اليمن تتوعد العدو الإسرائيلي بأيام سوداء

انعقاد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) في موقع محصن، عقب قيام المحتل بتنفيذ عملية إرهابية غادرة، لاغتيال رئيس الوزراء أحمد غالب الرهوي وعدد من رفاقه الوزراء في اليمن.

هذه العملية الإرهابية الجبانة تمثل عدوانًا سافرًا على سيادة اليمن، وانتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية. لكن حين تصعد الأرواح الطاهرة إلى بارئها مخضبة بدماء الشهادة لا يكون الرحيل مجرد فقد بل ميلاد جديد لقيم التضحية والوفاء وترسيخ لمعاني العزة التي لا يطالها النسيان.

هكذا ارتقى دولة رئيس الوزراء الأستاذ أحمد غالب الرهوي ورفاقه من الوزراء الأبرار، شهداء في غارة صهيونية غادرة لم تستهدف أشخاصًا فحسب، بل أرادت كسر إرادة وطن وهب نفسه أن يظل سنداً لإخوته في غزة الجريحة، التي تعيش إبادة جماعية منذ ما يقارب العامين على يد جيش المحتل الصهيوني.

استشهاد هذه الثلة من القادة ومن سبقهم الى هذه المنزلة العظيمة يمثل شهادة ميلاد لموقف تاريخي خالد فقد جسدوا بأرواحهم الطاهرة حقيقة أن اليمن حكومة وشعبًا، لا يساوم على الحق، ولا يتراجع أمام الطغيان وأن دماءه تُسكب حيث تُمتحن معادن الرجال في ميادين الكرامة والوفاء لفلسطين.

إجراءات (إسرائيل) الأمنية وتكثيف الحراسات المشددة لنتنياهو ووزير دفاعه، وعقد الاجتماعات في سراديب محصنة، يعكس أكثر من مجرد احتياط أمني. إنه تعبير عن إدراك المحتل لخطورة المأزق الراهن مع اليمن الذي دخل على خط المواجهة بصورة مباشرة.

هذا التمدد في المواجهة لم يأتِ عرضيًا، بل جاء نتيجة خيارات إسرائيلية قائمة على التصعيد الأحادي، والاغتيالات خارج السياق الدولي، ما فتح الباب أمام ردود ذات سقف مرتفع يصعب على الكيان السيطرة عليه.

أيام سوداء

الموقف اليمني الرسمي شكل تحولًا لافتًا، حين أعلن بوضوح أن “الأيام السوداء”، تنتظر (إسرائيل)، وأن الأراضي المحتلة لم تعد آمنة لا للمستوطنين ولا للشركات ولا لرؤوس الأموال الاستثمارية.

التحذير اليمني الرسمي الموجه للشركات الدولية والمستثمرين لا يقل خطورة عن التحذير العسكري، لأنه يربط أمن (إسرائيل) الداخلي ببيئة الاقتصاد العالمي، ويضع استثماراتها وعلاقاتها التجارية أمام مخاطر حقيقية. فتهديد الملاحة في البحر الأحمر والبحر المتوسط، والمحيط الهندي يفتح ملفًا استراتيجيًا حساسًا، نظرًا لاعتماد التجارة الدولية وأسواق الطاقة على هذه المسارات البحرية.

القدرات العسكرية اليمنية عززت من جدية هذا التهديد. فإلى جانب الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية التقليدية، دخل اليمن مرحلة الأسلحة الاستراتيجية الحديثة، بما في ذلك الصواريخ الانشطارية ذات الرؤوس المتعددة، القادرة على إصابة أهداف متباعدة في العمق الإسرائيلي بدقة عالية.

هذا التطور لا يغير فقط قواعد الاشتباك في الصراع اليمني – الإسرائيلي، بل يضيف معادلة ردع جديدة تشبه في مفاعيلها التحولات النووية الباردة في القرن الماضي. معادلة تجعل من الضربات الوقائية عديمة الجدوى، وتؤسس لتوازن رعب إقليمي لم يكن مطروحًا قبل سنوات قليلة.

الشعب اليمني، برغم حصاره الطويل وتضحياته الجسيمة، يؤكد أن دعمه لغزة ليس ظرفيًا، بل التزام استراتيجي لن ينتهي إلا بتحقيق شروط واضحة: إنهاء الحرب، فك الحصار، إدخال المساعدات الغذائية والدوائية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.

هذا الموقف الشعبي- الممزوج بالقدرات العسكرية- يُدخل غزة في عمق المعادلة الإقليمية، ويجعل من الحرب على القطاع جزءًا من صراع إقليمي أشمل، لا يقتصر على حدود فلسطين.

على المستوى الدولي، تبدو واشنطن في مأزق مزدوج. فمن جهة، تواصل دعمها غير المشروط لـ (إسرائيل)، سياسيًا وعسكريًا، باعتبارها الحليف المركزي في المنطقة. ومن جهة أخرى، تواجه ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي، خاصة في الأمم المتحدة، حيث تتعاظم المطالبات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتتصاعد الانتقادات لسياسات الإبادة والحصار. الأكثر خطورة أن التهديد اليمني للملاحة الدولية يضع الإدارة الأمريكية أمام معضلة استراتيجية، لأن تعطيل خطوط التجارة والطاقة عبر البحر الأحمر قد يؤدي إلى اضطرابات في الأسواق العالمية، ويفتح الباب أمام قوى منافسة- مثل الصين وروسيا- لتعزيز حضورها في أمن الممرات البحرية.

هنا يظهر البعد الجيوسياسي الأعمق، (إسرائيل) وهي تصعد ضد غزة وتخطط لضم الضفة، تفتح جبهات تتجاوز حدودها المباشرة، لتضع الولايات المتحدة وحلفاءها أمام اختبار استراتيجي عسير. فكل ضربة إسرائيلية خارج القانون الدولي تعني توسيع بيئة الحرب، وكل اغتيال خارج الحدود يضاعف احتمالات الفوضى في الممرات البحرية، وهو ما يهدد مصالح الغرب الاقتصادية قبل أن يهدد بقاء الكيان نفسه.

تحول في طبيعة الصراع

ما نشهده اليوم هو تحول في طبيعة الصراع. (إسرائيل) لم تعد تواجه مقاومة محلية فقط، بل جبهة إقليمية تمتلك قدرات متطورة وغطاء شعبي واسع، فيما المجتمع الدولي يعيد النظر في مقارباته. هذا التحول لا يعني بالضرورة انهيارًا وشيكًا للكيان، لكنه يضعه في مسار تصادمي طويل الأمد، يجعل الاستقرار بعيد المنال، ويحول كل مشروع توسعي في الضفة أو غزة أو القدس إلى خطوة محفوفة بالمخاطر الاستراتيجية.

بعبارة أخرى، الكيان الإسرائيلي يقترب من لحظة الحقيقة، مشروعه الاستعماري الذي حاول فرضه بالقوة منذ 1948 بات اليوم يواجه واقعًا مختلفًا، حيث السلاح الاستراتيجي في اليمن، الصمود في غزة، المقاومة في لبنان، والضغط الدولي المتزايد، كلها عناصر تتكامل لتعيد صياغة ميزان القوى في المنطقة والعالم.

عرب جورنال / توفيق سلاَّم

قد يعجبك ايضا