شعر شيخ البطحاء النصير الأول للرسول والرسالة

   شعر شيخ البطحاء النصير الأول للرسول والرسالة

 

تراثنا الأدبي حافل بأولئك العظماء من الشعراء، وفي مقدمتهم أبو طالب بن عبد المطلب (85- 3 ق.هـ)، (540- 620م) عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عاش في الجاهلية لكن على دين آبائه عاش بروح الدين الحنيف نابذاً العادات والتقاليد الجاهلية  الذميمة، مهتدياً بروح التوحيد، آمن بالله وبكتبه وبرسله وملائكته واليوم الآخر، وعندما بزغ فجر الإسلام كان أول من ناصر الدعوة المحمدية، وذاد عنها، وحمى صاحبها، ودافع عنه، وصدع صوته شعراً ايمانياً صادقاً خالداً من خلال إيمانه المبكر بنبوة ابن أخيه نور الهدى، فقد أعزَّ الله الإسلام بأبي طالب أشرف رجال قريش وحاكم مكة ورئيسها وشيخ بطحائها.

    لازم أبو طالب ابن أخيه مؤيداً وناصراً ومسانداً ومؤازراً ومدافعاً عنه أذى مشركي قريش، في الوقت الذي تعد هذه الحقبة الزمنية من أقدس حقب الأدب الاسلامي في نفوس المسلمين؛ لأنها تمثل مرحلة الوحي، ونشر الدعوة الإسلامية، ومن المعروف أن الظواهر الادبية لا تتبلور وتكتمل في مرحلة الانتقال من حقبة إلى أخرى مباشرة، ومن المسلم به أن شعراء مكة لم يتباروا في الدخول في زمام معركة شعرية حقيقية وقتذاك فقد شٌدت أنظارهم إلى القرآن مندهشين بأسلوبه وبلاغته وما تضمنه من تعاليم وأحكام , ولذلك قلّ إنتاجهم الشعري في تلك المرحلة ومن ذلك القليل شعر أبي طالب رضي الله عنه.

المكانة الإيمانية لأبي طالب

كل مواقفه وشعره تدل على إيمانه العميق بهذا النبي وبدعوته والدلائل من المقربين على ذلك كثيرة منها قول ابنه الإمام علي(ع): «كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطّلب مؤمناً مسلماً، يكتم إيمانه مخافةً على بني هاشم أن تنابذها قريش».

يقول أبوطالب :

واللهِ لن يَصلوا إليكَ بجمعِهمْ               حتى أُوَسَّدَ في الترابِ دَفينا

فاصدَعْ بأمرِك ما عليكَ غَضاضةٌ         وابشِرْ بذاكَ، وقرَّ منهُ عُيونا

ودَعَوْتَني، وزَعمتَ أنك ناصحٌ            ولقد صدقْتَ، وكنتَ ثَمَّ أَمينا

وعَرضْتَ دِيناً قد علمتُ بأنَّهُ               مِن خيرِ أديانِ البريَّةِ دِينا

لولا المَلامةُ أو حِذاري سُبَّةً                 لوجَدْتني سَمحاً بذاك مُبِينا

البعض شكك في البيت الأخير. ولكن حتى لو افترضنا أنه لأبي طالب، فهو اعتذار عن عدم التصريح بها في قوله (مبينا) أي أنني كنت صرحت بذلك الإيمان لولا حذارى سبة.

  وقضية إسلامه لا يشك فيها من قرأ حياته بإنصاف, بل لن يعجب أحد من  رجل قام بذلك الدور المفصلي الحاسم في تلك الفترة الأولى العصيبة، يقول الصادق(ع):((إن أبا طالب من رفقاء النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً))

ويقول: ((والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان، وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان، لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم)).

     نماذج من شعر شيخ البطحاء

حب النبي (ص) وحمايته:

    من شعره لما أجدبت مكة وحلّ بها القحط   قام أهل مكة إلى شيخ البطحاء فقالوا : يا أبا طالب قد أقحط الواد ، وأجدبت العباد ، فقم واستسق لنا ، فقال : رويدكم دلوك الشمس ، وهبوط الريح ، فلما زاغت الشمس ، أو كادت ، وإذا أبو طالب قد خرج وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب، وفي وسطهم غلام يافع كأنه شمس ضحى تجلت عن غمامة قتماء ، فجاء حتى أسند ظهره إلى الكعبة ، فاستجار بها ولاذ بإصبعه ، وبصبص الأغيلمة حوله ، وما في السماء قزعة ، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا حتى لتَّ ولفَّ ، وأسحم ، وأقتم ، وأرعد ، وأودق ، وانفجر به الوادي ، وافعوعم ( ونزل الغيث كأفواه القرب ) ، وبذلك قال أبو طالب شعراً يمدح به النبي ( صلى الله عليه وآله)  وهي لاميته المشهورة وصفها ابن كثير بأنها أفحل من المعلقات السبع ولا يمكن أن تكون إلا لأبي طالب زمنها  :

وأبيض يُستسقَى الغمامُ بوجهه      ثمال  اليتامى عصمة للأرامل

تطوف به الهلاك من آل هاشم      فـهم  عنده في نعمة وفواضل

بميزان صدق لا يخس شعيرة      ووزان حـق وزنه غير عائل

    وقـفنا لـهم حـتى تـبدد جمعهم      وحـسر  عـنا كـل باغ وجاهل

ومنها:

لـعمري لقد كلفت وجداً بأحمد      وأحببته حب الحبيب المواصل

وجـدت بـنفسي دونه وحميته      ودافعت  عنه بالذرى والكلاكل

فما زال في الدنيا جمالاً لأهلها      وشيناً لمن عادى وزين المحافل

حليماً رشيداً حازماً غير طائش      يـوالي  إله الخلق ليس بماحل

فـأيـده رب الـعباد بـنصره           وأظـهر ديـناً حقه غير باطل

ومن أشعاره الدالة على إيمانه وحثه أخاه حمزة لما أعلن إسلامه أمام طغاة قريش على مؤازرة ابن أخيه :

فـصبرا أبـا يـعلى عـلى دين أحمد        وكـن مـظهراً لـلدين وفـقت صابرا

نـبي  أتـى بـالدين مـن عـند ربه           بـصدق  وحـق لا تـكن حمزُ كافرا

فـقد  سـرني إذ قـلت ” لبيك ” مؤمنا      فـكن  لـرسول الله فـي الدين ناصرا

ونــاد قـريـشاً بـالذي قـد أتـيته             جهاراً وقل : ما كان أحـمد ساحرا 

 شعره في مقاطعة قريش لبني هاشم:

ولما علم أبو طالب بصحيفة المقاطعة ، قام إليهم يحذرهم الحرب ، وقطيعة الرحم، وينهاهم عن اتباع السفهاء ، ويعلمهم استمراره على مؤازرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكل ما يستطيع من قوة ويذكرهم فضله وشرفه ، ويضرب لهم المثل بناقة صالح ، ويذكرهم بإلغاء أمر الصحيفة ، بقوله :

ألا أبـلغا عـني عـلى ذات بينها      لـؤياً  وخـصا من لؤي بني كعب

ألـم  تـعلموا أنـا وجـدنا محمداً      نـبياً كـموسى خط في أول الكتب

وأن عـلـيه فـي الـعباد مـحبةً      ولا  حـيف فيمن خصه الله بالحب

وأن الــذي لـفقتم فـي كـتابكم      يـكون لـكم يـوماً كراغبة السقب

أفـيقوا  أفيقوا قبل أن يحفر الزبى      ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب

ولا  تـتبعوا أمـر الغواة وتقطعوا      أواصـرنا  بـعد الـمودة والقرب

وكان أبو طالب كثيراً ما يخاف على النبي ( صلى الله عليه وآله ) البيات في مكان معين ، فإذا أخذ الناس مضاجعهم ، واضطجع النبي ( صلى الله عليه وآله ) على فراشه ، ورآه جميع من في الشعب ، ونام الناس جاء وأقامه ، وأضجع ابنه علياً مكانه ، وقاية له ، فقال له علي (ع) ليلة: «يا أبتاه إنّي مقتول»، فيجيبه أبو طالب بأبيات منها :

اصبرن يا بني فالصبر أحجى        كـل حـي مـصيره لشعوب

قـد بـذلناك  والـبلاء  شـديد           لـفداء الـحبيب وابن الحبيب

لفداء الأعز ذي الحسب الثاقب      والـباع ، والـكريم الـنجيب

إلى آخر أبياته . . .

فيجيبه ابنه علي ( عليه السلام ):

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد      ووالله  ما قلت الذي قلت جازعا

ولـكنني أحببت أن تر نصرتي       وتـعلم  أنـي لم أزل لك طائعا

وسعيي لوجه الله في نصر أحمد      نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا

ولكنهم أصروا على المقاطعة رغم ما رأوه من الآيات في شأن الصحيفة، فقال:

وقد كانَ في أمرِ الصحيفةِ عِبرةٌ        متى ما يُخَبَّرُ غائبُ القومِ يَعجَبِ

مَحا الله منها كُفرَهُمْ وعُقُوقَهُمْ           وما نَقِموا من باطِلِ الحَقِّ مُعْرَبِ

وأمسى ابْنُ عبدِ اللهِ فينا مُصَدَّقاً         على سَخَطٍ مِنْ قَومِنا غيرِ مُعتَبِ

ونظم أبو طالب أبياتاً يطري فيها ابن أخيه وصدقه منذ طفولته ويؤكد انتصاره له فقال:

أنتَ النبيُّ محمّدُ               قَرْمٌ أغَرٌّ مُسَوّدُ

أنّى تُضامُ ولَمْ أَمُتْ           وأنا الشجاعُ العَربَدُ

وبنو أبيكَ  كأنَّهُمْ               أُسْدُ العَرينِ توقَّدوا

ولقد عَهِدتُكَ صادِقاً           في القولِ لا تَتَزَيَّدُ

ما زِلْتَ تنطِقُ بالصَّوا       بِ وأنتَ طِفـلٌ أمـرَدُ

وصيته :

ولما حضرت أبا طالب الوفاة ، دعا أولاده وإخوته وأحلافه وعشيرته ، وأكد عليهم في وصيته نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومؤازرته ، وبذل النفوس دون مهجته ، وعرفهم ما لهم في ذلك من الشرف العاجل والثواب الآجل ، وأنشأ يقول :

أوصـي بنصر نبي الخير أربعة      ابـني  عـلياً وشيخ القوم عباسا

وحـمزة  الأسـد الحامي حقيقته      وجـعفراً  أن تذودوا دونه الناسا

كـونوا  فدى لكم أمي وما ولدت      في نصر أحمد دون الناس أتراسا

 

قد يعجبك ايضا