الأخبار اللبنانية:«إعلان بكين» لا يأتي بمعجزات: اليمن أكثر بُعداً عن السلام

 

 

خلافاً للأجواء الإيجابية التي سادت لدى الإعلان عن الاتفاق الإيراني – السعودي برعاية صينية، والآمال التي أثارها بتزخيم النشاط الديبلوماسي الرامي إلى خفض وتائر التصعيد في بعض النزاعات الإقليمية، وتخفيف التشنّجات في شبه الجزيرة العربية والخليج، مرّ فتح السفارة الإيرانية في الرياض قبل أيام قليلة، في أجواء من التصعيد بين كلّ من السعودية واليمن، وفي ظلّ الحديث عن احتمالية تجدّد العمليات العسكرية أو على الأقلّ حدوث تصعيد محدود

يبدو، إلى الآن، سواءً بحسب المعلومات أو القراءات، أن الديناميات الجديدة في ما بين إيران والسعودية، لا تزال مقتصرةً على محاولة تنقية العلاقات الثنائية بينهما، من دون التطرّق إلى بؤر التوتّر، أو السعي إلى تبريد ساحات الصراع في المنطقة. وكان توقّع كثيرون، وخصوصاً أولئك الذين يدورون في الفلك السعودي، تحقيق مكاسب مباشرة وسريعة من الاتفاق، وتزايد فرص تحقيق نتائج استراتيجية إيجابية بعيدة المدى، خصوصاً لناحية تحويل الهدنة الراهنة في اليمن إلى حلّ سلمي دائم. لكن خلافاً لتلك التوقّعات، لا تزال المعطيات بخصوص اليمن على نفس ما كانت عليه قبل «إعلان بكين»، لا بل يبدو أن البلد يتّجه نحو جولة جديدة من التصعيد، في ظلّ استمرار السعودية في سياسة المراوغة وشراء الوقت، والالتفاف على مطالب «أنصار الله» المتّصلة بالملفّ الإنساني، والتملّص من الموجبات الطبيعية لوقف الحرب.

وركّزت الدعاية السعودية، في الأسابيع التي تلت التوقيع على الاتفاق مع إيران، على أن الأولوية في المرحلة التالية هي لمعالجة الأزمة اليمنية، وحاولت تشكيل سياق داعم لهذا التوجّه، عبر إضفاء دلالات زائدة على تطوّرات من قَبيل نقل مقرّ قناة «المسيرة» من بيروت إلى صنعاء، وزيارة السفير السعودي لدى اليمن إلى العاصمة اليمنية في أواخر رمضان الماضي، في ما بدا وكأنه محاولة اختبار للنيّات الإيرانية حول اليمن بالتحديد. إلّا أنه، وفق ما بات أكيداً، فإن أيّ نقاش لم يجرِ في بكين في شأن المسألة اليمنية، فيما كان سبب تعثّر مفاوضات الجانبَين في بغداد أصلاً، إصرار السعوديين على طرح الملفّ اليمني، وتمسّك الإيرانيين في المقابل بكون هذا الملفّ يبحَث حصراً مع صنعاء.

وممّا يزيد الأمور تعقيداً، مضيّ الولايات المتحدة في طريق عرقلة الحلول السياسية للأزمة، عبر أدوات عديدة آخرها إغراء الجانب السعودي بحماية أجوائه وتزويده بالمعدّات العسكرية اللازمة للاستمرار في رفض مسار السلام. وفي هذا الإطار، أكّدت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، تزامناً مع وصول وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى السعودية في زيارة مدّتها ثلاثة أيام، أن الولايات المتحدة «ملتزمة بتعزيز الشراكة الأمنية مع السعودية من خلال مبيعات الأسلحة التي ستدعم البنية الدفاعية والجوية والصاروخية للمملكة، وستجعلها أكثر تكاملاً، وأيضاً من خلال المشاركة في التدريبات المشتركة والتصدّي لانتشار المسيَّرات والصواريخ بين الجهات غير الحكومية التي تهدّد السلام والأمن في المنطقة».
وتُعدّ زيارة بلينكن الثانية لمسؤول أميركي خلال شهر إلى السعودية، حيث كان مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قد زار المملكة في السابع من أيار الماضي لمناقشة عدّة ملفّات، منها اليمن، الذي أدّى توسّع الصراع فيه إلى تهديد الاستقرار الأمني في منطقة الخليج، وأظهر محدودية فاعلية الضمانات الأمنية التي توفّرها الولايات المتحدة لحلفائها الخليجيين، خصوصاً عندما شنّت «أنصار الله»، خلال السنوات القليلة الفائتة، هجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على منشآت نفطية ومواقع استراتيجية أخرى في السعودية، فضلاً عن هجمات على الإمارات.

