إسرائيل، من الأنظمة، من السجون، من الضغوط… خوف ينمو في بيئة نفسية فقدت ثقتها بوعد الله، وبقدرة القرآن، وبأن المتغيرات تصنعها الإرادة المتصلة بالله لا المعادلات السياسية الباردة.
ويضيف في مقطع بالغ القوة:” أن البأس الشديد الذي يجب أن نخافه هو البأس الشديد الذي من لدنه هو، أما ما كان من لدن الآخرين لا يمثل شيئاً.”
هنا يتجلّى الفرق بين رؤية قرآنية تبني الموقف على حسابات الآخرة، ورؤية بشرية تقف عند تخوم اللحظة، وتضخم الأخطار الظرفية حتى تصبح آلهة تُعبد من دون الله. فالقرآن يُخيف المؤمن من حساب الله، من عذابه، من سوء المصير، لا ليُرعبه، بل ليدفعه إلى الفعل، إلى الصمود، إلى حمل مسؤوليته.
وتابع السيد حسين تفصيل هذا البأس الإلهي:
“أنظر إلى ما توعد ـ الله ـ به من أعرضوا عن ذكره، ما توعد به من أصبحوا أولياء لأعدائه… خزي شديد في الدنيا، ذلة، قهر، إهانة، معيشة ضنكا في الدنيا، وفي الآخرة سوء الحساب، وجهنم. أليس هذا بأس شديد؟”
بهذه المقاربة، يعيد الخطاب القرآني تشكيل مفهوم “الخوف”، فلا يعود سببًا للانكماش، بل دافعًا للثورة. فحين يخاف المؤمن من بأس الله أكثر من بأس أعدائه، يصبح حرًا من الداخل، محررًا من قيود التردد، مستعدًا للتضحية، منطلقًا بقوة البصيرة لا وهم الموازين.
والنتيجة التي يخلص إليها الشهيد القائد كما قال الله: {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ}(الكهف2) من انطلقوا يخافون البأس الشديد من لدن الله فيما إذا فرطوا، وقصروا، هل جلسوا يتخوفون من الآخرين، ويرون الآخرين أكبر من الله؟.
“فكان عملهم عمل هام، وما أعد الله لهم من الثواب العظيم في الدنيا، وفي الآخرة، بالشكل الذي يقول فيه: {وَيُبَشِّرَ} والبشارة لا تأتي إلا بالشيء العظيم.”
إنها معادلة واضحة: من خاف الله صدقًا، لم يخف أحدًا من خلقه، ومن صدق بالله، لا يتراجع. فالبأس الشديد ليس في القنابل، بل في الغفلة عن الحق، وليس في الطغاة، بل في ترك مواقع التكليف.
وضمن هذا السياق، يمكن قراءة الموقف اليمني المساند لغزة – لا سيما في عملياته العسكرية النوعية في البحر، واستهدافه المباشر للموانئ والمطارات الإسرائيلية – باعتباره تجسيدًا حيًا لهذه المعادلة القرآنية.
فالذين ينظرون إلى هذا الموقف من خلال موازين المادة والمصالح السياسية، قد يرونه تهورًا أو جنونًا. أما من ينظر إليه بعين القرآن، فسيقرؤه بوصفه موقفًا إيمانيًا عظيمًا، مبنيًا على الثقة بوعد الله، والانطلاق في سبيله، والقيام بالمسؤولية الشرعية أمامه. إنها الروح ذاتها التي حملها أصحاب الكهف، والتي يريد الشهيد القائد بعثها من جديد في قلب هذه الأمة.
أمريكا كإله جديد… العرب في قبضة الولاء الأعمى
من النقاط المفصلية في خطاب السيد حسين بدر الدين الحوثي، كشفه الجريء ونظرته الاستباقية لما وصفه بـ”علاقة الولاء التي باتت قائمة بين معظم الأنظمة العربية وأمريكا”، ليست ولاءً سياسيًا تكتيكيًا فحسب، بل انقيادًا نفسيًا وعقائديًا يصل حد التقديس. وفي تعبيره اللافت، لا يتحدث عن أمريكا كقوة استعمارية فقط، بل كـ”إله جديد” يتولاه العرب، ويطيعونه، ويخافونه، أكثر مما يخافون الله.
