الفيل.. (ترومان).. كيد وبشائر
د. محمد عبد الله يحيى شرف الدين
يقولُ اللهُ -سبحانه وتعالى-: {بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصحاب الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأرسل عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5)}، .
تحدثت هذه السورةُ عن حدثٍ عن كيد عظيم حاكته إمبراطورية الرومان؛ إذ كانت الإرهاصاتُ والمؤشرات تشير إلى مبعث النور والهدى والخلاص من استحكام قبضة الطاغوت، وذلك بقدوم خاتم الأنبياء والرسل من مكة البيت الحرام في ذلك العام الذي توجّـه أبرهة الحبشي بجيشه الجرار ومعه بعض المرتزِقة من العرب إلى مكة، بإيعاز من الرومان لملك الحبشة النصراني.
وزود الجيش بالفيلة، وفي مقدمتها فيل كبير، وكان الفيل آنذاك كائنًا مخيفًا بالنسبة للعرب، كما كان يمثِّل بالنسبة للروم رمزًا للقوة العسكرية في ذلك الزمن، وهدفت هذه الحملة العسكرية إلى السيطرة التامة على مكة المكرمة، ووأد مشروع الخلاص، والقضاء على مستقبل الرسالة الإلهية، بالإضافة إلى سعيهم لتدمير الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، برمزيته الدينية، وقدسيته المعروفة.
فكان التدخل الإلهي المباشر بتدمير ذلك الجيش بكله، وإفشال مساعيهم بشارةً عظيمة، وعبرةً مهمةً في أنَّ الله غالبٌ على أمره.
لقد غيَّرت الرسالة الإلهية في حركة النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- الواقع بكله على الجزيرة العربية بكلها، فواجه المسلمون جيوشَ الإمبراطوريات والدول الكبرى المستكبرة، ولم ترهب جيوشها التي كانت تأتي بأعدادٍ كثيرة من الفيلة، وهذا بفضل الله، وبالاهتداء بالقرآن الكريم والنبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-.
وها هو التاريخ يعيد نفسه، ففي العصر الحديث إذَا أرسل الأمريكيون بوارجهم الحربية إلى بحار الدولة المستهدَفة يكون كافيًا لحسم المعركة قبل خوضها في بعض الأحايين؛ لما تحمله تلك البوارج من دلالات القوة العسكرية الحاسمة، فتعد مخيفة جِـدًّا، وتمثل حربًا نفسية على الآخرين، فما إن يسمعوا بتحَرّكها نحوَهم حتى ترى مؤشراتِ الآثار السلبية على نفسياتهم.
وبناءً على هذه الاستراتيجية الحربية أرسل الأمريكيون بوارجَهم الحربية، وفي مقدمتها بارجتهم الضخمة (ترومان) إلى بحارنا؛ للحيلولة دون سريان قرار اليمن من منع سفن العدوّ الإسرائيلي في بحارنا حتى يقف العدوان على الشعب الفلسطيني ويرفع الحصار عنه.
لقد خانت الأمريكيين تلك الاستراتيجيةُ؛ لأَنَّ اليمانيين لا يخافون إلا الله، مهتدين بالقرآن الكريم والنبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ-، تحت قيادة عَلَمٍ من أعلام العدل والحق، فلم تتعدَّ عملياتهم العدائية مستوى الكيد الذي يوصفُ بأنه: إرادَة المضرَّة بالغير، بخُدعة ومكر، كما كان كيدُ أصحاب الفيل وفِيَلَتهم آنذاك، ومن خلال مجريات الواقع، فَــإنَّ كيدهم في تضليل، فأصبحت حاملة الطائرات (ترومان) وأخواتها لا تستطيع الدفع عن نفسها الهجماتِ اليمانيةَ، ناهيك عن أن تحميَ سفنَ العدوّ الإسرائيلي.
إن مقارنةَ قدرات الطير بقدرات الفيلة الهائلة عند المواجهة تستبعد قطعًا قدرةَ حسم الطير المعركة لصالحة؛ لكن عند الاعتماد على الله والتوكل عليه والثقةِ به، رأى الأمريكيون بوارجهم تتقهقر، وتندحر، وتفر هاربةً، تحت وطأة بأسِ الله بطائراتنا المسيَّرة وصواريخنا.
لو قرأ العدوُّ سورةَ الفيل بوعي؛ لما تورَّطَ ضد اليمانيين هذه الورطة التي كسرت هيبتَهم العسكرية، ولما تمرَّغَ أنفُه في بحارنا.
وفي الختام؛ لقد كان عامُ الفيل أكبرَ البشائر أحدَثَ اللهُ بعده أكبرَ عملية تغيير في الواقع العالمي؛ فليس ما قبل عام الفيل، كما بعده، أما أصحابُ الفيل؛ فقد أبادهم الله تعالى، فصدق سبحانه: (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ).