ملاحقة العملاء بغزة .. حملة أمنية بإسناد فصائلي ودعم شعبي
بعد أن خمدت أصوات المدافع وبدأ قطاع غزة يلتقط أنفاسه الأولى في مرحلة ما بعد الحرب، أطلقت وزارة الداخلية وأمن المقاومة الفلسطينية حملة أمنية واسعة، وُصفت بأنها “الأكبر منذ سنوات”، لتطهير القطاع من أوكار العمالة والجريمة والفوضى التي غذّاها الاحتلال وأعوانه خلال فترة الإبادة.
مداهمات نوعية
وفي أحدث الحملات، أفاد مصدر أمني في قطاع غزة، أن قوة “رادع” نفّذت أمس الخميس سلسلة مداهمات نوعية استهدفت أوكار العملاء ومرتزقة الاحتلال الإسرائيلي، الذين حاولوا التخفي بين المواطنين، فتم تحييد عددٍ منهم، فيما يخضع آخرون للتحقيق لدى الأجهزة الأمنية المختصة.
وقال المصدر: هذه العمليات جاءت بعد رصدٍ دقيقٍ ومتابعةٍ مكثفةٍ لتحركات الخونة والمتسترين عليهم، لتؤكد أن يد أمن المقاومة ممدودة بالعقاب لمن باع وطنه، وبالرحمة لمن اختار العودة قبل فوات الأوان.
وأشار إلى أن الأيام الأخيرة شهدت تزايدًا في أعداد من سلّموا أنفسهم للأجهزة الأمنية في مختلف مناطق القطاع، استشعارًا لهيبة أمن المقاومة، وتجاوبًا مع نداء العودة.
إعادة الأمن والاستقرار
وقالت وزارة الداخلية إن الحملة تستهدف “إعادة الأمن والاستقرار وإنفاذ القانون بحق العملاء والمرتزقة واللصوص وقطاع الطرق”، مؤكدة أن الأجهزة الأمنية “لن تسمح بتحويل غزة إلى ساحة للفوضى بعد تضحيات شعبها وصمودها في وجه الاحتلال”.
وثمنت فصائل المقاومة، في بيان مشترك، جهود وزارة الداخلية وأمن المقاومة، مؤكدة أن الحملة تحظى بدعم كامل وإجماع وطني من مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية.
وأضاف البيان أن “هذه الحملة المباركة ضرورة وطنية لحماية المواطن الفلسطيني، وملاحقة عصابات الإجرام وأذناب العدو الصهيوني الذين حاولوا ضرب النسيج الداخلي”، داعيًا المواطنين إلى التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن المطلوبين.
وأكدت الفصائل أن “لا مكان للعملاء والقتلة والمجرمين في غزة المقاومة، وكل من يثبت تورطه سيُحاسب وفق القانون الثوري الفلسطيني”، موجهة التحية للمؤسسة الأمنية على “جهودها الجبارة وتضحياتها التي تُسجَّل لكل وطني حر”.
العشائر ترفع الغطاء
وفي موقف شعبي لافت، أعلنت القبائل والعشائر الفلسطينية في القطاع دعمها الكامل للحملة الأمنية، ورفضها القاطع لكل مظاهر البلطجة والفلتان التي “ارتكبتها فئات مارقة استغلت الغياب الاضطراري للأجهزة الأمنية أثناء الحرب”.
وأكدت العشائر أن تلك الممارسات “هددت أمن المجتمع وزادت من معاناة الناس”، مشددة على “رفع الغطاء العشائري والعائلي عن كل من يثبت تورطه في أي مخالفة تهدد السلم الأهلي”.
ودعت العائلات الفلسطينية إلى “تسليم المطلوبين للجهات المختصة فورًا، وعدم التستر على أحد”، معتبرة أن “من يتستر على المجرمين شريك في جرائمهم”.
كما دعت الفصائل الإسلامية والوطنية إلى “تضافر الجهود وتوحيد الطاقات وتسخير الإمكانات كافة لدعم خطط الجهات الأمنية في ضبط الميدان وإنهاء مظاهر الفوضى بسرعة وحزم”.
ضرب أوكار العمالة واستعادة السيطرة
في الوقت ذاته، واصلت قوة “رادع” التابعة لأمن المقاومة عملياتها الميدانية في مختلف محافظات القطاع، واعتقلت عشرات العناصر المتورطة في جرائم القتل والتعاون مع الاحتلال، فيما أكدت مصادر متطابقة تنفيذ أحكام الإعدام بحق عدد من العملاء، بعد استيفاء جميع الإجراءات القانونية.
وأكدت قوة رادع أن “كل من يثبت تورطه في العمالة أو ارتكاب جرائم بحق أبناء شعبنا سيحال إلى القضاء”.
وأشارت إلى أن “العدو حاول زرع خلايا تخريبية لزعزعة الأمن الداخلي بعد الحرب، إلا أن يقظة المقاومة وأجهزتها الأمنية أفشلت هذه المخططات”.
مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، كشف أن أكثر من 70 عنصرًا من العصابات سلّموا أنفسهم وأسلحتهم ضمن مبادرة العفو العام.
وأشار الثوابتة إلى “القضاء على أكثر من 50 بؤرة كانت تشكل خطرًا مباشرًا على المواطنين”، مؤكداً بدء خطة شاملة لإعادة انتشار الشرطة والدفاع المدني في كل محافظات القطاع.
إسناد شعبي ورسالة للعدو
ويرى مراقبون أن ما يجري في غزة اليوم يمثل مرحلة جديدة من فرض النظام بعد الحرب، إذ تعيد حماس تموضعها كقوة أمنية وسياسية مركزية، مدعومة بغطاء فصائلي وشعبي واسع، في وقت فشلت فيه كل محاولات الاحتلال لإشعال الفوضى الداخلية أو خلق بدائل ميدانية.
ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن هذه الحملة الأمنية تحمل أكثر من بعد؛ فهي ليست مجرد إجراءات ميدانية لضبط الأمن، بل رسالة استراتيجية مزدوجة: رسالة إلى الداخل الفلسطيني مفادها أن الأمن خط أحمر، وأن دماء الشهداء لن تذهب سدى، ورسالة إلى الاحتلال بأن أدواته الأمنية وعملاءه لن يجدوا موطئ قدم في غزة، مهما حاول.
ونقلت صحيفة لموند الفرنسية عن أحد الأكاديميين في جنوب القطاع: “مهما اختلفنا سياسيًا، لا يمكن لأحد أن ينكر أن حماس هي الجهة الوحيدة القادرة على ضبط الشارع وحماية الناس بعد الحرب. هي اليوم الحارس الفعلي لوحدة المجتمع، وصمام الأمان في وجه الفوضى”.
وتشير مصادر محلية للمركز الفلسطيني للإعلام إلى أن الالتفاف الشعبي حول الأجهزة الأمنية والمقاومة شكّل تحولًا نوعيًا في المزاج العام بعد الحرب، حيث بات المواطن يرى في الحملة الأمنية ضمانة لاستقرار حياته، لا تهديدًا لها، بعدما لمس نتائجها في الشارع من تراجع الجريمة وانتشار الأمن في كل المناطق.
وفي قراءة سياسية أشمل، يرى مراقبون أن ما يجري في غزة ليس مجرد حملة أمنية، بل إعادة ترتيب للبيت الداخلي الفلسطيني، وتثبيت لمعادلة جديدة عنوانها “الأمن للمواطن، والحسم للخارجين عن القانون”.
ووسط غياب بدائل سياسية قادرة على إدارة القطاع، تبدو حماس اليوم —بكل تعقيد المشهد— الطرف الوحيد الذي يملك القدرة والإرادة على الإمساك بزمام الأمور، مستندةً إلى معادلة صاغها الميدان نفسه: من قاتل في الحرب، هو من يحمي الناس بعدها.
المواطنون من جانبهم، أعلنوا تأييدهم الحملة الأمنية ضد أوكار العمالة والفوضى، وقال محمد مقداد: “نثمن الحملة الأمنية ضد العملاء، وقطاع الطرق، والمجرمين”، مشددا أن من وصفهم بالخونة يجب أن ينالوا عقاباً شديداً، وتطبيق الأحكام الثورية بحقهم.
وردا على الهجمة الإعلامية التي شنتها بعض وسائل الإعلام التابعة للسلطة الفلسطينية، بعد إعدام المقاومة عدداً من العملاء في مدينة غزة، أكد مصدر في حماس أن “تنفيذ أحكام الإعدام بحق العملاء والمجرمين تم بعد استيفاء الإجراءات القانونية”.
المركز الفلسطيني للإعلام