يقول بمرارة ووضوح:
“معظم العرب الآن متجهين إلى أمريكا وكأنها إله! يطيعونها وتفعل ما تشاء.”
هذه الجملة، على قِصرها، تختزن حجم المأساة الأخلاقية والروحية التي تعيشها الأمة، إذ لم تعد الأزمة مجرد تبعية سياسية، بل تحوّلت إلى خضوع عميق للهيمنة الغربية بوصفها مرجعية مطلقة. يُستفتى فيها الحاكم قبل أن يحرّك جنديًا، ويُنتظر رضاها قبل أي قرار، ويُخشى غضبها أكثر مما يُخشى غضب الله.
ويعزز السيد حسين: هذا التشخيص بربط مباشر مع ما جاء في قصة أصحاب الكهف، حين رفضوا أن يجعلوا الولاء لغير الله:
“أن تتخذ إلهًا غير الله، هو أن تتخذ وليًا من دون الله، تخافه أكثر مما تخاف الله، ترجوه أكثر مما ترجو الله، تهابه أكثر مما تهاب الله.”
بهذا الربط، ينقلنا من حدث تاريخي قرآني إلى مشهد سياسي معاصر، حيث يصبح الولاء لأمريكا خيانة عقدية لا مجرد خيانة سياسية، لأن من يُطيعها في الباطل، ويخاف سطوتها أكثر من بأس الله، فقد اتخذها وليًا من دون الله.
ويتابع بكشف خطير لحالة الخنوع:
“أصبحنا حتى فيما يتعلق بأمريكا لا أحد يجرؤ أن يقول شيئًا، ألا يقولون هكذا؟ [لا تفتح عليك باب، لا تجيب لنفسك كلام، لا تدخل في متاهات].”
وهنا يُظهر لنا كيف تحوّل الخوف من أمريكا إلى رقيب داخلي على الضمير العربي، يُكمم الأفواه، ويشلّ الإرادات، ويمنع الناس من حتى مجرد الحديث عن الظلم الأمريكي. فيصبح “الخوف من الكلام” مدخلًا لتطبيع الاستعباد، ولإنتاج شعوب خرساء، وحكومات بكماء.
إن هذه العلاقة المشوّهة مع أمريكا هي – في تحليل السيد حسين – أحد أبرز مظاهر “العوج” الذي تحدثت عنه سورة الكهف، وهو عوج في العقيدة لا فقط في السياسة، لا يُعالَج إلا بإعادة ترسيخ مفهوم “الولاء والبراءة”، والتمسك بعزة التوحيد التي لا تركع لأحد سوى الله.
وما نشهده اليوم من عجز فاضح للأنظمة العربية والإسلامية عن اتخاذ موقف حقيقي لإنقاذ أبناء غزة من الإبادة، والتجويع، والتهجير، ليس إلا انعكاسًا صارخًا لهذا العوج العقدي والسياسي.
لقد رأينا كيف ساهمت أنظمة عربية – لا بالصمت فقط، بل بالفعل المباشر – في إحكام الحصار على قطاع غزة، ومنعت حتى المساعدات الرمزية من الوصول. والأسوأ من ذلك، أن بعض هذه الأنظمة – ومنها النظام الأردني – ذهبت إلى التصدي للعمليات العسكرية المساندة لغزة، سواء انطلقت من اليمن أو من إيران، عبر اعتراض الطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية المتجهة نحو الأراضي المحتلة، وكأن العدو الحقيقي ليس الكيان الصهيوني، بل من يقاومه!
