صحيفة “التيليغراف” البريطانية: إنفاق السعودية التريليوني يتحول إلى خيبة أمل

في تغطيتها لمنتدى مبادرة مستقبل الاستثمار في “السعودية”، اعتبرت صحيفة “التيليغراف” البريطانية أن ما وصفته بـ “التجمع الرفيع” الذي يضم الحكّام وكبار التنفيذيين والمعروف بلقب “دافوس الصحراء”، حلّ فيه الذكاء الاصطناعي محلّ الثروة النفطية في واجهة النقاش.

وذكرت الصحيفة أن شركة هيومن (Humain)، وهي شركة ذكاء اصطناعي مدعومة من الدولة ويرأس مجلس إدارتها محمد بن سلمان، وقّعت سلسلة من الاتفاقيات لعرض طموحاتها، شملت شراكة مع شركة أرامكو السعودية العملاقة، واتفاقًا بقيمة 3 مليارات دولار مع شركة الاستثمار الأمريكية بلاكستون (Blackstone).

ويأمل بن سلمان، الحاكم الفعلي “للسعودية”، أن تحوّل “هيومن” السعودية إلى لاعب رئيسي في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال توظيف مساحاتها الشاسعة ومواردها الهائلة من الطاقة لبناء مراكز بيانات، في مسعى لانتقال الرياض بعيدًا عن اعتمادها التاريخي على الوقود الأحفوري.

لكن، وفقا للصحيفة، إن هذا التوجه الجديد نحو التكنولوجيا بدأ يثير علامات استفهام، في ظل تجارب “السعودية” السابقة المتعثرة في الاستثمار في القطاع التقني. أشار التقرير إلى تحول “السعودية”، خلال العقد الماضي، كواحدة من أكبر المستثمرين في وادي السيليكون، عبر تمويل مشاريع في السيارات الكهربائية والواقع المعزز والصحة الرقمية — لكن بنتائج متباينة.

فبعد فترة وجيزة من توليه ولاية العهد، زار بن سلمان وادي السيليكون، حيث التقى مؤسسي “غوغل” لاري بيدج وسيرغي برين، ورائد رأس المال المخاطر بيتر ثيل. كما ضخّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) نحو 45 مليار دولار في صندوق رؤية سوفت بنك (SoftBank Vision Fund) — أكبر صندوق استثمار تكنولوجي في العالم — ليصبح الممول الأكبر له، إلى جانب شرائه حصصًا في شركات مثل نينتندو (Nintendo). وتؤكد الصحيفة على أن كثيرًا من تلك الرهانات الطموحة لم تؤتِ ثمارها — وبعضها تحول إلى خسائر فادحة.

من بين أبرز الإخفاقات شركة “ماجيك ليب” (Magic Leap)، التي تطور نظارات الواقع المعزز منذ 15 عامًا، وقد ضخ فيها الصندوق مليار دولار دون أن تحقق أرباحًا. كما يمتلك الصندوق غالبية أسهم شركة السيارات الكهربائية الأمريكية لوسيد (Lucid) بعد استثمار تجاوز 5 مليارات دولار — إلا أن الشركة لم تحقق أرباحًا بعد، وسعر سهمها في أدنى مستوياته التاريخية.

في المقابل، كان الصندوق قد باع تقريبًا كل أسهمه في شركة “تسلا” عام 2019، حين كانت قيمتها السوقية تعادل خمس قيمتها الحالية. وكان الصندوق أيضًا من كبار المستثمرين في شركة التقنية الصحية البريطانية بابيلون (Babylon)، التي بلغت قيمتها ذات مرة 4 مليارات دولار قبل أن تنهار عام 2023. أما صندوق رؤية سوفت بنك فقد تكبّد سلسلة من الرهانات الفاشلة، أبرزها على شركة WeWork لتأجير المكاتب، رغم أنه عاد إلى الربحية لاحقًا بفضل استثمارات أخرى.

لم تكن التكنولوجيا وحدها التي استنزفت الأموال النفطية؛ إذ تكبّدت “السعودية” أيضًا تكاليف ضخمة في الرياضة — مثل دوري LIV Golf ومسابقة الدوري السعودي لكرة القدم — وكذلك في مشاريعها العملاقة (Gigaprojects).

 تشمل قائمة هذه المشاريع:

  • منتجع ضخم على البحر الأحمر
  • مدينة القدية الترفيهية الجديدة
  • والأشهر من بينها نيوم (NEOM)، المدينة المستقبلية الممتدة نحو الأردن ومصر، التي قفزت تكلفتها التقديرية من 500 مليار دولار إلى 8.8 تريليون دولار وفقًا لتقارير حديثة.

الضغوط الاقتصادية وفقا للصحيفة البريطانية، فقد أثارت حالة الاقتصاد السعودي تساؤلات حول مدى قدرة الرياض على مواصلة هذا الإنفاق الهائل. فمع تراجع الطلب العالمي على النفط، تكافح الرياض للحفاظ على نمو اقتصادي قوي وضبط ميزانيتها العامة. قبل عامين فقط، كان الاقتصاد السعودي ينمو بمعدل يقارب 10% مع فائض في الميزانية.

لكن تباطؤ الاقتصاد العالمي والانتقال إلى السيارات الكهربائية قلّص الطلب على النفط، ما أجبر الرياض وحكومات أوبك الأخرى على خفض الإنتاج لدعم الأسعار. ورغم أن “السعودية” رفعت إنتاجها النفطي مؤخرًا، إلا أن إيرادات النفط لعام 2025 أقل بنحو 25% من العام السابق، ما يضع الرياض على مسار عجز في الميزانية يتجاوز 5% من الناتج المحلي الإجمالي — أي أكثر من ضعف التقديرات السابقة، بحسب “تيليغراف”.

ورغم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي إلى 5% في الربع الثالث بفضل زيادة تدفق النفط، فإن الاقتصاد غير النفطي ما زال بطيئًا. الفائدة المرتفعة وارتفاع أسعار العقارات — نتيجة نجاح الحكومة في تحفيز الطلب العقاري — كبّلا الإقراض والاستهلاك، بينما تراجع ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوى خلال عامين.

ومع دخول الميزانية في المنطقة الحمراء، لم يعد بإمكان النظام السعودي مواصلة ضخ الأموال العامة لإنعاش الاقتصاد.

وقد تراجع الإنفاق الرأسمالي الحكومي بنسبة 40% هذا العام، ما دفع الرياض إلى البحث عن مستثمرين أجانب وصندوق الاستثمارات العامة لسد الفجوة. وبالحديث عن الأخير، ذكّرت الصحيفة باقتراض “السعودية” عشرات المليارات من الدولارات هذا العام، بينما يسعى صندوق الاستثمارات العامة لتخصيص نحو 80% من رأسماله للمشاريع المحلية. لكن الصندوق نفسه يعاني من الضغوط؛ إذ كشف مؤخرًا أن صافي أرباحه انخفض إلى النصف العام الماضي، وخفّض قيمة بعض مشاريعه الكبرى بنحو 8 مليارات دولار.

وأدى ذلك إلى توقعات واسعة بأن الاستراتيجية الاستثمارية الجديدة للصندوق، المنتظر إعلانها خلال الأسابيع المقبلة، ستتضمن تراجعًا عن المشاريع العملاقة. وقال وزير الاستثمار خالد الفالح هذا الأسبوع إن القطاع الخاص يجب أن «يدخل الآن ويبدأ الاستثمار» في هذه المشاريع.

وتخطط الحكومة لفتح الباب على مصراعيه أمام المستثمرين الأجانب، برفع سقف ملكيتهم للأسهم السعودية فوق 49%، كما خففت القيود على تملك العقارات للأجانب.

وأشار الفالح إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفع العام الماضي بنسبة 24% ليصل إلى نحو 32 مليار دولار، معظمها في الاقتصاد غير النفطي. ورغم تزايد تركيز الصندوق على الداخل، لا يزال تحت ضغط للإنفاق الخارجي. باعتباره أكبر مستثمر في صفقة شراء شركة ألعاب الفيديو العملاقة EA، التي جرى التفاوض عليها مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث تعهد “السعوديون” بضخ 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة. ونقلت الصحيفة عن روبرت موجيلنيكي من معهد دول الخليج العربي في واشنطن قوله: ” رأينا تركيزًا متزايدًا على الاستثمارات المحلية في السنوات الأخيرة، لكن المستثمرين السعوديين يدركون أن الأسواق العالمية الرئيسية ضرورية لتحقيق العوائد… إنها مسؤولية ضخمة لإدارتها.”

قد يعجبك ايضا