اليمن ما بين المؤامرة الخارجية والخيانة الداخلية وسبل المواجهة
الحقيقة ـ جميل الحاج
منذ اللحظة الأولى لانطلاق العمليات اليمنية المساندة لغزة، والتي شملت احتجاز واستهداف وإحراق السفن المتعاملة مع الكيان الصهيوني، واستهداف ميناء أم الرشراش (إيلات)، دخل اليمن في قلب معركة إقليمية مفتوحة ضد العدو الإسرائيلي. هذه العمليات نجحت في فرض حصار اقتصادي وبحري مؤثر على الكيان، وشكّلت عامل ضغط استراتيجي تزامن مع تصاعد جرائم الاحتلال في غزة. ومع تواصل الضربات اليمنية واتساع تأثيرها، أدرك العدو الإسرائيلي أن المواجهة العسكرية المباشرة مع اليمن لم تحقق أهدافه، فاتجه نحو مخطط جديد يهدف إلى ضرب الموقف اليمني من الداخل عبر تحريك أدوات الخيانة والعمالة المحلية، في محاولة لإرباك الجبهة الداخلية وإضعاف زخم العمليات المساندة لفلسطين.
وقبل اسابيع وجه السيد القائد تحذيرًا واضحًا لمن استهوت نفوسهم الأموال المدنسة وتطبعت قلوبهم على الخيانة والعمالة، فأي محاولة للفوضى، مهما كانت عباءتها، ستُواجَه بالحسم والشجاعة.
وهذا التحذير ليس فقط ردعًا، بل إشارة مبكرة لكشف المؤامرة قبل وقوعها، وتنبيه للجميع بأن العدو بصدد محاولة نقل المعركة من العمق الصهيوني ومن البحر إلى الداخل، مستخدمًا نخبًا حزبية وإعلامية تم تجنيدها منذ سنوات.
بعد فشله في تحقيق أي إنجاز ميداني أو ردع للعمليات اليمنية عبر المواجهة العسكرية المباشرة، لجأ العدو الإسرائيلي إلى مسار آخر، أكثر خبثاً، يقوم على تفعيل شبكات الخيانة الداخلية، التي تتحرك كامتداد مباشر لمشروعه الإجرامي وأطماعه التوسعية.
تتمثل أدوات الخيانة في بعض القوى والشخصيات السياسية والإعلامية المرتبطة تاريخياً بالعدوان الخارجي على اليمن منذ أكثر من عشر سنوات، وتعمل هذه المرة لتنفيذ مؤامرة إسرائيلية عبرهم، وذلك بإثارة الفوضى الداخلية من خلال استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة، التي نتجت أساساً عن الحصار الاقتصادي المفروض من قبل دول تحالف العدوان.
وكذلك توجيه حالة السخط الشعبي بعيداً عن الأطراف الفعلية المسؤولة عن معاناة اليمنيين، وتحويله نحو القوى الوطنية الحرة والمناهضة لـ (إسرائيل) وقوى الاستكبار، بهدف كسر إرادة الصمود وإيقاف المساندة اليمنية لغزة.
وكذلك العمل على تلميع الخطاب الإسرائيلي الأمريكي عبر الترويج لفكرة أن العمليات المساندة لغزة “لا علاقة لليمن بها” أو أنها “تؤثر على حياة المواطنين”، في محاولة لخلق شرخ بين السلطة في صنعاء والشعب وموقفه الديني والأخلاقي والمبدئي تجاه فلسطين.
المؤامرة الإسرائيلية الجديدة تأتي بعد فشله في إيقاف الضربات اليمنية البحرية وما تمثل من تهديداً مباشراً للتجارة الإسرائيلية وطرق إمدادها البحرية، ما يجعل استمرارها خطراً استراتيجيا على الكيان الصهيوني، وبما أن الخيار العسكري المباشر لم يؤثر على الموقف والاسناد اليمني للشعب الفلسطيني، فإن إسقاط هذا الموقف يتطلب ضرب الجبهة الداخلية، وإحداث انقسام يوقف العمليات العسكرية قبل أن تحقق أهدافها الكاملة ووقف العدوان والحصار الإسرائيلي على غزة.