إنها اللحظة التي تتجلى فيها آيات سورة الكهف أمام أعيننا: حين تتبدّى الأنظمة كأولياء لغير الله، وتُسخّر إمكانياتها لحماية العدو، ومواجهة أولياء الله، هنا نعلم أن الخلل ليس في فقدان “الرؤية السياسية”، بل في انقلاب موازين الولاء والخوف والطاعة.
رعاية الله تصنع المتغيرات… وتقلب الحسابات
وعبر استحضار مشهد الرعاية الإلهية الفائقة لأصحاب الكهف، يؤكد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) أن الله حين يتولى أولياءه، يصنع لهم من المتغيرات ما لا يخطر على بال، ولا يخضع لأي منطق مادي. أصحاب الكهف – وهم فتية مستضعفون، لا يملكون لا طعامًا ولا شرابًا – لم يكونوا في حالة “هروب سلبي”، بل في مرحلة “تحوّل استراتيجي”، يفكرون في مواصلة العمل، والتخطيط لمواقف قادمة. ومع ذلك، تولّاهم الله برعايته الشاملة، وهيّأ لهم ما يعجز العقل عن تصوره.
“فمن يُحرّك الفلك لمجموعة أشخاص راقدين في كهف من أوليائه، ألا يستطيع يصنع كثيراً من التغيرات في هذا العالم ليهيئ أمام من يتحركون في سبيله، وعلى سبيل هديه؟ هذا مثل للناس.”
يحرك الله الشمس يوميًا عن مسارها لتصل شعاعًا محدودًا إلى داخل كهفهم، يقلب أجسادهم وهم رقود، يضع الكلب في وضعية حراسة ليمنع اقتراب أحد، ويجعل الكهف مهيبًا مرعبًا لمن يراه. كل ذلك – كما يبين الشهيد القائد – ليصنع من هذا المشهد رسالة قرآنية حيّة تقول: من ينطلق في سبيل الله، فإن الله لا يتركه أبدًا، بل يسخّر له من السماء والأرض، ما لا يمكن تصوره.
“ذلك من آيات الله” – يقول الله في سورة الكهف – فليست مجرد قصة، بل نموذج رباني يعيد بناء الثقة المهزوزة في قلوب من يخافون من العقوبات الأمريكية، أو الحصار، أو القتل، أو التجويع. فكل من يخشى التبعات، ويرتعد أمام التهديدات الغربية أو الصهيونية، عليه أن يقرأ هذه الآيات بعين الإيمان لا بعين السياسة.
من يخاف الله بحق، سيتحرك ولو خُذل، وسيثق أن الله سيرعاه ولو ضاقت به الأرض، كما رعَى من قبله فتيان الكهف. أما من يضل، ويعرض عن هدى الله، فلن يجد له “وليًّا مرشدًا” مهما استعان بخبراء الغرب، ومهما شحن خزينته بالبترول والسلاح.
” ولهذا قال: {كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} من الآيات العجيبة، التي تخلق عندك ثقة أكثر، وتعطيك بصيرة أكثر، وترى فيها خرق للشيء المألوف؛ لأنه أحياناً الإنسان متى ما قال الناس: نتحرك في سبيل الله، نعمل على الإلتزام بهذا القرآن، ونعمل على أن نعلي كلمة الله، وأن ندافع عن نفوسنا، وعن ديننا.
فيكون يرى الدنيا هذه مقفل أمامه، مقفل، مع أن الوضعية عادة ما هي مستحيلة أن يحصل فيها تغيرات على يد الإنسان، وضعية الدنيا. لكن هنا تجد أنه عمل متغيرات غير مألوفة، وغير معتادة في هذه الوضعية، من حركة الشمس اليومية بشكل غير طبيعي، ومن وضعية هؤلاء الناس، ما هي كانت كلها خارقة للعادة؟ كانت خارقة للعادة، أي: متغيرات خارقة للعادة.
