الإعلام الغربي يفضح أدواته… متأخرًا!

محمد محسن الجوهري

تناقضات الإعلام الغربي تكشف الكثير من مخططاته ونواياه، خاصة ما يتعلق منها بالوطن العربي حيث أثبتت سياسة “دس السم في العسل” فاعليتها في إنجاح سياسة التفرقة والاقتتال الداخلي بين الأطراف السياسية المتناحرة في البلد الواحد.
قبل نحو عامين، كشف تقرير استقصائي لقناة “البي بي سي” البريطانية عن تمويل الإمارات لشركة أمنية لتنفيذ عمليات قتل لسياسيين داخل المناطق التي تحتلها جنوب اليمن، وأغلب ضحايا القتلة المأجورين هم من قيادات حزب الإصلاح ودعاته، ممن كان لهم الدور الأبرز في تثبيت أقدام أبوظبي في عدن ومحيطها، وهذا الكشف بعد قرابة ثمان سنوات من انتشار الجريمة المنظمة في الجنوب يطرح العديد من علامات الاستفهام عن الدور البريطاني المشبوه في اليمن.

فالهيئة البريطانية واكبت العدوان على اليمن منذ لحظاته الأولى، ووقفت إلى جانب الغزاة باعتبارهم قوات لتحرير البلاد، متجاهلةً أن الأنظمة المعتدية لا تؤمن بالإنسانية أو أي شكلٍ من أشكال الحرية مع شعوبها، فكيف لها أن تجلب الديمقراطية والسلام إلى اليمن؟!
حتى إذا تسنى لتلك الأطراف احتلال محافظات جنوبية بتواطؤ وخيانة أطراف من المرتزقة المحليين، ظهرت في موقف الرأي الآخر، وقدمت الغزاة على حقيقتهم كقتلة ومجرمين، فقط لتصب الزيت على النار، ولتزيد من تأجيج الصراع الداخلي، ولو كان موقفها نزيهاً لتحدثت عنه في سنوات العدوان الأولى، فالجميع يعلم أن التنظيمات الإرهابية كانت طرفاً في الصراع إلى جانب الرياض وأبوظبي، والأدلة من الواقع كثيرة على ذلك التحالف المعقد، لكنها سياسة الغرب الكافر في خبص الأوراق على حلفائهم وأدواتهم في المنطقة.

الأمر ينطبق كثيراً على الوضع في سورية، فهناك دعمت البي بي سي جهود الإطاحة بالأسد، رغم أن تلك العملية لم تكن بريئة، وكانت القاعدة وداعش ضمن الصفوف الأولى في قتال الدولة السورية، ولم تقدم القناة أي دلائل عن ذلك الإرهاب إلا اليوم وبعد أحداث السويداء، لتعلن من محيط المدينة أن تنظيم داعش الإرهابي يشارك بنفسه في إبادة الدروز ضمن مجاميع ما يُسمى بالعشائر السورية.
ومع أن الجميع يعلم هذه الحقيقة منذ يومها الأول إلا أن الإعلام الغربي لا يعلن عنها إلا بعد فوات الأوان وبعد إبادة الآلاف من الدروز في السويداء ومحيطها، وهو ما فعلته مع حلفائها في اليمن، فلم تعلن عن الإرهاب المنظم بحقهم إلا عقب اغتيال أكثر من 100 شخصية سياسية ودينية من إخوان اليمن، ولذلك لا ينبغي الركون إلى مصداقية الغرب، ولا الثقة بإعلامهم المضلل، فكل جريمة أو مجزرة يرافقها تعتيتم إعلامي قبل أن يماط عنها اللثام في وقت لا تنفع فيه المعرفة.

الأمر تكرر حتى في العقود الماضية، ففي حرب الخليج الثانية، تعامل الإعلام الغربي مع تهديدات صدام حسين بغزو الكويت على أنها نوع من السجال السياسي بين البلدين، وكان للغرب مواقف داعمة لذلك الغزو حتى صبيحة 8 أغسطس 1990، يوم سقوط الكويت، عندها فقط تعامل الإعلام البريطاني وغيره كغزوٍ إجرامي.
هذا الأسلوب الإعلامي القائم على “الانتظار ثم الفضح” لا يهدف إلى فضح الحقيقة بل إلى توظيفها سياسيًا، فالإعلام الغربي يغض الطرف عن الجرائم ما دام القاتل يخدم المصالح، ثم فضحه بعد استهلاكه أو إخفاقه، بما يخدم سيناريوهات جديدة.
لذا، فإن التعويل على الإعلام الغربي كمصدر للحقيقة في قضايانا هو ضربٌ من الوهم. فكل جريمة ترتكب ضد شعوبنا تُغلف أولًا بالتعتيم والتبرير، ثم تُعرض لاحقًا في وثائقي أو تقرير بعد أن يزول أثر الدم، وبعد أن تفقد الحقيقة قيمتها الأخلاقية والسياسية.

قد يعجبك ايضا