لكن هذا المخطط يتجاهل حقيقة راسخة، وهي أن الموقف اليمني تجاه القضية الفلسطينية ليس موقفاً سياسياً طارئاً، بل هو جزء من الواجب الديني والهوية والمبدأ الذي تشكّل عبر عقود من الوعي الشعبي والسياسي بخطورة المشروع الصهيوني على المنطقة العربية بشكل خاص والأمة الإسلامية بشكل عام.
يقف اليمن اليوم على خط مواجهة مزدوج في مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني عبر البحر والعمليات العسكرية د الكيان، ومواجهة داخلية ضد أدوات الخيانة التي تتحرك بأوامر وتنسيق إسرائيلية لتأثير على سير العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة.
وأمام هذه التحركات المشبوهة للعدو الإسرائيلي عبر أدوات الخيانة من العفافيش، تبرز ضرورة تحرك أمني مكثف وشامل لملاحقة الخونة والعملاء، أياً كانت انتماءاتهم أو مواقعهم، والتعامل معهم كامتداد مباشر لمشاريع تستهدف اليمن وموقفه المشرّف في دعم القضية الفلسطينية. وعلى المستوى الشعبي، يظل استمرار الحاضنة الشعبية للعمليات البحرية والعسكرية الموجهة ضد الكيان الصهيوني، هو خط الدفاع الأول في مواجهة محاولات التشويه والتحريض التي تبثها أدوات الخيانة عبر وسائل الإعلام المأجورة وحملات التضليل.
وفيما يخص الجانب الرسمي، فيتطلب الأمر تعزيز الإجراءات الأمنية والاستخباراتية لملاحقة وتفكيك الشبكات المرتبطة بمشاريع أجنبية معادية، ورفع مستوى الجهوزية الميدانية لمواجهة أي تحركات تخريبية أو أعمال فوضى تستهدف استقرار الجبهة الداخلية، مع ضمان بقاء الموقف اليمني ثابتاً وفاعلاً في دعم الشعب الفلسطيني ومواجهة الكيان الصهيوني.
لكن التاريخ أثبت أن الشعب اليمني، بكل أطيافه، حين يتعلق الأمر بفلسطين، يقف صفاً واحداً، وأن كل محاولات الاختراق ستتحطم على صخرة وعيه وإرادته.
في السنوات الماضية من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن وصولا إلى فشل العدوان العسكري الأمريكي والإسرائيلي خدمة للعدو الصهيوني، والتي كانت تهدف من خلاله إلى ايقاف العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة، عمل الإعداء على انشاء شبكات وخلايا تجسسية داخل اليمن، لرصد وكشف أماكن القيادات اليمنية ومخازن الاسلحة وأماكن أطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة التابع للقوات المسلحة اليمنية والتي تستخدمها في أسناد غزة.
وقد تمكنت الأجهزة الأمنية اليمنية بمختلف تشكيلاتها من كشف وتفكيك وضبط أكثر من 1782 خلية تجسس، واعتقال 25,665 جاسوسًا جرى تجنيدهم لصالح أجهزة استخبارات أجنبية منذ بداية العدوان عام 2015.
ومنها تفكيك شبكة تجسس في شهر مايو 2024 كانت تعمل لصالح أمريكا و(إسرائيل)، وقد تم توقيف عدد من أعضائها في الساحل الغربي. هذه الشبكة كانت مكلفة باختراق الجبهة الداخلية ورصد مواقع الأسلحة ومراكز القيادة.
وفي يناير 2025، تم الكشف عن شبكة تجسس لصالح MI6 والاستخبارات السعودية. وفي ديسمبر 2024، كما تم إحباط أنشطة استخباراتية مشتركة بين الـCIA والموساد، وتم إلقاء القبض على مجموعة من الجواسيس المرتبطين بـ”حميد حسين فايد مجلي”، والمسؤولين عن رصد مواقع الصواريخ والطيران المسيّر والقوات البحرية ومواقع القيادات السياسية والعسكرية لإعدادها للاستهداف، وقد تم الكشف عن أسماء عناصرها وعرض صورهم وبث اعترافاتهم.
وبالعودة إلى فتنة ديسمبر 2017 والتي تعتبر درسًا قاسيًا لأعداء الداخل والخارج، حين سقطت المؤامرة خلال يومين، وتم حسم الموقف بأقل كلفة بالرغم من حجم المؤامرة والدعم والإسناد الخارجي.