«التهديد» اليمني لا يتقلّص: خططُ مواجهةٍ إسرائيليةٌ بديلة
تُبرز إسرائيل قلقها من تنامي قدرات «أنصار الله» العسكرية، وتعدّ خططاً لمواجهة الخطر اليمني المتصاعد على أمنها في البحر الأحمر والمنطقة.
لا يزال منسوب التصريحات ومعه الاجتماعات الأمنية في شأن كيفية التعامل مع حركة «أنصار الله» في اليمن، بعد وقف إطلاق النار في غزة، مرتفعاً. وتُظهر المواقف الإسرائيلية المعلنة في هذا الشأن، خشيةً من تحوّل اليمن إلى قوّة عسكرية أكثر تقدماً وخطراً، وفق ما يُعبَّر عنه بوضوح على المستويَين الأمني والسياسي. كما ثمّة تقديرات بأن القضيّة اليمنية تعقّد البيئة الاستراتيجية الأوسع للكيان، خصوصاً في ظلّ اتّساع نفوذ «أنصار الله»، وقدرتها على إنتاج الصواريخ. وخلص اجتماع أمني عُقد، الأسبوع الماضي، برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وحضور وزير الأمن يسرائيل كاتس، إلى ضرورة حماية البنية التحتية المدنية وخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وضمان أن يُواجَه أيّ تصعيد من جانب الحركة، بعمل حاسم يمنع مزيداً من التهديدات للأمن القومي.
ويُستشفّ من تلك المواقف والتقديرات أن خطّة إسرائيل في اليمن، تتمثّل في استهداف الموانئ أو السفن المتّجهة إليها، بدعوى منع «أنصار الله» من تعزيز قدراتها. وفيما لم يكشف المسؤولون الإسرائيليون عن القرارات العملياتية التي خرجت بها الاجتماعات، غير أن التصريحات تشير إلى استمرار حالة التأهُّب، وإلى إمكانية اتّخاذ إجراءات تصعيدية لتعطيل قدرات الحركة وخطوط إمدادها، وهو ما يفهم خصوصاً من تصريح لنتنياهو اعتبر فيه «تحدّي» «أنصار الله» ضمن أولويات الأمن الحيوية لإسرائيل، منبهاً إلى أن التهديد «ملموس وليس نظريّاً»، ومحذّراً من أنه قد يتطوّر أكثر مع مرور الوقت. وأضاف أن «هذا التهديد بطبيعة الحال، منسّق مع إيران، وسنفعل كل ما يلزم لإزالته. سنمنعهم، على أقلّ تقدير، من القدرة على القيام بذلك».
وتُركّز الأوساط الأمنية في تل أبيب، في مقاربتها خطر «أنصار الله»، على مسألة بناء القدرات وتعزيز ترسانة الصواريخ والمسيّرات وحمايتها. وبحسب تقديرات تلك الأوساط، فإن الحركة تنقل الأسلحة والذخائر والأصول الحيوية إلى مخابئ أكثر تحصيناً، في حين أنها نقلت ورش الإنتاج والصيانة إلى مواقع جبلية وعرة، في محافظة صعدة الشمالية، ومناطق قريبة من محافظات عمران والجوف وصنعاء وحجة. ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، «تُقام هذه التحصينات عند مداخل المخابئ والمستودعات»، حيث تضاف طبقات دفاعية جديدة، وتغطّى المنشآت بأكوام من التراب والصخور والإسمنت، في مسعى واضح إلى تعزيز الدفاعات اليمنية ضدّ أيّ غارات جوية مستقبلية.
الرهان الإسرائيلي لا يتوقّف عند الجانب الأمني فحسب، بل يمتدّ إلى الجانب الاقتصادي اليمني الهش
إزاء ذلك، لا يبدو أن الجهد الإسرائيلي يتوقّف على الجانب الأمني فحسب، بل الظاهر أنه يمتدّ أيضاً إلى الجانب الاقتصادي اليمني الهشّ، الذي يُطرح استغلاله اليوم كأحد خيارات المواجهة غير العسكرية مع صنعاء، والتي يمكن أن تحقّق نتائج سياسية من دون كلفة ميدانية مباشرة. وهنا، يبرز التقاطع بين الرهانات الإسرائيلية والسعودية؛ إذ بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن أي تحرّك من جانب صنعاء لفكّ ضائقتها «لن يُدرّ عليها إيرادات مالية»، بل سيضاعف الأزمة الداخلية التي تواجهها، وإن خيارات الحركة، والحال هذه، «جميعها شديدة الصعوبة»، وقد تستدعي ردّاً مؤلماً مدعوماً بإطار دولي واسع، وفق ما تنطق به رسائل التحذير السعودية المنقولة إسرائيلياً. ووفقاً لوسائل الإعلام العبرية، فإن «الرياض لن تُجبر على اتفاق يوسّع من نطاق التهديد، أو يفتح قنوات تمويل جديدة للحركة».
ويبرّر أري هيستين، الباحث في «معهد القدس للاستراتيجية والأمن»، حق السعودية في الرد العسكري على أي اختراق من جانب «الحوثيين»، محدّداً التحديّات التي تواجهها «أنصار الله» بعد وقف إطلاق النار في غزة، بثلاثة: الأول، هو احتمال الانكماش الاقتصادي الحادّ الناتج من الضربات الإسرائيلية التي استهدفت شرايين الاقتصاد اليمني الحيوية، إلى جانب تشديد العقوبات الأميركية وتراجع المساعدات الإنسانية، في وقت يعاني فيه السكان أصلاً من أعباء باهظة ومتراكمة على مدى سنوات الحرب.
والثاني، يتمثّل في اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس»، الذي أوقف مساراً اعتمدت عليه «أنصار الله «طوال العامَين الماضيَين في حشد الدعم السياسي والشعبي داخلياً، وأفقدها إحدى ركائز تعبئتها الرمزية والأيديولوجية. وأما الثالث، فهو مواجهة الحركة التي استفادت لسنوات من تفوّقها النسبي على التحالف الذي تقوده السعودية، خصماً أكثر صلابة وحزماً (إسرائيل). وخلص هيستين إلى أن بقاء النظام القائم في صنعاء بات مرهوناً بقدرته على التعامل مع هذه الأزمات الثلاث المتزامنة: الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية.