“المعادلات الأربع” في خطاب السيد القائد.. تحذيرٌ استراتيجي من معسكر الاستباحة
في خطابٍ كاشفٍ وعميق، اتسم بالحسِّ الاستراتيجي والنظرة الشمولية، استعرض السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- عصر اليوم، ملامح المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.
وفيما استغرق السيد القائد محذرًا من أربع معادلات خطيرة تسعى قوى الهيمنة لفرضها على المنطقة العربية والإسلامية، في إطار مشروع ما يسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد”، الذي لم يعد خافيًا على أحد أعاد التذكير بجوهر العدوان الإسرائيلي على غزة، مؤكدًا أن ما يجري هي إبادة جماعية شاملة تهدف إلى اجتثاث الشعب الفلسطيني قسرًا من الجغرافيا والتاريخ، في ظل صمت عالمي، وتواطؤ عربي رسمي، ودعم أمريكي غير مسبوق بالقنابل والعتاد والتمويل.
وما يجعل هذه الإبادة أكثر مأساوية -ليس تجاوز ضحاياها إلى أكثر من 200 ألف إنسان– هو أن أموال النفط العربي تُستخدم لشراء القنابل الأمريكية التي تمطر رؤوس الفلسطينيين ليل نهار، تحت عناوين استثمارية وهمية، لا تقل إجرامًا عن القتل المباشر.
أربع معادلات تدميرية.. “الاستباحة” خارطة أمريكية لنسف الكرامة:
كشف السيد القائد في خطاب له اليوم الخميس عن أربع معادلات تسعى أمريكا وكيان العدو الإسرائيلي إلى ترسيخها في المنطقة، ليست فقط لحماية كيان الاحتلال؛ بل لتحويل الأمة إلى كيانات مستباحة لا تملك قرارًا ولا ترد عدوانًا.
الأولى تتمثل في “معادلة الاستباحة الشاملة” دون ردّ فعل، إذ يريد العدو الإسرائيلي –برعايةٍ أمريكية– أن يصبح القصف والغزو والاستهداف أمرًا معتادًا، وأن تستسلم الدول والشعوب لهذا الواقع، دون أن تُبدي أيّ ردّ فعل أو مقاومة.
ويذهب السيد إلى ما هو أبعد في قراءته لتطورات الأحداث؛ فقد دفعت هذه المعادلة الصهيونية الأمريكية “بعض الأحزاب اللبنانية لتبني الطرح الإسرائيلي في تجريد لبنان من سلاح مقاومته والقبول بالاستباحة”.
وفي الوقت نفسه بدا مستغربًا ومبديًّا خشيته من نجاح هذه المعادلة لبنانيًّا؛ إذ كيف تتجاهل هذه القوى التزامات “العدو الإسرائيلي تجاه اتفاق وقف إطلاق النار مع الدولة اللبنانية”.
ويرى السيد القائد أن هذه المعادلة تهدف إلى “ترويض” الأمة على الخضوع، وتعويدها على الذل، حتى تُقبل فكرة الاحتلال كما يُقبل الأذى الطبيعي، أو كما تُقبل الكوارث بلا مقاومة؛ فأن تُقصف سوريا، ولبنان يُخترق، وغزة تُباد، والعالم يُطلب منه الصمت.
معادلة الاختراق الطائفي بذريعة حماية الأقليات:
ويحذر السيد القائد من سعي كيان العدو الإسرائيلي لاختراق الداخل السوري، والادّعاء بحماية الأقليات -وخاصة الدروز- مستغلًا أخطاء الجماعات المسلحة، التي اتخذت نهجًا طائفيًا أقصى كل من خالفها، مؤكداً أن “العدو لا يَنصح”، بل يطعن؛ لا يحمي؛ بل يتسلل، “ليستثمر في الانقسامات ويؤسس لتقسيمات”، وهو بذلك يسعى لتحويل “التعدد الطائفي” إلى معبر استخباراتي يسمح له بفرض وجوده داخل العمق العربي، تحت لافتات إنسانية زائفة.
ويكشف السيد القائد في سياق المعادلة الثالثة للعدو الإسرائيلي هي فرض سيطرة على مساحة واسعة في سوريا تمتد إلى قرب دمشق وتحت التصنيف الأمني للمناطق؛ فالاحتلال الإسرائيلي يسعى لفرض “نطاقات أمنية” داخل سوريا، بدءًا من شمال القنيطرة وحتى مشارف دمشق، تمهيدًا لتحويلها إلى مناطق نفوذ دائم، أشبه بجيوب سيطرة عسكرية إسرائيلية في قلب بلاد الشام.
وفي إطار عناوين أمنية أخرى تحت مبررات أمريكية، ستعطي كيان العدوّ الحق حتى إلى قرب العاصمة دمشق؛ وهذا ليس احتلالًا مباشرًا؛ بل احتلال وظيفي ناعم، يلبس لبوس “حماية الأمن”، ويفرض واقعًا لا تختلف نتائجه عن الاجتياح الكلي.
معادلة التحكّم بالعلاقات والسيادة والتسليح في سوريا:
المعادلة الرابعة -والأخطر- تتمثل في سعي الاحتلال الإسرائيلي لفرض سقف سياسي وأمني على كل قرار سيادي في سوريا، بحيث لا يُسمح لأي علاقات خارجية أو تسليح أو تحرك إلا بموافقة (تل أبيب)، وبما يضمن مصالحها فقط.
ومن منظور السيد القائد؛ فإن دوافع إنشاء العدو الإسرائيلي لأكثر من 8 قواعد عسكرية شمالي القنيطرة، إضافةً إلى الممر الترابي المحصن بهدف الربط بين هذه القواعد والنقاط العسكرية، تشير إلى أن هذه ليست معركة جغرافيا؛ بل معركة قرار وسيادة واستقلال.
ويمكن القول إن كلمة السيد القائد ليست مجرد خطاب تعبوي؛ بل خريطة طريق لفهم ما يُخطط للمنطقة من تهديدات وجودية؛ فما يريده الأمريكي والإسرائيلي ليس وقف المقاومة؛ بل وقف الكرامة وطمس الهُوية وتجفيف منابع السيادة.
وهو ما يستدعي –كما أوضح السيد– أن تُبنى معادلة الردع العربي والإسلامي الشامل، بعمق جهادي وإعلامي وسياسي وشعبي، لأن ما يجري لم يعد يخص الفلسطينيين وحدهم؛ بل يخص الحق في الحياة والسيادة والحرية لكل أبناء الأمة.
وشدّد السيد القائد على أن تشويه الجهاد والمقاومة هو خيانةٌ علنية، وأن الأنظمة التي تجرّم المقاومة، والإعلام الذي يشيطنها، إنما يقفان في معسكر القاتل لا المقتول.
ويرى السيد القائد أن الأمة أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن تستسلم لمعادلات “الشرق الأوسط الجديد” بما فيها من استباحة واستعباد، أو أن تفرض معادلات الجهاد والعزّة والصمود والمقاومة.
والسيد القائد لا يطرح احتمالات؛ بل يصوغ معادلة مضادة، مفادها: “نحن في زمن لا يمكن فيه إلا أن نكون مع فلسطين، لأن معادلات العدو لا تترك لنا خيارًا إلا الانتصار أو الاندثار”.
ولفت إلى أن الأنظمةَ والشعوب الخاضعة والصامتة قد صارت خصمًا عند الله سبحانه وتعالى لكل طفل وامرأة وشيخ ومظلوم قُتل جُوعًا وحصارًا وقصفًا وحرقًا على يد العدوّ الصهيوني.
المسيرة