فهو سبحانه وتعالى الذي قال في آيات أخرى بأن له ملك السموات والأرض، وأنه إليه ترجع الأمور، وهو المدبر لشؤون السموات والأرض.
هذه تؤكد لك بأن من عمل المتغيرات الخارقة للعادة سيعمل المتغيرات لمن يسيرون على هديه ويهيئ لهم أن يعملوا في سبيله، إذا كانوا منطلقين لنصر دينه، لإعلاء كلمته، ليسوا منطلقين من قضايا شخصية لديهم.”
بهذه الفقرة، يختم السيد حسين بدر الدين الحوثي معالم منهج متكامل: من ينطلق بنقاء نية، وصدق ولاء، وثقة كاملة بوعد الله، فلن يُخذل، ولن يُهزم، وإن بدا في الموازين الأرضية أنه مهزوم. فالمعيار ليس “غياب الصعوبات”، بل حضور الرعاية الإلهية التي تعمل في الخفاء لتصنع النصر في الوقت الذي يريده الله، وبالطريقة التي يريدها الله.
من ظلال فتية الكهف إلى واجهة الصراع مع طواغيت اليوم ..
بعد كل ما قُدِّم في المحاضرة من معالجات قرآنية للمفاهيم المعوجة، ومن استدعاء لنماذج إيمانية صلبة كأصحاب الكهف، ومن كشف للمشاريع الثقافية الناعمة التي تستهدف الأمة، لا تبقى المحاضرة مجرد خطاب توعوي، بل تصبح خارطة طريق لإعادة بناء الذات الإسلامية، فردًا وجماعة، على أساس من الوضوح العقائدي، والبصيرة السياسية، والتسليم لله وحده.
لقد نجح السيد حسين بدر الدين الحوثي في هذه المحاضرة في أن يربط بين النص القرآني والواقع المعاصر بطريقة نادرة، جمعت بين حدة التشخيص، وصدق الدعوة، وعمق التربية. كشف أن الأزمة ليست في النصوص، بل في النفوس؛ ليست في نقص الوحي، بل في غياب الجدية؛ ليست في قوة العدو، بل في وهن الإرادة. وأن علاج هذا كله يبدأ من إعادة الاعتبار للقرآن ككتاب حياة، لا كتاب وعظ، وكقوة فعل، لا كتاب للتبرك.
وفي عالم تعلو فيه رايات الباطل، وتُخنق فيه أصوات الحق، ويتواطأ فيه بعض “أبناء الأمة” مع المحتل الغازي ضد قيمهم وتاريخهم، تصبح الرسالة القرآنية أعظم ما نملك. لكنها لا تُؤتي ثمارها ما دامت حبيسة الألسن دون القلوب، أو حبيسة المساجد دون ميادين المواجهة.
المطلوب – كما فهمناه من هذه المحاضرة – ليس فقط أن نقرأ سورة الكهف كل جمعة، بل أن نكون من “فتية الكهف” في زمن العوج. أن نقف، ونتكلم، ونواجه، ونهاجر من بيئات الخنوع إلى فضاء الاستقامة، ونوقن أن من ربط على قلوب أولئك، سيشدّ على قلوبنا، إذا صدقنا النية، ووعينا المهمة.
إن كل مسلم اليوم مدعو ليعيد النظر: هل هو من الذين “اتخذوا القرآن مهجورًا”، هل يخاف من بأس الله، أم يخشى بأس أمريكا؟ هل يتمسك بالعروة الوثقى، أم يطوف حول صنم الحداثة الزائفة؟
القرآن لا يزال يعرض نفسه على من أراد الهدى. ومن صدق مع الله، جعله من أهله، وربطه بموكب الأنبياء، وأمدّه بالبصيرة، وجعله لبنة في صرح الأمة التي وعد الله بتمكينها. وما أعظم هذا الوعد، وما أقربه لمن وعى، وصدق، وتحرّك.
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى • وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا…} صدق الله العظيم.