أمريكا ودورها في الحروب على صعدة

على إثر حادثة تفجير المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في العام 2000م رضخت الجمهورية اليَمَنية للهيمنة الأمريكية بموافقتها على مشروع “مكافحة الإرهاب” التي فرضته الولايات المتحدة مستفيدة من الحادث، وجاء التفجير الآخر في 11 سبتمبر 2001م في برجي التجارة العالمية في نيويورك، لترفع أمريكا شعار من ليس معنا فهو ضدنا في هجمة استعمارية جديدة ضد العالم الإسلامي والتي اعتبرها بوش “حملة صليبية جديدة”.

في هذه الظروف تحرك السيد حسين بدر الدين الحوثي في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني، واطلق شعاره من قاعة مدرسة الإمام الهادي في مران صعدة بتاريخ 17/1/2002م، (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام).

المشرع القرآني والذي أبرز معالمه “الشعار” لم يكن موجهاً نحو النظام السياسي الجمهوري في اليمن، بل ضد الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني بصورة رئيسية، لهذا فلم يتحرك نظام علي صالح ضد الشعار من أول يوم لأن المؤسسة الأمنية العسكرية والسياسية في صنعاء لم تكن تجد فيه خطر على النظام اليمني، ولم يتحرك نظام علي صالح ضد مشروع الحوثي والشعار إلا بعد عامين حين جاءته توجيهات من الولايات المتحدة الأمريكية.

يعد حسين الحوثي في طليعة مَن تنبهوا للتوجهات الاستعمارية الجديدة، التي تحركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية باسم “مكافحة الإرهاب، وحسب تعبيره فـ” الاستعمار الذي انتهى قبل فترة، الاستعمار العسكري… هكذا الناس، وناسين أنهم في مستقبل استعمار جديد، استعمار لكن وبأسلوب أخبث كان الأول منذ البداية عبارة عن هجوم، الهجوم يخلق عند الناس حالة ردة فعل واستياء من المستعمر؛ ولهذا تجد أنهم في الأخير اضطروا إلى أن ينسحبوا من البلدان التي استعمروها.. الاستعمار الحديث الآن جاء، باسم مكافحة إرهاب، ومعهم مجموعة يسمونهم إرهابيين يقسموهم على المناطق، وفي الأخير يقولوا نريد ندخل نطرِّدهم، نلحق بعدهم، ويدخلوا المناطق، يدخلوا البلدان، يدخلوا البلاد ويحتلوها ويهيمنوا عليها، ويكونوا قد خضعوا الدولة فيها، والناس ما يروا شيء إلا عندما تستحكم قبضتهم”. (السيد حسين الحوثي .. ملزمة خطر دخول أمريكا اليمن، صعدة: 3 فبراير 2002م)

كشف السيد حسين الحوثي أبعاد الحملة الأمريكية بعد أشهر من أحداث الـ11من أيلول/سبتمبر 2001م، ليأتي غزو العراق في العام 2003م مصداقاً لتحليله، ومع تطور نشاطه الفكري والتثقيفي بدأت الحرب العُدْوَانية الأولى على صعدة – تكليلاً لممارسات القمع ضد نشاطهم التثقيفي السلمي الذي استمر ثلاثة أعوام- بعد عودة الرئيس اليَمَني علي صالح من أمريكا آنذاك ليستشهد السيد حسين الحوثي على اثرها في 10 أيلول/سبتمبر 2004م.

الدور الأمريكي في الحروب الست على صعدة

في هذه المرحلة شن النظام الحروب الست الظالمة على مشروع “المسيرة القرآنية” في محافظة صعدة وما جاورها(2)، وقد كانت حروباً أمريكية بامتياز اندلعت بعد حصول نظام علي صالح على ضوء أخضر أمريكي من قائد القيادة المركزية الأمريكية “جون أبي زيد”، وذلك بعد عودة صالح من المشاركة –الشكلية- في قمة الدول الثمان في ولاية جورجيا في العام 2004م في الولايات المتحدة والتي التقي فيها بقيادة وزارة الدفاع الأمريكية ووكالات الاستخبارات المركزية السي أي أيه وكذلك مكتب التحقيقات الفدرالية الإف بي أي(3)، وقد اعتبرت الولايات المتحدة الحروب على صعدة حرباً على الإرهاب(4).

كان الهدف الأمريكي من هذه الحرب هو اسكات الصوت الثوري والمشروع القرآني للسيد حسين الحوثي في صعدة المناهض للهيمنة الأمريكية ومنطقها الذرائعي في دخول اليمن “مكافحة الإرهاب”، ذلك المشروع (القرآني) الموجه مباشرة نحو المجتمع في رفض الهيمنة الأمريكية، ومن ثم توسع نشاط الولايات المتحدة في اليمن، إلا أنها حين واجهت صعوبة في القضاء على الحركة في الحرب الأولى، نشطت في المسارين معاً، الحرب على صعدة من جهة وفرض الوصاية على اليمن وتدمير المقدرات العسكرية وتغيير السياسة والثقافة في اليمن من جهة أخرى، وكانت عمليات تفجير أسلحة الدفاع الجوي اليَمَني في العام 2004م(5) برعاية وإشراف أمريكي أبرز صور الهيمنة الخارجية وانتهاك سيادة البلد، التي تجري في صنعاء ومأرب فيما الجيش اليَمَني يحارب ضد اليَمَنيين في محافظة صعدة.

وقد لاقت حروب صعدة معارضة من القوى والهيئات الوطنية، آنذاك، كما جرى حينها في العاصمة صنعاء اعتصام في مقر اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليَمَني تعبيراً اجتماعياً عن رفض هذه الحرب التي لم يؤيدها سوى حزب “الإصلاح”.

واصلت الولايات المتحدة الأمريكية دعم نظام علي صالح وحليفه اللواء علي محسن الأحمر في مواجهة مشروع “المسيرة القرآنية”، وكما في حرب صيف 94 فقد تم الاستعانة بالمرتزقة المحليين وتجييش القبائل والمشايخ والتجار في هذه الحرب، ونظراً لطبيعة الجيش اليَمَني -آنذاك-المنقسم ولائه بين أسرتين (بيت عفاش وبيت الأحمر) فقد مثلت هذه الحروب الظالمة فرصة لكل طرف لتدمير قوة الطرف الآخر، فيما مثلت فرصة لأمريكا لتدمير القوة المسلحة اليَمَنية عموماً، فما لم يتحقق عبر الاتفاقيات من تدمير للقدرات العسكرية اليَمَنية البشرية والتكنيكية جرى تدميره في هذه الحروب.

تعمقت الهيمنة الأمريكية على اليمن في هذه الفترة، وكان هناك رحلات “مكوكية” يقوم بها الرئيس علي عبد الله صالح إلى الولايات المتحدة الأمريكية التقى فيها بالرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وبالقيادات الأمنية الأمريكية المشرفة على المشاريع الاستعمارية الجديدة(6) ، وفي المقابل فقد استقبل علي عبد الله صالح في صنعاء وعدن عدداً من القيادات العسكرية والأمنية الأمريكية، كانوا يحملون إليه التوجيهات الجديدة، ويُشرفون على عملية ترسيخ الهيمنة الأمريكية وتصفية السيادة الوطنية وتدمير مقدرات البلد.

استمرت لقاءات صالح بالقادة الأمريكيين فبعد سفر الرئيس علي صالح إلى واشنطن ولقاء جورج دبليو بوش، استقبل صالح في صنعاء الجنرال الأمريكي طوني فرنك، وكذلك الجنرال الأمريكي توماس زاتك، والجنرال الأمريكي أنتوني زيني.

ولاحقاً بعد لقاء صالح بالجنرالات الأمريكيين وتبني ما حملوه من توجيهات سافر علي صالح إلى واشنطن والتقى وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت، كما التقى في تلك الفترة سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية بربرا بودين، ووفد كبار موظفي الكونجرس الأمريكي، والقائد العام للقيادة المركزية الأمريكية تومي فرانكس، ووليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى.

وبالطبع فإن مختلف هذه اللقاءات لم تكن لبحث ” سبل تنمية العلاقات بين البلدين” كما كانت تذيل في الأخبار الرسمية، بل كانت من أجل تعميق علاقة التبعية اليمنية للولايات المتحدة الأمريكية وتحول اليمن إلى مستعمرة أمريكية.

صمود مجاهدي المسيرة القرآنية وانتصارهم في نهاية المطاف بعد أن وصلت الحرب إلى ست جولات ، حجم هذا الانتصار من طموحات النظام العميل ومن خلفهم الولايات المتحدة الأمريكية.

انتصار أنصار الله طوال فترة الحروب فتح آفاقاً أمام الجماهير وأملاً في إمكانية التغيير ومواجهة السُلطة العميلة وقد كان تفجر الحراك الجنوبي في العام 2007م تعبيراً عن هذه المسألة.

كانت ثورة 11 فبراير2011م هي النتيجة الأهم لتداعيات حروب صعدة وتغلب أنصار الله فيها، فحين جاءت ثورة 11 فبراير 2011م كان نظام علي صالح قد فقد هيبته السلطوية وقوته العسكرية وسمعته السياسية، وهو ما شجع الجماهير اليَمَنية على الخروج بتلك الصورة غير المسبوقة في تاريخ الجمهورية اليَمَنية منذ العام 1990م، وكان أنصار الله في صدارة القوى اليَمَنية التي شاركت بفاعلية في هذه الثورة، وحافظت على المد الثوري واستمرت مع بعض الحلفاء وصولاً إلى ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014م.

