سقوط الهدنة وبيان المهلة للوسطاء

إبراهيم محمد الهمداني

سقطت الهدنة في غزة، وماتت قبل أن ترى النور، لأن اعتداءات المجرم الصهيوني، لم تتوقف ساعة واحدة، منذ إعلان اتفاق الهدنة، ولم يف بأيٍّ من التزاماته، بالإضافة إلى رفضه الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتعمده المراوغة والتهرب، والعودة بالمفاوضات ومكتسباتها إلى المربع صفر، في ظل ممارساته لأبشع الجرائم، وعمليات الإبادة الجماعية الشاملة، وتطبيق خطة الجنرالات والتهجير القسري، ومحو كل أسباب الحياة في كامل القطاع، في الوقت الذي التزمت فصائل الجهاد والمقاومة في غزة، بكل ما عليها من واجبات والتزامات، ومضت في تنفيذ خطوات الهدنة، بكل عزة وكرامة وشموخ وعنفوان، وكانت مشاهد تبادل الأسرى، أقل مظاهر الانتصار الغزاوي العظيم، الأمر الذي أثار جنون المحتل الإسرائيلي، ليصعِّد في عدوانه الإجرامي، ويعلن إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، التي هي قليلة في الأصل، خلافا لما تم الاتفاق عليه.

ربما رأى مجرم الحرب “نتنياهو” في الهدنة، فسحة زمانية ومكانية، يستطيع من خلالها، تنفيذ عمليات الإبادة والإجرام والتدمير الشامل، في ظل تقييد مجاهدي حماس بالهدنة، وعزل محور إسناد غزة عنها، واللعب بورقة الوساطة كالعصا والجزرة، وهنا تظهر حكمة الموقف اليمني، المراقب لالتزام العدو بتنفيذ الهدنة، ليأتي بيان سيد القول والفعل، مجسدا الحكمة وفصل الخطاب، حيث أعلن عن مهلة 4 أيام للوسطاء، للضغط على العدو الإسرائيلي، للعودة إلى تنفيذ بنود الهدنة.

ولكن:- لماذا المهلة للوسطاء، ماذا بأيديهم لكي يضغطوا على الكيان المحتل؟، وهل هم في موقع يؤهلهم لذلك، وماذا إن فشلوا في ذلك؟، وهل يؤمل منهم دور وساطة مستقبلي بعد فشلهم السالف؟؛ وقبل الإجابة على تلك التساؤلات وغيرها، لا بد من الإجابة على سؤال أكثر أهمية، وهو من هم الوسطاء؟!؛ ليس جهلاً بأسمائهم، وإنما محاولة لمعرفتهم، من خلال حضورهم السياسي وثقلهم الإقليمي، وجديتهم في أداء دور الوساطة، ومدى التزامهم بما يقتضيه دور الوسيط، من تحري الحياد التام، وطبيعة علاقتهم القبلية “قبل الوساطة” بالطرفين، وما طبيعة علاقتهم التاريخية بالطرفين، وما هي الضمانات الممنوحة لهم، والأخرى المطلوبة منهم، بما يكفل إنجاح دورهم كوسطاء وضمناء، ويفضي إلى الخروج بحل حقيقي قابل للتنفيذ؟، وهل هم فعلا في موقف وسطي، أو متوسط بين فلسطين وإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالخلفية الدينية للصراع؟.

أسفر العدوان الإسرائيلي الإمبريالي على غزة، عن العديد من المفارقات المتناقضة الصادمة، لعل أقساها وأخزاها وأغباها، الاستمرار في تأليه الولايات المتحدة الأمريكية، والتعويل على عدلها ورحمتها وإنسانيتها المزعومة، والاحتكام لقوانينها رجاء إنصافها، خاصة بعد إعلانها انحيازها الكامل، وشراكتها المطلقة للعدو الإسرائيلي، في كل مجازره وحرب الإبادة الشاملة، بحق المدنيين الأبرياء العزل، من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، في قطاع غزة، ولم تكن إدارة ترامب، أقل إجراما وتوحشا وصهيونية، من إدارة بايدن المجرم، فكلاهما جاهر بشراكة أمريكا الفعلية، في جرائم الكيان الغاصب، دون أدنى حرج من شعاراتها الإنسانية، وقيم ريادتها الحضارية، ودون أدنى خوف من ردة الفعل العربية والإسلامية الافتراضية، حتى أنه يمكن القول، إن سقوط قناع الحقوق والحريات، وظهور وجه أمريكا الحقيقي، بكل قبحه وصلفه وتسلطه وتوحشه، لم يكن من قبيل المصادفة، أو ردة الفعل المتهورة، وإنما كان فعل العمد الكامل، والموقف المدروس مسبقا، ليس على مستوى أمريكا فقط، بل على مستوى معظم أنظمة الحكم في أوروبا، وهو ما كشف حقيقة الوجه الغربي الإمبريالي، الذي طالما تقنع بمزاعم حماية الحقوق والحريات، وزيف ريادة الحضارة الإنسانية، ورغم ذلك السقوط المدوي، في مستنقع إعلان موقف العداء المطلق للإسلام والمسلمين، وإعلان الشراكة الفعلية في حرب الإبادة الشاملة، على المستضعفين من أبناء قطاع غزة، إلا أن هناك من سمَّى أمريكا وسيطا، وطلب تدخلها لصياغة حل سياسي، يوقف أو ينهي حمامات الدم ومجازر الإبادة، التي أعلنت أمريكا – سلفا – شراكتها الفعلية فيها، ودعمها المطلق وتأييدها الكامل للجزار المجرم الصهيوني؛ إذن على أي أساس أصبح القاتل وسيطا؟، هل أعلنت أمريكا – في وقت لاحق – تراجعها عن موقفها المعلن، بشأن شراكتها لجرائم الكيان الإسرائيلي الغاصب، هل صدر عنها ما يبرر انتقالها الفج، من دور العداوة والتعصب المطلق، إلى دور الوسيط المحايد النزيه، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فما جدوى تحكيم العدو المجرم، على رقاب وأرواح الضحايا، وهل يرتجى منه إنصاف أو يتوقع منه عدل؟!.

قد يعجبك ايضا