تَقاطعات بين “قائمة اليهود الأكثر تأثيرًا في العالم 2025” وشبكة نفوذ ابن سلمان
كشفت صحيفة “جيروزالِم بوست” الإسرائيلية عن قائمتها السنوية التي تضم اليهود الأكثر تأثيرًا في العالم لعام 2025، وهي قائمة تضم شخصيات اقتصادية وسياسية وتقنية ذات نفوذ عالمي.
والمثير في هذا العام أنّ عدداً من الأسماء المدرجة في القائمة ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بوليّ العهد محمد بن سلمان وحكومته، عبر مشاريع اقتصادية واستثمارية وشراكات ضخمة في مجالات التكنولوجيا والطاقة والذكاء الاصطناعي، بما يعكس تغلغلًا إسرائيليًّا متناميًا في بنية الاقتصاد السعودي الجديد الذي يقوده ابن سلمان ضمن “رؤية 2030”.
وقبل اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر 2023، كانت الرياض وتل أبيب على وشك إعلان اتفاق تطبيع كامل بوساطة أميركية. اللقاء السري الذي جمع نتنياهو وابن سلمان ووزير الخارجية الأميركي آنذاك مايك بومبيو في مدينة نيوم في نوفمبر 2020 لم يكن تفصيلاً عابرًا، بل خطوة تمهيدية لإعلان العلاقات العلنية بين الجانبين.
وبحسب مصادر إسرائيلية حينها، كان ابن سلمان مستعدًا للظهور بجانب نتنياهو أمام الكاميرات، لولا انفجار المواجهة في غزة التي أعادت ترتيب الحسابات.
ومع ذلك، لم تتوقف التشابكات الاقتصادية والتكنولوجية بين شخصيات نافذة قريبة من تل أبيب والدوائر المقربة من ابن سلمان.
من “صفقة القرن” إلى استثمارات الذكاء الاصطناعي
يبرز اسم آدم بوهلر، أحد الشخصيات في قائمة “جيروزالم بوست”، كمثال واضح على هذا الارتباط.
بوهلر، الذي عيّنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مبعوثًا لشؤون الرهائن الإسرائيليين خلال حرب غزة، كان في السابق رئيس “شركة تمويل التنمية الدولية الأميركية”، وعضواً في فريق جاريد كوشنر الذي قاد مفاوضات اتفاقيات أبراهام التطبيعية.
وقد رافق بوهلر كوشنر في زيارته الشهيرة إلى السعودية عام 2020، حيث تم فتح خطوط استثمار جديدة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في مشاريع اعتبرتها الإدارة الأميركية حينها “جسور سلام اقتصادي” مع إسرائيل.
ستيفن ميلر: كاتب خطاب ترامب في الرياض
من بين الأسماء المثيرة كذلك، ستيفن ميلر، المستشار السياسي البارز في إدارة ترامب، ومهندس قرار حظر السفر على مواطني ست دول مسلمة. ميلر هو أيضاً كاتب الخطاب الشهير الذي ألقاه ترامب في الرياض عام 2017 حول “مكافحة التطرف الإسلامي”.
بحسب تقارير أميركية، حرص ابن سلمان خلال تلك الزيارة على مصافحة ميلر والترحيب به شخصياً، في لفتة فسّرها مراقبون بأنها تقدير للدور الذي لعبه في صياغة خطاب “الشراكة الجديدة” بين واشنطن والرياض وتل أبيب.
رجال الأعمال والتكنولوجيا: من وادي السيليكون إلى الرياض
في المجال الاقتصادي والتكنولوجي، تظهر الأسماء الكبرى في القائمة ضمن خريطة الاستثمار السعودية الجديدة.
فـ سيرجي برين، المؤسس المشارك لشركة “جوجل”، التقى ابن سلمان عام 2018 في ختام جولته بوادي السيليكون، لتبدأ بعدها سلسلة تعاونات بين “جوجل كلاود” وصندوق الاستثمارات العامة السعودي. آخرها كان مشروع بناء مركز متطور للذكاء الاصطناعي في السعودية باستثمار مشترك قيمته 10 مليارات دولار.
أما مايكل ديل، مؤسس شركة “ديل تكنولوجيز”، فقد عزز وجود شركته في المملكة عبر مركز خدمات لوجستية في الدمام، وشارك في مؤتمرات “مبادرة مستقبل الاستثمار” التي يستضيفها ابن سلمان سنويًا، حيث تُعرض مشاريع ضخمة تحت شعار “التحول الرقمي السعودي”.
ويأتي مارك بينيوف، الرئيس التنفيذي لشركة “سيلز فورس”، في السياق ذاته؛ إذ أعلنت شركته عن افتتاح مقرٍّ إقليمي جديد في الرياض وتعاون مع “IBM” لإنشاء مركز للتميز في تقنيات الذكاء الاصطناعي في العاصمة السعودية.
أكمان وإليسون وبلومبرغ: المال والإعلام والسحابة
من بين الأسماء المثيرة أيضًا بيل أكمان، الملياردير الأميركي اليهودي ومؤسس شركة “بيرشينغ سكوير”، الذي كثّف دعمه للأسواق الإسرائيلية خلال حرب غزة عبر استثمارات مباشرة، ومع ذلك تلقى دعوة رسمية من السلطات السعودية للمشاركة في “مبادرة مستقبل الاستثمار” المقررة نهاية أكتوبر الجاري.
كما يظهر لاري إليسون، مؤسس شركة “أوراكل”، في صدارة القائمة، بشراكة استراتيجية مع الحكومة السعودية.
وقد دشنت أوراكل منطقتها السحابية الأولى في جدة عام 2020 والثانية في الرياض عام 2024، باستثمار إجمالي يتجاوز 1.5 مليار دولار، وتستعد لإنشاء منطقة ثالثة في مشروع نيوم.
ورغم نشاطه التجاري، يُتهم إليسون بدعم جهود الحد من المحتوى الرقمي المناصر لفلسطين عبر استحواذه الجزئي على “تيك توك” الأميركي.
أما مايكل بلومبرغ، مؤسس “بلومبرغ إل بي”، فقد نسج علاقات وثيقة مع السعودية من خلال اتفاقية شراكة طويلة الأمد مع المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) لإطلاق منصة “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ”.
وتشير تقارير إلى أن لقاءً وديًا جمع بلومبرغ بابن سلمان عام 2018 في أحد مقاهي نيويورك، أعقبه إطلاق برنامج تدريب إعلامي مشترك بين “بلومبرغ” و”مؤسسة مسك”.
من نيومان إلى زوكربيرغ: الحضور الإسرائيلي في الرياض
الاسم الأكثر وضوحًا في سياق الارتباط الإسرائيلي هو آدم نيومان، رجل الأعمال الإسرائيلي ومؤسس شركة “وي وورك”. نيومان يمتلك اليوم سلسلة مساكن “فلو” في الرياض، ويُوصف بأنه “مقيم دائم بين تل أبيب والرياض”.
وفي الجانب التقني، برز كل من سام ألتمان (الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن أي آي”) ومارك زوكربيرغ (الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”) في مشاريع الذكاء الاصطناعي التي تستضيفها السعودية عبر شراكات مع شركتي “هيومين” و”جروك”، في إشارة إلى أن المملكة أصبحت حاضنة رئيسية للنماذج الغربية المتقدمة في الحوسبة والذكاء الصناعي.
وتعكس هذه الشبكة من العلاقات بين ابن سلمان وأسماء يهودية بارزة في مجالات المال والتقنية والإعلام تحول السعودية إلى محور نفوذ اقتصادي مرتبط مباشرة بالدوائر الأميركية – الإسرائيلية.
فبينما تحاول المملكة تقديم نفسها كقوة إقليمية عصرية، فإن خارطة شركائها تكشف أن الاقتصاد السعودي الجديد يتشكل تحت مظلة “رؤية 2030” التي تلتقي مصالحها مع النخب اليهودية – الأميركية في التكنولوجيا والاستثمار والإعلام.
وبذلك، فإن قائمة “جيروزالم بوست” ليست مجرد تصنيف رمزي، بل مرآة دقيقة لتشابك المصالح بين الرياض وتل أبيب عبر شخصيات تحمل التأثير الحقيقي في رسم مسار الاقتصاد العالمي – ومسار التطبيع المؤجل حتى إشعار آخر.
المصدر ـ ويكليكس السعودية