الهوامش:

2″ إن ما يقوم به الحوثي هو تمرد مجموعة محدودة ضد الحكومة، ومن المهم السيطرة عليها، وما تقوم به الحكومة واضح ومقبول، وإن تواجد مجموعة مسلحة تقف خارج القانون وخارج سيطرة الحكومة أمر مرفوض، والحكومة اليمنية تستحق فعلاً دعماً من المجتمع الدولي”. السفير الأمريكي أدموند هول في مقابلة مع صحيفة 26 سبتمبر التابعة للتوجيه المعنوي للقوات المسلحة اليمنية. بتاريخ 22 يوليو 2004م نقلاً عن : صعدة الحرب الأولى الأسباب والتداعيات مصدر سابق، ص 76

3علي عبد الله صالح تصريح لوكالة الأنباء اليمنية سبأ عقب عودته من المشاركة في قمة الدول الثمان الصناعية الكبرى في ولاية جورجيا الأمريكية بتاريخ 13-6-2004م” “لقد بحثت مع الرئيس الأمريكي جورج بوش ومع نائبه ديك تشيني، وكولن بأول وزير الخارجية، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، والمسؤوليين في اللـسي آي إيه، والـ إف بي آي، العديد من القضايا والموضوعات التي تهم سبل تعزيز العلاقة والشراكة القائمة بين البلدين”. علي عبد الله صالح، “خطابات وأحاديث الرئيس لعام 2004م”، (صنعاء: وزارة الأعلام، مطبعة وكالة سبأ)، ط1، ص 243

4 في 20 آذار/مارس 2004م التقى علي صالح بقائد القيادة المركزية الأمريكية “جون أبي زيد”، وكان ذلك اللقاء إرهاصاً لشن الحرب على صعدة، في ذات العام قام السفير الأمريكي ” أدموند هول” بزيارة إلى صعدة، مر حينها بسوق ” الطلح” ووجه الدولة بسحب السلاح الخفيف والمتوسط من الأسواق المحلية كخطوة في محاولة لتجريد المواطنين من سلاحهم حتى لا يتمكنون من المقاومة، وفي هذا العام التقى علي عبد الله صالح بوزير الدفاع الأمريكي “دونالد رامفسليد” ضمن إرهاصات الحرب على صعدة، وبعد سفر علي صالح إلى ولاية جورجيا الأمريكية ولقائه الرئيس الأمريكي “جورج دبليو بوش” في قمة الدول الثمان الصناعية بتاريخ 9 حزيران/يونيو 2004م، دشن النظام الحرب على صعدة في 18 حزيران/يونيو 2004م بعد 9 أيام من لقاء بوش.

5مثل اتفاق مكافحة الإرهاب بوابة للتدخلات الأمريكية في اليمن التي وصلت إلى حد تفكيك وإتلاف أسلحة الدفاع الجوي، كان هدماً مقصوداً لمقومات الأمن الوطني قامت به الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الحاكم حينها، حيث أشرف نائب وزير الدفاع الأمريكي على تدمير 4500 صاروخ دفاع جوي.. الوثائق التي وزعتها دائرة التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع اليمنية تكشف عمليات لتدمير صواريخ متنوعة للدفاعات الجوية اليمنية بإشراف خبراء أمريكيين وحضور مسؤولة مكتب إزالة الأسلحة في وزارة الخارجية الأمريكية، تظهر أن تدمير الصواريخ كان مؤامرة ممنهجة بخيانة من مسؤولي النظام السابق، واستمرت على مراحل متتابعة امتدت على مدار عشرة أعوام، بدءاً من مباشرة أمريكا في جمع وإتلاف الصواريخ في آب/أغسطس 2004م، وحتى عمليات التفجير في 2014م. صحيفة الثورة اليمنية؛ “وثائق جديدة لسلسلة المؤامرة الأمريكية”، 8 آذار/مارس 2020م متوفر على الرابط: http:althawrah.ye

6 في تشرين ثاني/نوفمبر 2001م زار الرئيس علي صالح واشنطن بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، عقب تصريح بوش الشهير “من لم يكن معنا فهو ضدنا”. وحينها وافق صالح على الانخراط في المشروع الاستعماري الجديد “الحرب على الإرهاب”، وخلال أعوام 2000م -2002م التقى علي صالح وزير الخارجية الأمريكي “كولن باول” صاحب ذريعة غزو العراق باسم أسلحة الدمار الشامل. كما التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي “كونداليزا رايز” والتي كانت تقود مشروع “الشرق الأوسط الجديد”. كما التقى نائب الرئيس الأمريكي “ديك تشيني” في إطار مشروع “الحرب على الإرهاب”. وصرح حينها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بأن “الولايات المتحدة تسعى لإنقاذ اليمن من التحول إلى افغانستان جديدة”. وفي كانون أول/ديسمبر من العام 2001م أي بعد ثلاثة أشهر من زيارة علي صالح لأمريكا ولقاء القادة الأمريكيين، أشادت واشنطن بتعاون اليمن في مكافحة ” الإرهاب”، وذلك بعد قيام نظام صالح بتنفيذ التوجيهات الأمريكية في تغيير العقيدة العسكرية والثقافية للبلاد.

 

السياسية : أنس القاضي

قد يعجبك ايضا