طهران أبلغت الرياض بأن أي نقاش حول ملفّ الحرب والسلام في اليمن يكون مع صنعاء وليس معها

ويرى مراقبون أن هدف الولايات المتحدة من إعاقة التسوية اليمنية – السعودية التي كانت على وشك التوقيع، هو إفشال الاتفاق الإيراني – السعودي. ويعتقد هؤلاء أن واشنطن تستخدم الورقة اليمنية، التي قد تكون إحدى أهمّ الأوراق لديها الآن، لابتزاز الرياض وليّ ذارعها، على خلفية تضارب المصالح بينهما في الوقت الراهن. والشاهد على ما تَقدّم، كما يقول المراقبون، أن واشنطن سحبت منظومات الدفاع الجوي المخصّصة للدفاع عن الأجواء السعودية، ولا سيما «الباتريوت»، لأسباب سياسية وأخرى متعلّقة بأسعار النفط، وأبقت تلك الأجواء مكشوفة من دون حماية. وعلى رغم معرفة المملكة بخلفيات هذه الوقائع، واضطرارها على إثرها إلى المسارعة إلى الاتّصال بالقيادة العُمانية لتنشيط التواصل مع حركة «أنصار الله»، والذي تُوّج العام الماضي بالهدنة الإنسانية التي ما زالت سارية المفعول بشكل غير رسمي حتى اليوم، إلّا أن الجانب السعودي لا يبدي، حالياً، مقاومة للضغوط الأميركية في شأن اليمن، وذلك لارتباط منظومته العسكرية بالكامل بالجانب الأميركي على الصعد كافة (صيانة، تذخير، وإدارة). وفي هذا الإطار، كشفت تقارير أميركية وغربية، في الآونة الأخيرة، أن الإدارة الفعلية لمعظم الترسانة السعودية، ولا سيما سلاح الطيران، هي لمستشارين أميركيين وغربيين، خصوصاً في العمليات العسكرية التي شُنّت في اليمن.

وردّاً على المماطلة السعودية، أجرت قيادات سياسية وعسكرية في صنعاء في الأسابيع الأخيرة، مقابلات إعلامية حذّرت فيها الرياض من الاستمرار في سياسة المراوغة والمماطلة والبقاء في «الشَرك» الأميركي. وتُوّجت هذه المقابلات بلقاء أجراه الخبير العسكري، العميد عبد الغني الزبيدي، مع قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، الذي أبدى انزعاجه من جمود مسار السلام، داعياً السعودية إلى عدم الوقوع في الوهم الذي وقعت فيه الإمارات عندما حسّنت علاقاتها مع إيران العام قبل الماضي، واستغلّت ذلك لتصعيد عملياتها العسكرية في محور شبوة، ظنّاً منها أن صنعاء لن تردّ، فضُرب مطار أبو ظبي والقاعدة الجوية الأميركية فيه. وأكّد الحوثي، بحسب الزبيدي، أن طهران التي تربطها علاقة استراتيجية مع الحركة، كانت قد أبلغت الإماراتيين حينها بأنها لا تتدخّل في حق اليمنيين في الدفاع عن أنفسهم، وهو ما فعلته أيضاً أخيراً بتبليغها الجانب السعودي بأن أيّ نقاش حول ملفّ الحرب والسلام في اليمن يكون مع صنعاء وليس معها، بينما عرضت على الرياض التدخّل لتقريب وجهات النظر في حال طلبت «أنصار الله» هكذا تدخّل، وهو ما فهمت مغزاه السعودية.

 

 

قد يعجبك ايضا