البيضاء تتنفس الحرية:الخلاص من “القاعدة” و “داعش”

استنشقت البيضاءُ عبيرَ الحرية، وتنفَّست الصُّعَدَاءَ، وعادت إليها الكرامةُ والعزة والشموخ، بعد أن ظلت لسنوات كثيرة ترزحُ تحت وطأة الجماعات التكفيرية التي مارست بحق المدنيين شتى وأقسى أنواع التعذيب.

وجاء تحرّر المحافظة بعد معارك ضارية استمرت منذ بداية العام 2020، واختتمت بعملية “فجر الحرية” التي أعلنتها القوات المسلحة يوم سبتمبر 2021، بعد استكمال تحرير كُـلّ المديريات وإسقاط أخطر أوكار تنظيم القاعدة وداعش التكفيري في البيضاء.

وخلال سنوات ما قبل العدوان اتخذت العناصر الإجرامية “القاعدة” و”داعش” من مناطق “قيفة” الشديدة الوعورة عاصمة وحصناً منيعاً، وخلال السنوات السابقة بسطت سيطرتها على مناطق عدة مجاورة أخضع سكانها لسطوتها وسيطرتها بالترهيب والقتل، وغدت ثقباً أسودَ في جسد اليمن وبإدارة من أجهزة الاستخبارات الخارجية.

ويقول قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، في أحد خطاباته: إن “القاعدة” وَ”داعش” حولت قيفة ويكلا إلى بؤرةٍ لارتكاب أبشع الجرائم بحق الأهالي في البيضاء، وإنهم كانوا يسمون شعب الإيمان بالمجوس والروافض ويكفّرون اليمنيين ويستحلون دماءَهم.

جرائمُ لا تُنسى

وعاش المواطنون في محافظة البيضاء وَمديرية “الصومعة” بالتحديد أوضاعاً مُزرية للغاية، في ظل الحُكم القهري للعناصر الإجرامية بالمديرية التي تدَّعي أنها تطبِّقُ “شرعَ الله” وهي يد أمريكا التي تبطشُ بها المدنيين بالمديرية.

ولا يزال اليمنيون يتذكرون الجرائم المتوحشة لهذه العناصر في مديرية الصومعة، ومنها إعدام الطبيب مطهر اليوسفي في منتصف أغسطُس 2021، حَيثُ أقدم التنظيم في مديرية الصومعة على تقييد الطبيب وربط يديه للخلف بعد إعدامه، وصلبه على جدار المستوصف الذي يملكه، وقد تم تصوير الجريمة وبثّ صور الإعدام في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي التي يملكها التنظيم الإجرامي الإرهابي، في وقت يواصل التنظيم الإجرامي إعدام المواطنين بدون محاكمة بتهمة التخابر والتجسس، كما حدث للمواطنين عبد الله علي صالح الغزالي، ومحمد أحمد الغزالي، ومحمد الجيشاني، ووليد مبروك الذين تم إعدامهم في أغسطُس الماضي.

بَيْدَ أن هذه لم تكن الحادثة الأولى للعناصر الإجرامية التكفيرية في مديرية الصومعة بالبيضاء، فقد أعقبتها حوادث وجرائم عدة بحق المواطنين لا تزال تمارس إلى يومنا هذا، فبعد أسبوع فقط من إعدام الطبيب اليوسفي بطريقة وحشية أقدم تنظيم القاعدة الإجرامي على تفجير مبنى حكومي وتم بعد ذلك بث مقطع فيديو مرئي وثق فيه تفجير المركز الطبي دون الإشارة إلى تفاصيل أكثر حول الحادث.

ورصدت الأجهزة الأمنية عدداً من العمليات الإجرامية التي نفذتها “داعش” وَ “القاعدة” في محافظة البيضاء، خلال الفترة من يناير 2015م وحتى مايو 2020م، والتي بلغت أكثر من 327 عملية تنوعت بين كمائن مسلحة واغتيالات وتفجير عبوات ناسفة، منها 194 عملية تفجير عبوة ناسفة في الطرقات وأمام المنازل، وارتكب عناصر التنظيمين 27 عملية اغتيال منها 11 عملية فشلت في قتل الشخص المستهدف إلا أنها تسببت في مقتل أبرياء، كما شملت عمليات داعش والقاعدة في البيضاء 59 عملية استهداف لأطقم الجيش والأمن، بحسب تقارير الأجهزة الأمنية.

وزادت في السنوات الست من العدوان، عمليات زرع وتفجير العبوات الناسفة التي استهدفت المدنيين في محافظة البيضاء، إضافة إلى عمليات السطو المسلح والاختطافات وكان آخر جرائم داعش والقاعدة، إعدام الدكتور اليوسفي وصلب جثته في مديرية الصومعة.

وعن جرائمِ التنظيمين الإجراميين بحق المواطنين في البيضاء خلال العام 2020م، نجد أنه لا يكاد يندمل جرح حتى يفتح آخر ولا ينتهي الناس هناك من تشييع قتيل اغتالته “داعش” أَو “القاعدة” حتى تتناقل الأنباء عن جريمة أُخرى نفذها التنظيم تفوق الأولى ببشاعتها، ففي شهر مارس 2020 ارتكبت العناصر التكفيرية جريمة بشعة بالتقطع لسيارة أسرة وقتلت رب الأسرة وزوجته وطفلتهما الوحيدة في منطقة الظهرة بمديرية القريشية.

أما في شهر إبريل من العام ذاته، فقد قتل تنظيم القاعدة 6 مجاهدين من آل العبدلي أثناء توجّـههم إلى جبهات القتال لمشاركة إخوانهم مجاهدي الجيش واللجان شرف الدفاع عن اليمن ضد قوى العدوان، حَيثُ انفجرت عبوة ناسفة زرعتها هذه العناصر في قرية المسمق بمديرية الطفة وأدَّى تفجيرُ العبوة إلى استشهادهم جميعاً، في جريمة وصلت ارتداداتها إلى هرم الدولة وقيادة الجيش والأحزاب السياسية التي عزت آل العبدلي باستشهاد هذه الكوكبة من المجاهدين.

وفي شهر مايو، استهدفت عناصر “القاعدة” بعبوة ناسفة سيارةَ مهندسي وزارة الاتصالات، وأسفر التفجير عن استشهاد المهندسين، وقالت وزارة الاتصالات بصنعاء: إن مهندسيها استهدفوا بشكل مباشر عبر تفجير عبوة عن بعد بسيارتهم أثناء عودتهم من عملهم في صيانة شبكة الهاتف والإنترنت في منطقة الرباط.

وحول استهداف تنظيمَي “القاعدة” وَ”داعش” الإجراميَّين للمشايخ والشخصيات الاجتماعية في محافظة البيضاء ومديرياتها، تؤكّـد التقاريرُ الأمنية أن جرائم التنظيمات الإجرامية واغتيالاتها طالت 28 شيخاً وشخصية اجتماعية، بعد أن توعد التنظيم الإجرامي بقائمة اغتيالات جديدة لوجاهات المحافظة التي ساندت وأيدت العملية العسكرية لأبطال الجيش واللجان الشعبيّة للقضاء على فتنة الخائن ياسر العواضي، والتي ساندتها ودعمتها عناصر داعش والقاعدة انطلاقاً من قواعدهم في مناطق قيفة.

