القنابل العنقودية الأمريكية باليمن.. العيشُ في ظلال الموت!

 

تُثبِتُ الأدلةُ القاطعةُ أن العدوانَ الأمريكيَّ السعوديَّ قد أطلق ذخائرَ عنقوديةً محظورةً في قصفه على اليمن خلال السنوات الست الماضية، وأن الآلافَ من هذه الذخائر لا تزال تشكل خطراً كَبيراً على السكان في عدد من المحافظات اليمنية، وقد قُتل وأُصيب المئات جراء تعرضهم لانفجار هذه الذخائر وغالبيتهم من الأطفال.

وتقول منظمة العفو الدولية في تقارير متعددة: إن تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا يحاول عبثاً تبرير استعماله للذخائر العنقودية، بالادِّعاء أن ذلك يتوافق مع القانون الدولي، لكن المنظمة تؤكّـد بقولها: “إن الذخائر العنقودية أسلحة غير تمييزية، بحكم طبيعتها، وتلحق أذىً لا يمكن تصوُّرُهُ بحياة المدنيين. واستعمال مثل هذه الأسلحة محظور بموجب القانون الإنساني الدولي العرفي تحت كُـلّ الظروف”.

وتشير المنظمة إلى أنها قامت بتحليل صور فوتوغرافية وأشرطة فيديو لآثار القصف قدمها “المركز اليمني التنفيذي للتعامل مع الألغام” لعدد من المواقع التي استهدفت بهذه الذخائر العنقودية من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ في بعض مديريات محافظة صعدة، مؤكّـدة أنها قنابل عنقودية.

وكانت منظمة العفو الدولية قد أعلنت رسميًّا توثيق أول استخدام معروف لهذه الأنواع من الذخائر العنقودية عام 2016 حين أكّـدت عثورها على مزيد من الأدلة من استخدام قوى العدوان لذخائر عنقودية في قرى بمحافظة حجّـة شمال غربي البلاد على بُعد 30 كيلو متراً عن الحدود اليمنية مع السعوديّة.

 

لعبة الموت الأمريكية

وخلال السنوات الست الماضية، تم تسجيلُ الكثير من القِصَصِ المأساوية لأطفال في عُمر الزهور فاقوا حياتهم جراء انفجار ذخائر عنقودية في قرى ومناطق متعددة باليمن، ومن ضمن هؤلاء الضحايا الطفل علي محمد منجي.

يدرُسُ الطفلُ منجي في مدرسة النجاح بمحافظة صعدة والتي تبعد عن منزله 5 كم، واعتاد الذهاب إليها صباح كُـلّ يوم للحضور بين زملائه ومعلميه، غير أن هذا الواقع سرعان ما تغير في عام 2019، حين كانت طائرات العدوان الأمريكي السعوديّ التجسسية وأقماره الصناعية تبحث عن هدف يلبي لها طلب الخبراء العسكريين في غرف العمليات لترصدَ الطريقَ التي يمُرُّ منها الطفل علي وأخوه عمار وأخته البتول صباح كُـلِّ يوم وتجد في طفولتهم البريئة مقصدَها.

أعادت قوى العدوان إرسال الصور الفورية كأهداف استراتيجية، ومن بعدها صدرت أوامر القيادة العليا إلى القاعدة الجوية في الرياض بسرعة تصويب الهدف المحدّد بقنبلة عنقودية، فحلقت الطائرة الحربية على المنطقة وقصفت منازل ومزارع عدد من المواطنين بالضربات الصاروخية المدمّـرة والمميتة.

ما حدث في ذلك اليوم كان مروعاً للغاية، فالمدنيون الأبرياء كانوا صيداً لهذه الغارات المتوحشة، لكن الأمر لم يتوقف عن هذا الحد، بل عاود الطيران التحليق بعد منتصف تلك الليلة، ليلقي ضربة أُخرى على المسعفين، وضربات على المزارع والطرقات، وَفيما كان الطفل علي يغُطُّ في نومه العميق استيقظ فزعاً من تلك الأصوات التي ألفها منذ 3 سنوات.

في الصباح الباكر كان علي يتهيأ للذهاب إلى المدرسة، وقد حزم أمتعته وحقيبته وتوجّـه إلى مدرسة النجاح مع إخوته، وحين رأى القنبلة العنقودية ظن أنها لعبة، فسارع لأخذها لكن سرعان ما انفجرت وحولت جسمَه الضعيفَ إلى أشلاء.

ويقولُ والدُ علي لـ “المسيرة” وعيناه تذرفان الدمع: ابني علي الصغير سارع نحو القنبلة معتقداً أنها لعبة وعند ملامسته لأول قنبلة منها انفجرت في وجهه وفارق معها الحياة على الفور وارتقى إلى الله شهيداً، فيما أُصيب أخوه عمار وأخته البتول بشظايا شوهت وجوههم، وانتزعت منهم الأمل في الحياة، قبل أن تحرمهم من حضور عام دراسي، لافتاً إلى أنه استمر لأكثر من عام في تقديم الرعاية الصحية لهم.

نزحت الأسرة بعد هذا الحادث المأساوي من صعدة إلى صنعاء،

ويقول أبو علي: “لم نعد قادرين على العودة إلى منطقتنا؛ لأَنَّها مملوءة بالقنابل العنقودية والألغام”.

ويعتبر الطفل الشهيد علي واحداً من آلاف أطفال اليمن الذين تخطفت أرواحهم وشوهت جمال وجوههم وقطعت أطرافهم قنابل العدوان الأمريكي السعوديّ العنقودية في الطرقات وجوار المنازل وفي المزارع والحدائق دون أية رحمة أَو إنسانية.

 

مقابرُ جماعية

المركَزُ اليمني للتعامل مع الألغام يؤكّـد بالقول: “حاولنا النزول إلى المناطق الحدودية لنزع الألغام والقنابل العنقودية من تلك المناطق، غير أن طيران العدوان لجأ إلى استهدافنا بالغارات”، ما أسفر عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى من زملائنا.

ويؤكّـد مشرف سرية نزع الألغام بالمركز اليمني للألغام، العقيد أحمد السالمي، أن طيران العدوان أعاق عملهم في إنقاذ حياة آلاف المواطنين والمزارعين والرعاة، مُشيراً إلى أن هذه القنابل لا تزال تحصُدُ أرواحَ المواطنين وتقطعُ أطرافَهم وتقتل وتمزق مواشيَهم وتنكلُ بمزارعهم ومحاصيلهم وتلوِّثُ مياههم وآبارهم دون أن يتمكّنَ أحدٌ من إنقاذهم.

ويضيفُ العقيد السالمي لصحيفة “المسيرة”: “أطفال تلك المناطق يذهبون إلى مدارسهم المقصوفة والمدمّـرة فتخدعهم لعبة الموت وهي ملقاة على قارعة الطريق وتجذب رغبتهم بألوانها وأشكالها القريبة من الألعاب التي حرموا منها منذ 6 أعوام من العدوان عليهم”، مواصلاً حديثه بالقول: “من عاد من أُولئك الأطفال سالماً عادت معه قصص ومشاهد الموت التي فتكت بزملائه أَو أحد إخوانه ورفاقه، ليقصها على من بقي من أهله على قيد الحياة متحدياً للجراح والمعاناة وصعوبة المعيشة التي فضّلها على مهانة النزوح والتشرد والتسول على أبواب المنظمات”.

ويتابع السالمي بالقول: “أما من خرج لرعي المواشي والأغنام والأبقار والماعز والأبل لتأكل من حشائش خالقها في هذه الأرض اليمنية فَـإنَّ تلك القنابل والألغام لها بالمرصاد”.

من جهته، يقول الخبير الاستراتيجي والمحلل العسكري، العميد عابد الثور: إن الكثير من القنابل العنقودية التي يلقيها العدوان الأمريكي السعوديّ على مناطقنا وقرانا في اليمن لم تنفجر لدى اصطدامها بالأرض، بل تظل في حالة الجهوزية، مثلها مثل الألغام إلى أن يلمسها جسد، وهذا يؤدي إلى استمرار معاناة المواطنين من أبناء الشعب اليمني من بقاياها، فيتواصل سقوط الضحايا، وتستمر أمريكا والسعوديّة في عدوانها لعقود قادمة على الشعب اليمني.

ويشيرُ الخبيرُ العميد الثور لـ “المسيرة” إلى أن العدوان استخدم هذا السلاح بكثافة أكبر ويواصل استخدامها في خطوط الاشتباك وزرع الألغام في مختلف الجبهات.

 

خليطٌ كيميائي مسرطن

ولا يقفُ خطرُ القنابل العنقودية التي يلقيها طيران العدوان على القرن والمدن اليمنية عند حَــدِّ الانفجار، وإنما لها أضرارٌ أُخرى، بحسب الأطباء.

ويؤكّـد بعض الأطباء الذين شخّصوا آثارَ الانفجارات على العديد من الجرحى والشهداء في مستشفيات صنعاء وصعدة والحديدة؛ بسَببِ القنابل العنقودية أن هذه القنابل الأمريكية يوجدُ في تركيبتها خليطٌ كيميائي يسمى “التنغستون” ويتسبب مباشرةً في ظهور أعراض سرطانية في الأنسجة والجروح، كما بينت دراسات أُخرى أن “التنغستون” النقي أَو ثلاثي أكسيد التنغستون يعد عاملاً مسرطناً.

ويقول الدكتور كمال العمري، طب عام بالمستشفى الأُورُوبي الحديث: إن زيادةَ تفشِّي مرض السرطان والتشوُّهات الخلقية خلال فترة العدوان الأمريكي السعوديّ على الشعب اليمني سببُه استخدامُ العدوان لأسلحة محرَّمة دوليًّا قصف بها على الأحياء السكنية وقرى ومنازل المواطنين، والمدارس والطرقات والأسواق، مُشيراً إلى أن القنابلَ العنقوديةَ حاملةٌ للموت والإعاقة والمركبات الكيمائية المسرطنة وتلوث المياه البيئة والهواء على حَــدٍّ سواء، وأن تأثيراتها السمية تصل إلى الحيوانات والثمار لتنقل بذلك الأمراض وإلى البشر.

ويحمل الدكتور العمري العدوان الأمريكي السعوديّ والمجتمع الدولي وَالأمم المتحدة مسؤولية استخدام هذه الأسلحة المحرمة في قتل الأطفال باليمن وانتشار الأمراض الخطيرة المتسببة بها.

 

شبحٌ قاتل

ويؤكّـد مديرُ المركَز التنفيذي للتعامل مع الألغام، العميد علي صفرة، أن المعاناةَ كبيرةٌ والكارثةُ الإنسانية لا تُوصفُ على مستوى مدن ومزارع وآبار مياه وطرقات وأحياء سكنية ملوثة بمخلفات العدوان.

وقال صفرة خلال فعالية أقامتها اللجنة الوطنية والمركز التنفيذي للتعامل مع الألغام بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام والقنابل العنقودية قبل أَيَّـام: إن الغارات التي أسقطت في مناطقَ متفرقة باليمن مثلت معاناة دائمة وما تزال تحصد أطراف اليمنيين وتعتبر موتاً يتربص بعشرات الأطفال والنساء.

وأوضح أن إجمالي عدد المتضررين من القنابل العنقودية 3709 منهم 962 شهيداً وقرابة 100 طفل، فيما بلغ عدد الجرحى 3700، لافتاً إلى أن مديريةَ القرشية لوحدها ومن بداية العام 2021 تسجل حوالي 90 ضحية ونفوق 50 رأساً من المواشي.

وأشَارَ صفرة إلى أنه بحسبِ إحصائيات مركز الأطراف التابع لوزارة الصحة فَـإنَّ عددَ الضحايا من المسجلين بالمركز بلغ 6 آلاف من الضحايا حتى منتصف 2019، ناهيك عن الآلاف ممن لم يسجّلوا بالمركز.

وَأَضَـافَ: نشعر بحجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها اليمن؛ لأَنَّنا في الميدان الملوث بمخلفات العدوان، مُشيراً إلى أن هناك حرماناً للمجتمعات المتأثرة بالألغام والقنابل العنقودية في عدم قدرتهم على العودة إلى مناطقهم رغم أنها أصبحت آمنة.

وتابع: عندما نتحدث عن كارثة فليس ذلك وهماً ولدينا إحصائيات بـ 2500 غارة بقنابل عنقودية دون الأسلحة التكتيكية، منوِّهًا إلى أن هناك 15 نوعاً من القنابل العنقودية التي استهدفت بها اليمن والتي لم يتم التعرفُ عليها وعلى الدول المصنعة لها.

وأوضح مدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام أن في المسح الميداني لعدد 3 مديريات بمحافظة الجوف تم تسجيل 50 ألف مزرعة متضررة من مخلفات العدوان والقنابل العنقودية.

وبيّن صفرة أن المساحة المتأثرة بالذخائر التي ألقاها العدوان في مديرية المتون بلغت 5 آلاف هكتار زراعي وكانت مصدرا لمعيشة 4 آلاف أسرة بالمديرية.

ونوّه إلى أن مركز التعامل مع الألغام يواجه صعوباتٍ في الحصول على الأجهزة الكاشفة والمستلزمات الميدانية؛ كون التنمية والقطاعات الأُخرى لا يمكنها العمل ما لم يتم رفعُ وتطهير المناطق من المخلفات والقنابل العنقودية.

وناشد صفرة المنسقَ للشئون الإنسانية، ديفيد جرسلي، والمنظمات الدولية بتوفير احتياجاتنا ليتمكّن مركزُنا من إنقاذ أرواح اليمنيين؛ كون دول تحالف العدوان تمنع دخولها.

واختطفت القنابل العنقودية والألغام أحلام الأطفال وتطلعاتهم وحرمتهم من أبسط الحقوق كحق التعليم واللعب، كغيرهم من أطفال العالم الذين يذهبون كُـلّ صباح إلى مدارسهم، ويعودون إلى أسرهم ومنازلهم سالمين ويعيشون بأمان حاملين لسلاح العلم والمعرفة، لا مشاهد الرعب والخوف والموت التي ألفوها منذ بدء العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن.

ولم يقف حرمان القنابل العنقودية الأمريكية لأطفال اليمن عند هذه الحدود فقط، بل تعداها إلى حرمانهم من حقهم في الحصول على الماء النقي والسكن الآمن، والعيش الكريم، كما حرمهم طيران العدوان الأمريكي السعوديّ من آبائهم وأُمهاتهم وإخوانهم ومن يعولهم، ومن معلميهم ومدارسهم ومستشفياتهم المدمّـرة.

ويتساءل أطفال اليمن: متى سيتوقف العدوان الأمريكي السعوديّ عن قتل الأطفال والنساء والرجال، في اليمن بأسلحتهم المحرمة دوليًّا وبحصارهم الخانق جوعاً ومرضاً وحرماناً من السفر.

وتؤكّـد منظمة انتصاف لحقوق المرأة والطفل أن نسبة التشوهات الخلقية ارتفعت خلال سنوات العدوان 8 %؛ بسَببِ استخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا، فيما قفزت معدلات سوء التغذية خلال الفترة عينها إلى 200 %، وَبلغ سوء التغذية لدى الأطفال دون سن الخامسة 2.6 مليون من أصل 5.5 مليون أي ما نسبته 47 % وذلك نتيجة العدوان والحصار.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا