الضربةُ اليمنيةُ الخامسةُ على كيان العدوّ تعزِّزُ معادلةَ “انتصار غزة”

جاء إعلانُ القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذِ عملية عسكرية خامسة على عمق العدوّ الصهيوني، ليجدِّدَ تثبيتَ معادلة المساندة الإقليمية للمقاومة الفلسطينية في مواجهة استمرار العدوان على غزة ومواجهة استمرار الانخراط الأمريكي المباشر في الحرب الإجرامية على الشعب الفلسطيني، على أن العملية الجديدة كشفت تصاعداً ملحوظاً في وتيرة هذه المساندة من حَيثُ نوعية الأهداف، وهو تصاعد برز أَيْـضاً في عمليات بقية أطراف محور المقاومة المنخرطة في معركة “طُوفان الأقصى”، الأمر الذي يضع العدوّ الصهيوني والولايات المتحدة أمام تدحرج عملي للصراع نحو مواجهة واسعة ستكون تداعياتها أكبر وأوسع وأشد تأثيراً على أمن الكيان الغاصب، وَأَيْـضاً على الوجود الأمريكي في المنطقة.

الهجومُ اليمني الخامس: أهدافٌ حساسةٌ وتأثيرٌ مباشرٌ على الأرض:

العملية التي أعلن عنها المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع، مساء الاثنين، تعتبر الهجوم الخامس الذي تعلن عنه صنعاء منذ نهاية أُكتوبر المنصرم، وهو ما يعني أن القوات المسلحة قد نفذت حوالي ثلاث هجمات معلنة بدفعات من الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيَّرة في غضون أسبوع واحد.

والفارق الزمني القصير بين هذه العمليات يجدد التأكيد بشكل واضح على أن مشاركة القوات المسلحة اليمنية في “طُوفان الأقصى” ليست مُجَـرّد حدث شكلي وعابر؛ بهَدفِ إظهارِ التضامُن، بل انخراطٌ عملي مبنيٌّ على خطط مدروسة وأهداف محدّدة بدقة وبتنسيق مع بقية أطراف محور المقاومة بما في ذلك المقاومة الفلسطينية.

هذا أَيْـضاً ما تؤكّـده طبيعة الأهداف التي تم قصفها في العملية العسكرية الجديدة، والتي وصفتها القوات المسلحة بأنها “حساسة”، علماً بأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تحديد طبيعة بعض الأهداف التي تم ضربها في عمق الكيان والكشف عن بعض نتائج الضربة، حَيثُ أكّـد العميد يحيى سريع، أنه “كان من نتائج العملية توقف الحركة في القواعد والمطارات المستهدفة ولعدة ساعات”.

وهذا التأكيد يكشف بوضوح أن هذه العملية ضربت أهدافاً عسكرية وحيوية في عمق الكيان الصهيوني، كما يكشف أن الطائرات المسيَّرة وصلت إلى تلك الأهداف بنجاح وتسببت بتأثير كبير، وهو ما يعني أن اليمن قد أصبح جبهة عسكرية رئيسية لا تهدّد فقط باستنزاف القدرات الدفاعية الصهيونية بحسب ما حذرت العديد من التقارير الغربية خلال الأيّام الماضية، بل توقع أضراراً مباشرة في وفورية في مصالح وقدرات جيش الاحتلال، الأمر الذي يضع الأخير في مأزق إزاء التعامل مع هذه الجبهة، سواء على مستوى الضرر الذي بات واضحًا أنه يتصاعد ويصل إلى أهداف أدسم كُـلّ مرة، أَو على مستوى التعاطي الإعلامي مع الضربات اليمنية؛ لأَنَّ رواية “اعتراض” الهجمات ومحاولة التقليل من عدد الصواريخ والطائرات المسيَّرة ومن تأثيراتها، تصبح أكثر ضعفاً مع مرور الوقت وتصاعد الضربات وتكرارها.

وكان سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قد وجّه في خطابه الأخير رسالة للعدو الصهيوني بأن “الصواريخ والطائرات اليمنية ستصل إلى إيلات وإلى القواعد والمواقع العسكرية الإسرائيلية”، الأمر الذي يوضح أن الجبهة اليمنية ليست مُجَـرّد جبهة شكلية للاستنزاف، بل إنها جبهة مفتوحة لإحداث تأثير مباشر في أرض المعركة، وهي رسالة تفيد بأن محاولات العدوّ للتقليل من شأن هذه الضربات؛ مِن أجل الحفاظ على “سُمعته” الساقطة ومعنويات مستوطنيه المنهارة، لن تجدي نفعاً مع استمرار المعركة؛ لأَنَّ الضربات ستتكرّر وتأثيرها سيظهر بشكل حتمي ولن يستطيع العدوّ إخفاءه.

تصعيدٌ إقليمي متكاملٌ في إطار معادلة “انتصار غزة”:

الوصولُ إلى أهداف “حساسة” وإحداث أضرار مباشرة فيها يوضح أن مسار الهجمات اليمنية على العدوّ الصهيوني سيكون مساراً تصاعدياً طالما استمر العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وهي استراتيجية ردع معروفة أجادت القوات المسلحة اليمنية استخدامها خلال السنوات الماضية في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي على اليمن، وتبدو هذه الاستراتيجية اليوم تشمل مسار عمل بقية أطراف محور المقاومة المنخرطة في عملية مساندة المقاومة الفلسطينية ضمن “طُوفان الأقصى”، فالعملية العسكرية الجديدة للقوات المسلحة اليمنية جاءت بالتزامن مع تصاعد في ضربات حزب الله في جنوب لبنان، والمقاومة في العراق.

وقبل إعلان العملية العسكرية اليمنية الخامسة بدقائق، كانت المقاومة الإسلامية في العراق قد أعلنت عن تنفيذ ست هجمات نوعية على ست قواعد للاحتلال الأمريكي (عين الأسد، وقاعدة قرب مطار أربيل في العراق، وقاعدتَي تل البيدر والتنف في سوريا) خلال ساعات يوم الاثنين، وهو تصعيد غير مسبوق في مسار هجمات المقاومة الإسلامية في العراق، ولا يأتي بمعزل عن تصاعد وتيرة الضربات اليمنية؛ كون العمليات على الجبهتَين ترتبط باستمرار العدوان الصهيوني على غزة وبالتحَرّكات الأمريكية، خُصُوصاً وأن هذه العمليات جاءت بعد إعلان الولايات المتحدة عن إرسال غواصة نووية إلى المنطقة.

وقد جاء كُـلّ ذلك أَيْـضاً بالتوازي مع تصاعد ملحوظ ومرعب بالنسبة للكيان الصهيوني في عمليات حزب الله، وفصائل المقاومة الفلسطينية المتواجدة في جنوب لبنان والتي أعلنت عن إطلاق 16 صاروخاً مساء الاثنين، على مستوطنة “نهاريا” وجنوب حيفا، وذلك في الوقت الذي تحدثت فيه وسائل إعلام إسرائيلية عن “قصف هو الأبعد مسافة منذ بدء الحرب من جنوب لبنان”، مشيرة إلى أن “صواريخ وصلت إلى عَكَّا لأول مرة”.

وكان حزب الله قد استخدم قبل ذلك، ولأول مرة منذ بدء “طُوفان الأقصى”، صواريخ غراد في هجوم على مستوطنة “كريات شمونة” أوقع أضراراً كبيرة، ودفع العدوّ إلى إخلاء من تبقى من المستوطنين منها، وإبقاء بقية ساكني مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتلّ في حالة استنفار وترقب مُستمرّ حتى اللحظة.

ولا يزال قلق العدوّ الإسرائيلي من تصاعد المواجهة مع حزب الله يتعاظم بصورة مُستمرّة؛ لأَنَّ الحزب قد سبب بالفعل تأثيرات كبيرة في المعركة ولا يزال محتفظاً بخيارات هائلة للتصعيد.

وبالنظر إلى كُـلّ هذه المعطيات، يلاحظ أن تصاعد وتيرة العمليات يشمل في وقت واحد كُـلّ مسارات التحَرّك الإقليمي المساند للمقاومة الفلسطينية، من جنوب لبنان إلى العراق إلى اليمن، وهو ما يبرز بوضوح حجم التنسيق الجاري بين الجهات الثلاث.

وهذا التنسيق يكشف بوضوح أن معادلة “انتصار غزة” التي أعلنها سماحة السيد حسن نصر الله، في خطابه الأخير هي معادلة إقليمية تعمل كُـلّ الأطراف المنخرطة في المعركة على تثبيتها بصورة لا يستطيع العدوّ الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تجاهلها، بل إن المخاطرة بتجاهل هذه المعادلة والاستمرار في العدوان على غزة سيؤدي إلى تصاعد الهجمات الإقليمية بصورة قد تؤسِّس لمعادلة أُخرى أوسع وأشد تأثيراً على كيان الاحتلال وعلى واشنطن نفسها.

وقد نقلت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية هذا الأسبوع عن مسؤولين أمريكيين وصهاينة أن الولايات المتحدة بدأت تضغط على جيش الاحتلال -الذي لا يزال عاجزاً عن تحقيق أي إنجاز في غزة- لتسريع عمليته العسكرية في القطاع؛ خشية من انفجار الوضع إقليمياً بصورة يصعُبُ تدارُكُها.

 

المسيرة

قد يعجبك ايضا