ورصد مركز الإعلام الأمني أبرز الجرائم التي كانت تستهدف مشايخ وأعيان محافظة البيضاء من قبل تنظيم “القاعدة”، وتم إفشال الكثير منها، ومن تلك المحاولات استهداف الشيخ/ عبدالله صالح المظفري، والتي جرح على إثرها واستشهد ابنه، واستهداف الشيخ/ عبدالولي الهياشي وأبنائه عن طريق زرع عبوة في طريق آل هياش بمنطقة “الطفة” وانفجرت في أبو عزام الريامي المشرف الاجتماعي في الطفة وأدت إلى جرحه، وكذلك استهداف الشيخ/ عبدالله الجابري بعبوة ناسفة وقد استشهد على إثرها، واستهداف مشايخ من آل العبدلي عن طريق زرع عبوة ناسفة في “الطفة” أَدَّت إلى استشهاد ستة من مجاهدي آل العبدلي، واستهداف الشيخ/ علي محمد الطيابي الجابري بنصب كمين مما أَدَّى إلى استشهاده، والشيخ/ ناجي الهصيصي، والشيخ/ علي عمر الريامي، والشيخ/ فارس عبدالله العبدلي، والشيخ/ أحمد أبوبكر الرصاص وَقد حاولت القاعدة استهدافه عدة مرات وفشلت عملياتهم، الشيخ/ علي شوكان الحميقاني، الشيخ/ محمد سعيد الزوبة، حَيثُ حاولت القاعدة وداعش استهدافه عدة مرات وفشلت عملياتهم، الشيخ/ أحمد فضل أبو صريمة، الشيخ/ صالح ناصر الجوفي، الشيخ/ صالح أبوبكر الرصاص.. وكذا المشرف الأمني “لذي ناعم” الذي حاولت القاعدة استهدافه وفشلت.

وارتكبت عناصر تنظيم “القاعدة” العديد من الجرائم الإرهابية بحق سكان بعض مناطق الزاهر آل حميقان جنوب محافظة البيضاء.

وشنت عناصر تنظيم “القاعدة” والمرتزِقة حملة اختطافات واسعة بحق سكان قرية “الصوة” غرب مديرية الزاهر، وَجاءت؛ بهَدفِ استخدامهم كدروع بشرية وبهدف الضغط على قبائل آل حميقان للقتال في صفوفها، وقامت بذبح شاب من أبناء قبائل آل الحميقان؛ بذريعة الإلحاد لكونه ينتمي للحزب الاشتراكي اليمني، كما تم تناقل مقطع فيديو لسحل مواطن من أبناء آل حميقان.

وكانت هذه الحادثة المؤلمة رسالة تحذير من هذه العناصر الإجرامية لقبائل البيضاء كي لا تنضم أَو تشارك أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في تحرير ما تبقى من مناطق البيضاء، غير أن القبائل التي ضاقت ذرعاً بهذه الأعمال الوحشية والتصرفات الدميمة، التحقت بقطار الحرية، وساندت الجيش واللجان في معركة مقدسة تم بموجبها تحرير مناطقهم من التكفيريين.

موقعٌ استراتيجي

وبخصوص محافظة البيضاء واختيارها من التنظيمات الإجرامية مقراً لها، تؤكّـدُ الأبحاثُ السياسية والتقارير الدولية، أن ذلك الاختيارَ جاء بضوءٍ أخضرَ من أمريكا بعد دراسة جغرافية نفذت في محافظة البيضاء، التي تعد من أهم المحافظات اليمنية؛ بسَببِ موقعها الجغرافي والاستراتيجي الهام، ومشاركتها الحدود مع 8 محافظات، هي (شبوة وأبين ولحج والضالع) من محافظات الجنوب، وَ(إب وذمار ومأرب وصنعاء) من محافظات الشمال، إضافة إلى تضاريسها الجغرافية الصعبة، وهذا ما جعلها بيئة مناسبة لتمركز عناصر التنظيمات التكفيرية،

كما اتخذ تنظيم داعش من مناطق محاذية بذات المنطقة معقلاً وحصناً منيعاً لتحَرّكاته ومارس نفس الممارسات الإجرامية بحق أهالي البيضاء وغدت ثقباً أسودَ آخر في جسد اليمن، وباستثناء المواجهة التي شهدتها مناطق قيفة في نهاية 2014م عقب ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، والتي لم يكتب لها أن تنجز هدفها كاملاً في تطهير هذه المحافظة بالرغم من وصول المواجهات إلى أبرز معاقل التنظيمين؛ بسَببِ وقوع العدوان الأمريكي على اليمن، فلم يواجه تنظيما “داعش” وَ”القاعدة” هناك أيةَ تحديات أَو تهديدات جدية، بل على العكس تحوَّلا إلى غدة سرطانية استفاد منها أركان النظام السابق في تصفية المعارضين، وفي عام 2011م كانا جزءاً من أدوات النظام المنقسم على نفسه في إدارة الصراع الداخلي.

