الإيمان الواعي يصنع التحولات الكبرى … بقلم/محمد فايع

 

كثيرة هي النماذج الإيمانية التي وثق الله وخلد مواقفها واعمالها وحتى أقوالها والتي وثقتها أيضا وقائع أحداث التاريخ والتي صنع الله على أيديهم التحولات الكبرى لصالح الحق في مواجهة الباطل ولصالح المستضعفين في مواجهة الطاغوت والمستكبرين وذلك لماكانت تمتلكه من ايمان ووعي عالييين

تلك النماذج الإيمانية لم يكونوا من الأنبياء والرسل ولم يكونوا قادة ولا مجددين كانوا مجرد أناس عاديين من عامة الناس لكنهم كانوا جنودا من جنود الله الاستثنائيين ، ممن كانوا على اتصال وارتباط وثقة كبيرة ومطلقة بالله ،فيما كانوا يعرفون ويدركون في نفس الوقت عظمة الانبياء والاولياء والقادة الربانيين الذين ناصروهم كماكانوا يفقهون عظمة المنهجية والمشاريع العظيمة التي يحملها الانبياء والقادة الربانيين الذين عايشوهم

من تلك النماذج التي خلد القرآن الكريم موقفها واقوالها مؤمن آل فرعون ذلك العبد الصالح الذي كان من أوائل المؤمنين والمناصرين لنبي الله موسى عليه السلام اذ وثق الله وخلد مواقفه وأعماله وحتى أقواله كما وثق وخلد مواقف وأعمال وأقوال الأنباء والمرسلين في هداية مفادها أن كل مؤمن يمكنه أن يرتقي في إيمانه ليصل إلى أعلى مستوى من الايمان الواعي الذي يجعله جدير  بان يؤهله ويوفقه الله على مسار الهداية والعمل والجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله ليكون ممن ينجز الله على يديه المهمات الكبيرة والعظيمة .

مؤمن آل فرعون حكى الله عن دوره العظيم والكبير المتمثل في افشال أخطر تأمر من قبل فرعون وملائه ضد نبي الله موسى عليه السلام دور كانت نتيجته إفشال مخطط التآمر الفرعوني ونجاة نبي الله موسى عليه السلام

من المهم جدا أن نشير في هذا المقام الى قضية هامة تتعلق بسياق الحديث عن مؤمن آل فرعون والدروس المستفادة منها ومفادها

اولا أنه لا يكفي الإيمان الذي هو عبارة عن حالة من التصديق السطحي حتى وإن كنا على ارتباط حميم بالقرآن الكريم فان ذلك الارتباط اذا لم يترجم  بمسار هداية عملية فلا فائدة

منه لا في الدنيا ولا في الاخرة كما أن تلك الهداية انما تتحقق عبر منهجية سنة الله في الهداية القائمة على كتاب وعلم ،فحينما نقراء قول الله جل شأنه وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) فانه لا بد أن ندرك بان هناك من أوكل به امر هدايتنا عمليا الى مقصود الآية كما ان مقصود الاية لن يتحقق إلا حينما يكون المؤمنين أنفسهم على مستوى عال من الايمان والعمل الواعي في سبيل الله حتى إذا كانوا حاضرين بوعيهم وايمانهم وثقتهم بالله وبوعده للمؤمنين المستضعفين الواعين في ميادين العمل والجهاد في سبيل الله باذلين كل جهد ويستخدمون كل ما بأيديهم من إمكانيات في مواجهة المستكبرين ،حينها سيكون الله حاضرا معهم بتدبيره وهدايته ونصره فيمكنهم  ليس فقط من افشال مخططات ومؤامرات المستكبرين بل هو جل شانه من سيمكنهم من هزيمة المستكبرين فيصنع  على أيديهم التحولات الكبيرة لصالح المستضعفين  من يجعل لتلك الجهود والامكانات البسيطة ذات فاعلية وأثر على العدو من سيهيئ جل شانه من البداية الأسباب والوضعيات التي من يتمكن بها وفيها المؤمنون الواعون من افشال كل مخططات ومكايد المستكبرين الشيطانية  وصولا إلى تمكين المستضعفين من تحقيق النصر وفي بعض الوضعيات والحالات قد يكون هناك مؤمن مستضعف واحد من عباد الله ينجز الله على يديه المهمات الكبيرة والمصيرية  من يفشل الله جل شانه على يديه المخططات الخطيرةمن يصنع الله جلا شانه على يديه التحولات الكبيرة لصالح الرسالة والمشروع والقيادة والمستضعفين وهذا ماحدث فعلا على يد مؤمن آل فرعون اذ أفشل الله على يديه أخطر مخطط فرعوني ضد نبي الله موسى عليه السلام بما ترتب على ذلك نجاة نبي الله موسى عليه السلام بما يمثله من أمل وبما يحمله من مشروع هداية وتحرر

لقد وثق الله وخلد كل تفاصيل مهمة مؤمن ال فرعون مقدما لها في القران الكريم كمنهج هداية لنا

((وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى أن القوم يأتمرون بك لكي يقتلوك فأخرج إني لك من الناصحين)

من يتدبر الاية القرآنية يجد انها قدتضمنت في منهجيتها الهادية خمسة دروس أساسية من دروس الوعي الايماني.

الدرس الاول (الحضور واليقظة والمبادرة العملية وهذا ماكان عليه مؤمن آل فرعون اذ بادر وتحرك بمشاعر المؤمن الواعي واليقظ المستشعر لخطورة ما يدبر فمضى يسعى بسرعة إلى نبي الله موسى ليحذره بما يدبره فرعون وقادته والملاء من القوم وفي عبارات قليلة (( أن القوم يأتمرون بك ليقتلوك)

الدرس الثاني (نقل الحدث أو الخبر بشكل كامل ودقيق) وهذا ما فعله مؤمن ال فرعون إذ نقل كل مادار في اجتماع فرعون وملائه بشكل دقيق ومفصل ومتكامل ومقنع ومؤثر وبما يتناسب مع الوقت وخطورة الموقف .

الدرس الثالث :(امتلاك الرؤية العملية السليمة والمناسبة )) وهذا كان متوفر لدى ذلك الرجل المؤمن من آل فرعون فبعد أن نقل الحدث كاملا ودقيقا لنبي

الله موسى بادر إلى تقديم رؤية عملية قدمها على شكل نصيحة مفادها ((فأخرج اني لك من الناصحين)).

الدر س الرابع مفاده أن الآية  القرآنية بينت  لنا وهدتنا الى أن مؤمن ال فرعون قد خاطب نبي الله موسى خطاب من يعرف اولا عظمة نبي الله موسى بما يمثله نبي الله موسى عليه السلام من أمل للمستضعفين ومن يفقه ثانيا عظمة المشروع الذي يحمله نبي الله موسى عليه والسلام ولو لم يكن إلا تحرير شعب مستضعف من قبضة وطغيان وظلم فرعون ونظامه .

الدرس الخامس مفاده أن رجلا واحدا بما يمتلكه من ايمان ووعي عاليان أنجز الله على يديه كل تلك المهمة بكل تفاصيلها وبما حملته من تحذير ونصيحة حيث تعامل مع المهمة وحملها وقدمها بكلمات وعبارات قليلة وفي وقت قياسي وكل ذلك ذكره ووثقه وخلده الله جل شانه في اية واحدة..فقط (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) كماحكى الله وفي آية واحدة أيضاماتربت على ذلك من نجاة لنبي الله موسي عليه السلام بقوله جل شأنه (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)..

 

قد يعجبك ايضا