بعد 40 عاماً من الأسر في سجون الكيان الصهيوني: كريم يونس حراً.. فرحة فلسطين تكسر قيد الاحتلال

عميد الأسرى الفلسطينيين كريم يونس يكسر قيد السجان بعد 40 عاماً من الأسر في سجون الاحتلال، وسط مخاوف إسرائيلية من مظاهر الفرح الفلسطينية.

“ها أنا أوشك أن أغادر زنزانتي المظلمة التي تعلمتُ فيها أن لا أخشى الظلام، وأن لا أشعرَ بالغربة أو بالوحدة، لأنني بين إخوتي؛ إخوة القيد والمعاناة، إخوة جمعنا قسمٌ واحد وعهدٌ واحد”. 

الأسير المنتصر الفلسطيني كريم يونس

بهذه الكلمات، اختار الأسير المحرّر الفلسطيني كريم يونس أن يوجه رسالة أخيرة إلى أبناء الشعب الفلسطيني قبل أيام قليلة من إنهاء حكمه الذي استمر 40 عاماً متواصلة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وفقد خلالها والديه. وقد شهدت الساحة الفلسطينية التي ناضل من أجلها الكثير من التغيرات خلال هذه الفترة، بدءاً من الانتفاضة الأولى إلى الثانية، وصولاً إلى العدوان على غزة وتصدي المقاومة له.

مارس عميد الأسرى حياته كمناضل فلسطيني داخل سجون الاحتلال، فشهادات الأسرى المحررين بحقه امتلأت بالتعبير عن تأثيره في معنويات الأسرى، ودعم صمودهم، والحفاظ بشكل دائم على شعلة حماستهم وصبرهم. واصل تعليمه، ولم يسمح لزنازين السجن بأن تطفئ جذوة أفكاره، وأشرف على عملية التعليم الجامعي لعدد من الأسرى. لم يكتفِ بالحفاظ على نفسه داخل السجن، إنما جعل من نفسه مجالاً حيوياً كاملاً تشع الطاقة من أفلاكه. 

حرية مترافقة مع قلق إسرائيلي

غادر اليوم الأسير المناضل سجون الاحتلال إلى الحرية التي انتظرها لسنوات طويلة، وسط مخاوف إسرائيلية من أعلام فلسطن التي رفعت في منزله، إذ أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل يوم واحد على اقتحام منزل عائلته في بلدة عارة في الداخل المحتل عام 48، واستولت على الأعلام الفلسطينية المرفوعة.

المخاوف الإسرائيلية ظهرت في العديد من المواقف، بدءاً من قرار الاحتلال وإصراره على قتل أي مظاهر للفرح. لذا، أفرجت عنه في وقت مبكر جداً، وفي مستوطنة رعنانا، بعيداً من منزل عائلته ومكان استقباله في بلدة عارة، وعرضت بذلك حياته للخطر.

لم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل إن الأسير المحرر أكَّد أن قوات الاحتلال اقتحمت السجن ليلًا، ونقلته بشكل مفاجئ إلى الخارج، من مركبة إلى مركبة، حتى تركته عند محطات الحافلات، وطلبت منه التوجه إلى عارة، ووجدت بعض العمال الفلسطينيين، فاتصلت بأهله من هواتفهم. كل هذا يدل على حجم القلق الإسرائيلي من الاحتفالات التي يقيمها الفلسطينيون عند كل مناسبة.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن وزير الأمن القومي للاحتلال الإسرائيلي إيتمار بن غفير تحدث إلى مفوض شرطة الاحتلال الإسرائيلية أمس، وطلب منه التحرك لمنع أي احتفالات بتحرير كريم يونس، إضافة إلى منع التجمعات الفلسطينية  في هذا اليوم تحديداً. ووفقاً لمحللين، فإن “صورة النصر الفلسطيني تثير قلق إسرائيل في كل الأراضي المحتلة”.

اقرأ أيضاً: “لن نُهزم”… الاحتلال يخشى فرحة النصر فيعيد اعتقال الأسرى!

حاول الاحتلال جاهداً بعد تحرره أن يأسر فرحة الفلسطينيين عموماً، وفرحة أهله خصوصاً، إلا أنَّ عائلته وأبناء بلدته كسروا قيد الاحتلال، باعتبار أنّ مشهد الفرح يرعب الاحتلال الإسرائيليي الذي كثف في الآونة الأخيرة سياسة اعتقال الأسرى لحظة حريتهم، إذ إنه ينتهج هذه السياسة بحق غالبية الأسرى.

ويعتبر الكثيرون أن الإسرائيلي انزعج من فرحة الشعب الفلسطيني بخروج الأسير وما كان سيرافقها من حفلات استقبال وتهنئة، نظراً إلى تاريخ الأسير ومسيرته الطويلة في الصمود في وجه المحتل الإسرائيلي.

 تعرض كريم لتحقيق قاسٍ وطويل، وحكم عليه الاحتلال بالإعدام في بداية أسره، ولاحقاً بالسّجن المؤبد (مدى الحياة)، ثم جرى تحديد المؤبد بفترة 40 عاماً. وعام 2013، وفي ذكرى اعتقاله الثلاثين، توفي والده الحاج يونس، وبقيت والدته الحاجة صبحية تزوره بانتظام في معتقل “هداريم” الذي يقبع فيه، رغم مرضها وكبر سنها، إلى أن توفيت في مايو/أيار الماضي، أي قبل 8 أشهر من الإفراج عنه.

كريم يونس مناضل ورب عائلة

الأسير يونس واحد من 25 أسيراً فلسطينياً تواصل “إسرائيل” اعتقالهم منذ ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، إذ رفضت على مدى عقود الإفراج عنهم، رغم العديد من صفقات التبادل والإفراجات الجماعية التي كان آخرها في عام 2014، إذ كان من المقرر أن تفرج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى القدامى، إلا أنها تنكرت للاتفاق الذي تم في حينه في إطار مسار المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

وشارك على مدار 4 عقود في كل المعارك التي خاضتها الحركة الأسيرة، ومنها الإضراب عن الطعام الذي يعتبر أقسى هذه المعارك، وكان آخرها إضراب عام 2017 الذي استمر لمدة 42 يوماً.

اقرأ أيضاً: كريم يونس حراً بعد 40 عاماً من الأسر في سجون الاحتلال

ولتسليط الضوء على مضايقات الاحتلال لعائلة الأسير المحرر طوال سنوات مضت، أجرى “الميادين نت” مقابلة خاصة مع نديم، شقيق الأسير كريم يونس، الذي قال إن الشعب الفلسطيني ككلّ لم يسلم من الانتهاكات الإسرائيلية، ولكن التركيز الكبير كان عوائل المناضلين والأسرى والفدائيين أيضاً. لذا، من الطبيعي أن تتشدد سلطات الاحتلال الإسرائيلي معهم.

طوال هذه السنوات، كان الاحتلال يرد على الأصوات العربية والفلسطينية التي تطالب بإطلاق سراح كريم يونس بأن هذا الأمر شأن داخلي في “إسرائيل”، ولا شأن لأحد به. وفي هذا الصدد، قال شقيق الأسير إن “إسرائيل” ادعت أن “كريم وباقي أسرى الأراضي المحتلة عام 48 والقدس المحتلة، هم شأن داخلي فقط، للتمويه والهروب من الاتفاقيات والتنصل من مسؤولياتها تجاه الأسرى الفلسطينيين”، قائلاً إن الأسرى الفلسطينيين لا يحظون بأي امتياز، بل إن سلطات الاحتلال تمارس أشد مظاهر القسوة تجاهم”.

السنوات التي مضت لم تحمل معها سوى ذكريات الأسر بالنسبة إلى هذه الأسرة، إلا أن السنوات القليلة التي عاشها الأسير المحرر مع أسرته لم توثق بصورٍ تجمعهم. لذلك، مر 40 عاماً والذكريات والصور شحيحة وشبه معدومة، وخصوصاً أنه لم يكن هناك توثيق وتصوير مثل اليوم عن طريق الهواتف الذكية، ولكن صوره كانت محفورة بقلب كل فرد من العائلة، وخصوصاً والدته التي كانت تستذكر ملامحه المحفورة في ذاكرتها دائماً، وفقاً لشقيقه نديم.

كريم يونس كان الابن البكر لأسرته. ووفقاً لنديم، “أُسر كريم حين كان عمره 15 سنة. كان عندها رب العائلة، إذ كان يتولى مسؤوليات البيت بغياب الوالد لظروف عمله القاسية. وبعد سنوات الأسر، آن الأوان ليبدأ حياة جديدة وكريمة وبناء أسرته، إضافةً إلى ممارسة دوره السياسي على أكمل وجه”.

ويأمل شقيق الأسير أن “يتحرر كل الأسرى من السجون، وأن يعودوا إلى أحضان ذويهم، ويخرج المحتل من أرض فلسطين”، مضيفاً: “الكل الفلسطيني إلى جانب أسرانا الذين علمونا الصبر والثبات”.

والدة كريم يونس عاشت معاناته

ورغم مضايقات الاحتلال لعائلته ومنعها من زيارته لفترات طويلة، تمكنت والدته قبل وفاتها بفترة من زيارته. كانت تحصي الأيام انتظاراً لحريته، كما كانت دائمة الظهور في وسائل الإعلام للحديث عنه والمطالبة بالإفراج عنه. وقد روت رحلة انتظارها الطويلة، إذ عاشت 39 عاماً و4 أشهر تتنقل بين سجون الاحتلال لترى ابنها الأكبر، لكنها توفيت قبل 8 أشهر من الإفراج عنه.

وتعليقاً على معاناة الفقد هذه، قال شقيق الأسير: “الاحتلال لا يميز بين أم وأم. أم كريم قاربت 90 عاماً، وكانت تتنقل بين سجون الاحتلال من شمال فلسطين حتى أقصى الجنوب”، مضيفاً أنها “عانت على مدار 4 عقود وانتظرت، ولكن للأسف كانت حكمة ربنا. الموت لا ينتظر”.

“في المرة الأخيرة التي التقت خلالها والدتي كريم، ذهبت إليه رغم كبر سنها وتنقلها بكرسي متحرك”. هذا ما قاله نديم واصفاً حالة أمه التي “كانت تخضع للتفتيش عند زيارتها الأسير كريم كأي شخص عادي، فالاحتلال لا يحترم عمرها ولا أمراضها”.

“كانت تقاتل لتصلني إلى السجن. لم تكل رغم ما نثره المحتل من أشواكٍ في دربها”. وأكمل: “رغم الألم والفقدان، فإنني شعرت بسعادة وفخر عندما علمت أنَّ الحاجة لُفت بالعلم الفلسطيني الذي غُرز أيضاً على أرض مقبرة قرية عارة”. بهذه الكلمات، تحدث الأسير سابقاً عن والدته الحاجة المناضلة صبحية، خلال زيارة المحامية غيد قاسم في سجن “هداريم” بعد مصابه بفقدان والدته؛ أيقونة فلسطين في الصبر والنموذج الأسمى والأبهى لأمهات الأسرى والمرأة الفلسطينية المقاومة.

اليوم، وبعدما وصل الأسير كريم يونس إلى مقبرة بلدة عارة مرتدياً الكوفية الفلسطينية لزيارة قبر والديه، وفي مشهد مؤثر، احتضن قبرها وبكى أمامه بحرقة، ثم احتضن قبر والده الذي توفي قبل 10 سنوات، والذي حرم من لقائه لأكثر من 17 عاماً، وقال أمام المقبرة: “والدتي كانت سفيرة لكل أسرى الحرية. أمي تحمّلت فوق طاقتها، لكنها اختارت أن تراني من السماء بعد انتظار طويل.. أزور أمي في القبر وأنا على ثقة بأنها تراقبني من السماء”.

 الأسير المحرر كريم تقبّل هذا القدر، وعبر عنه بقوله: “آن لها أن تستريح. ليرحمها الرحمن”، وأضاف شقيقه: “أنا أتقبل وأقبل هذا القدر بعد كل هذا العناء وهذا الشقاء. الفرحة ناقصة بغيابها، والفرحة ناقصة بوجود 5000 أسير خلف القضبان، ولكننا جميعاً ندرك حال الشعب الفلسطيني، ونحن مستعدون لدفع ضريبة الاحتلال فداء الوطن”.

 

المصدر:الميادين

قد يعجبك ايضا