ويعتبر تحريرُ محافظة البيضاء، إضافة جديدة إلى قائمة المحافظات الحرة، حَيثُ سقطت أهم معاقل التنظيمات الإجرامية “القاعدة” وَ “داعش” التي جرى توطينها في هذه المحافظة منذ سنوات، والذي يعني إفقاد العدوان الأمريكي ورقة طالما استثمرته أمريكا في سياق ذرائع التواجد العسكري في اليمن، واستخدمته في سياق الحرب العدوانية على اليمن وفي تنفيذ الجرائم ونشر الفوضى والاغتيالات والتفجيرات الانتحارية في طول البلاد وعرضها خلال السنوات الماضية.

لقد أثبتت معركة تحرير البيضاء وآخرها عملية “فجر الحرية”، أن سيطرة حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي بصنعاء على بقية المحافظات المحتلّة هي مسألة وقت فقط، وأنه من الأجدى لمرتزِقة العدوان أن يعودوا إلى جادة الصواب واللحاق بركب اليمن والشعب اليمني الثائر، وأن الأجدى بالعدوان الأمريكي السعوديّ أن ينصاع للحلول السياسية وإلى تسوية سياسية عادلة، تضمن للشعب اليمني وقف العدوان ورفع الحصار، وتضمن لتحالف العدوان انسحاباً آمناً من كافة الأراضي اليمنية.

جانبٌ إنساني

وفي السياق، مثّلت معركة تحرير البيضاء حاجةً إنسانيةً؛ نظراً لما كانت تقوم به هذه الجماعات من أعمال وحشية، تشهد على ذلك بصماتهم في محافظة البيضاء التي عانت من تلك الأعمال طويلاً، كما تشهد على ذلك أعمال في أماكن كثيرة من العالم العربي والإسلامي.

وجاء انحصار أعمال هذه الجماعات في المنطقة العربية والإسلامية ليؤكّـد على أنها مُجَـرّد أدَاة للقوى الاستعمارية لخلق حالة دائمة من الخوف وعدم الاستقرار ما يمهد لهذه القوى الطريق للسيطرة على هذه المساحات الجغرافية من وطننا بما فيها من ثروات، ولأجل ذلك كان لا بُـدَّ من تحَرّك الجيش واللجان الشعبيّة لدحر هذه التنظيمات الإجرامية وتأمين المواطنين.

وانطلاقاً من استشعار المسؤولية التي تفرض عمل كُـلّ ما من شأنه تأمين الحماية والاستقرار للشعب صار ضرورياً العمل على دك أوكار العناصر التكفيرية، وبهذا فَـإنَّ القيادة السياسية والثورية في صنعاء، ملتزمة بتأمين مواطنيها من خطر “داعش” وَ “القاعدة” الذي زاد في السنوات الأخيرة في ظل العدوان والحصار من حجم جرائمهما بحق المدنيين في محافظة البيضاء وإرهابهم بغرض إخضاعهم أَو الحصول على أموال كفدى وإتاوات بحسب مصدر سياسي.

وترى في عملية تطهير البيضاء من آخر تواجد للتنظيمين الإجراميين إنجازاً نوعياً طال انتظاره في ظل انشغال الجيش واللجان بمواجهة قوى العدوان فيما يقرب من 50 جبهة لم تكن داعش والقاعدة بغائبة عن معظمها، كما تعد انتصارات الجيش واللجان الشعبيّة مؤخّراً على الأذرع الأمريكية، “القاعدة” وَ “داعش” عملاً أمنيًّا واستحقاقاً عسكريًّا في مواجهة مخطّطات قوى الغزو والاحتلال، استهدف وكرهم الرئيسي في مديرية ولد ربيع بمحافظة البيضاء، وهو واجب وطني كان لا بد منه أمام الجرائم البشعة لهذه العصابات التكفيرية، المنفِّذة للأجندة الصهيونية التي استهدفت الأمن والاستقرار والسكينة العامة في محافظة البيضاء منذ سنوات.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا