الخلافات السعودية – القطرية والاستثمار الأميركي المتصاعد في أبقار الخليج

عين الحقيقة/عقيل الشيخ حسين

للوهلة الأولى، قد يظن المراقب أن أسباب الاهتزازات التي تضرب العلاقة بين السعودية وقطر هي، فقط، من نوع الأنانيات والمطامع والتنافس التي لا يندر أن تثير العداوة بين بلدين جارين يقف كلاهما على مشارف أزمة مفتوحة على هوة سحيقة.
المشكلة في هذا التصور أنه لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع المتمثل بكون الأصابع الأميركية والإسرائيلية لا يمكنها أن تتوقف للحظة عن تعكير المياه في المنطقة من أجل الحصول على صيد أكثر وفرة.


فالحقيقة أن واشنطن تلعب دوراً مهماً في دفع الأمور بين السعودية وقطر إلى حافة الهاوية. وعندما نتكلم عن دور لواشنطن، لا يغيب عن ذهننا أن صناعة هذا الدور تتم بمشاركة صهيونية أو حتى بإيحاء صهيوني.
طبعاً، حرص المعسكر الصهيو-أميركي على إثارة الخلافات – حتى بين قوى حليفة أو تابعة لا هم لها غير إرضاء الولايات المتحدة والكيان الصهيوني- يندرج في إطار مشروع الهيمنة الذي لا يقبل، على المدى البعيد، شريكاً محلياً مهما كان استعداد هذا الشريك كبيراً للتفاني في خدمة ذلك المشروع.
أما على المدى القريب، فلا شيء يمنع من استخدام الخلافات كوسائل للابتزاز المالي. فبعد الغنائم التي عاد بها ترامب من بقرته الحلوب والتي بلغت حدود النصف تريليون دولار، يبدو أن قطر، وهي تتمتع بموقع مالي قد يفوق بأهميته الموقع السعودي، مستهدفة الآن لتكون العضو الثاني في قطيع الأبقار الخليجي. والأكيد أن الدور في عملية الابتزاز المقبلة هو لعضو ثالث في القطيع من المرجح أنه سيكون دولة الإمارات العربية المتحدة، وهكذا دواليك حتى آخر السلسلة… قبل أن تعود عملية الابتزاز وجمع التريليونات إلى نقطة الانطلاق في دورة جديدة تحت عناوين جديدة، ولكن مع الأبقار نفسها، ابتداء بالسعودية.
على ضوء هذا الاعتبار، لا أهمية مطلقاُ للبحث في صحة، أو عدم صحة، التصريحات التي نسبت إلى أمير قطر، والتي قيل بأنه أشاد فيها بإيران وحزب الله وحماس، وأبدى استياءه من زيارة ترامب للسعودية والحفاوة التي استقبل بها في الرياض. فكل الأهمية هنا هي للنظر في دلالات الحملة الصاخبة التي أطلقتها منذ أسابيع وسائل إعلام أميركية كبرى ضد قطر.
بالطبع لا يمكن استثناء احتمالات من نوع أن تكون هذه الحملات مغطاة مالياً، وبالسخاء العربي المعروف، من قبل السعودية والإمارات، لأسباب منها التعاطف القائم بين قطر والإخوان المسلمين وتركيا، والطموح القطري المعلن إلى التنافس مع السعودية حول قيادة العالم السني.
لكن كل ذلك يظل من الأمور التفصيلية بالمقارنة مع الهجمة التي قامت بها الصحافة الأميركية على قطر على مدى أسابيع قبل تفجر الأزمة الأخيرة.
ما هو الهدف من تلك الهجمة؟ تسعير الخلافات بين بلدان الخليج وإثارة الخوف عند بعضها من البعض الآخر، ودفع الجميع إلى التنافس في كسب الود الأميركي والإسرائيلي عبر التقديمات المالية الدسمة.
قال ترامب فور عودته إلى واشنطن : “لقد عدت بالمليارات” من السعودية بفضل تخويفها من إيران. وقد لا نعدم يوماً قريباً يقول فيه : “لقد عدت بالمليارات من قطر” بفضل تخويفها من السعودية أو من الإمارات.


الاستحواذ على المال الخليجي أساسي بالنسبة لواشنطن في ظل أزمتها الاقتصادية ومديونيتها المالية التي باتت قريبة من 20 تريليون دولار. وفي سبيل الحصول على هذا المال، لا تتورع واشنطن عن دفع الأمور نحو حروب في المنطقة تضمن استمرار مصانع السلاح الأميركية في العمل بكامل طاقتها.
حروب يأمل الحلف الصهيو-أميركي-أعرابي أن تستهدف إيران ومحور المقاومة. لكن الخوف المزمن من مواجهة إيران مع الحرص على الحروب للسبب المذكور أعلاه، يدفع باتجاه إثارتها بين أطراف الحلف نفسه. بين السعودية وبلدان خليجية أخرى ضد قطر. ثم بينها وبين الإمارات… وبعدها عمان أو الكويت، لتشمل حروب السعودية، إضافة إلى حربها على اليمن واحتلالها البحرين، كل أنحاء جزيرة العرب، قبل أن تفيض -إذا ما بقيت في عمر السعودية بقية- لتتدحرج نحو حلفاء كالأردن ومصر والسودان…
والمثير للسخرية أن أهم درس يمكن استخلاصه من الأحداث الجارية في السنوات الأخيرة هو دخول أطراف الحلف الصهيو-أميركي- إقليمي في خلافات بينية تفرضها الهزائم التي تضرب هذا الحلف في حربه على محور المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن.
خلافات أميركية سعودية، وخلافات تركية – أميركية، وسعودية – تركية، ومصرية ـ تركية، وسعودية – قطرية. وكلها خلافات قابلة للتفاقم وللتطور إلى حروب… على طريق الفوضى الهدامة لا في بلدان محور المقاومة، بل في جميع البلدان المعادية لإيران ومحور المقاومة.

المصدر/ العهد

قد يعجبك ايضا