صنعاء ترفض مقايضة السلام بالطعام؟!

 

مع تعثر المفاوضات الغير مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية لوقف العدوان على اليمن ورفع الحصار نتيجة محاولة الأخيرة فرض شروط مذلة على اليمن وابقاءه رهن التهديد باندلاع الحرب مجدداً وبقاء عناصر الفوضى والاقتتال قائمة، واستغلال أزمته الإنسانية المتفاقمة ومقايضتها مقابل وقف اطلاق النار.

وفي الضفة الأخرى لم يعد الوقت متاحا للاستمرار بالحرب إلى ما لا نهاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ، مؤشرات فشل الحرب العسكرية باتت واضحة وحلفاء واشنطن يخسرون يوميا مزيدا من الأراضي في اليمن ، كما ان تطور قدرات صنعاء العسكرية تنامت بشكل شكل خطر فعليا على أهم حليف لواشنطن وهي “إسرائيل” التي باتت مؤخرا تحت مرمى النيران اليمنية.

حاول المبعوث الأمريكي تعديل خطته أكثر من مرة لكن التعديلات الأمريكية على مبادرتها لم ترقى إلى الاستجابة لمتطلبات صنعاء الأساسية وفي مقدمها فصل الملفين السياسي والعسكري عن الإنساني، باعتبار فتح الموانىء ومطار صنعاء وتدفق السلع الأساسية والوقود والأدوية دون عوائق حق مكفول قانونا وانسانيا للشعب اليمني ، بينما تبقي واشنطن على ربط الملفين معا وتبقي الحصار سيفا مصلتا على رقاب اليمنيين.

بحسب مسؤولين في صنعاء فإن الميدان العسكري تجاوز الخطة الأمريكية، وطرحها من قبل واشنطن باستمرار يشير إلى أنها تنوي تدشين حرب جديدة على الشعب اليمني ليس بالضرورة عسكرية وانما اقتصادية الورقة الأبرز التي لاتزال في يد أمريكا وحلفائها.

منذ فبراير 2020م تحول تحالف السعودية بريطانيا أمريكا إسرائيل الإمارات إلى وضع الدفاع بعد هجوم خاطف أسفر عن تأمين العاصمة صنعاء وانتهى عقب شهر واحد إلى تهديد معقل التحالف الأساسي في شمال شرق اليمن ، ومنذ ذلك الحين اتخذ التحالف موضع الدفاع عن معقله وأسفرت كل محاولاته العسكرية اخرها في مديرية الزاهر بالبيضاء عن خسارة مزيد من الأراضي وخسارة العشرات من عملائه قتلى وجرحى وأسرى ضاقت بهم سجون صنعاء وفق مسؤول في لجنة الأسرى اليمنية يقول إن التحالف لم يعد يأبه لكثرة عدد اسراه بملف الأسرى ولكونهم يمنيين ثانياً.

وحدها الورقة الإقتصادية التي لا تزال تبقي صنعاء في موقع الدفاع نتيجة هيمنة الولايات المتحدة دوليا وتحكمها بالاقتصاد العالمي وفرض الحصار البحري على اليمن بالتعارض مع كل المواثيق اليمنية.

الحرب الاقتصادية على اليمن بدأت بعد عام ونصف من العدوان على اليمن ، ويورد عضو في فريق صنعاء التفاوضي في مفاوضات الكويت 2016م بأن السفير الأمريكي آنذاك هدد وفد صنعاء بنقل البنك المركزي إلى عدن وهو ما تم لاحقا في سبتمبر من العام 2016م وطباعة الريال اليمني بحيث تصبح قيمته لا تساوي الورق الذي يطبع عليه ، وهو ما دأبت عليه حكومة المرتزقة حيث جرى طباعة تريليونات الريالات دون غطاء أو حاجة سوقية ما جعل التضخم يبلغ مستوى قياسي لن تعرفه اليمن في تاريخها ، وانهار الريال اليمني مقابل الدولار الى أكثر من ألف ريال للدولار الواحد في المناطق المحتلة و600 ريال في المناطق الحرة المسيطر عليها من قبل المجلس السياسي الأعلى.

عملت الولايات المتحدة الأمريكية ضمن حربها الاقتصادية على تجفيف نحو 97 % من موارد الدولة اليمنية أما بالسيطرة عليها عسكرياً كمنابع النفط والغاز ، أو تجميد الأرصدة اليمنية الخارجية وتحويلها لصالح المرتزقة وتمويل عمليات التحالف ، أو بالحصار على ميناء الحديدة الحيوي وأهم ميناء بعد عدن لايزال بقبضة صنعاء وخارجا عن سيطرة التحالف.

هذه الاجراءات بالإضافة إلى قطع رواتب موظفي الدولة منذ ما يزيد عن 5 سنوات أسفرت جميعها عن تعميق الأزمة الإنسانية في المناطق الحرة ، وجعل الحكومة في صنعاء تواجه صعوبات جمة في توفير حتى نصف راتب كل شهرين كما كانت وعدت في وقت سابق.

منذ العام 2020م منعت الولايات المتحدة دخول سفن الوقود كعقاب لصنعاء على قيامها بصرف نصف راتب لموظفي الدولة، ومع ان الصرف كان متطابقا مع اتفاق السويد الذي ابرم نهاية العام 2018م  إلا ان الولايات المتحدة كانت تريد ايرادات ميناء الحديدة ان تبقى مجمدة ولاتستفيد منها صنعاء في تخفيف الأزمة الإنسانية في مناطق سيطرتها.

مثل قطع الرواتب ونقل عمليات البنك المركزي إلى عدن أحد أهم أركان الحرب الاقتصادية على صنعاء ، وأهم الصعوبات التي وضعت في طريق الحكومة في صنعاء ، ومع انها نجحت في الحد من آثار نقل عمليات البنك المركزي إلى عدن ونظام التحويلات سويفت وطباعة العملة المتكرر ، الا ان الرواتب ظلت العقبة الأبرز في ظل شحة الموارد.

قبل أيام رمت واشنطن بورقة ضغط اقتصادية جديدة في وجه صنعاء وقررت عبر حكومة العملاء رفع سعر الدولار الجمركي عبر ميناء عدن ، ما يعني حكما ارتفاع في اسعار المواد المستوردة ، وبالتالي تضاعف الاعباء الاقتصادية على الشعب اليمني وفي ضل استمرار انقطاع الرواتب وشحة موارد الدولة والحصار على الموانئ وسفن الوقود.

وبعد أقل من أسبوع على إقرار هذا القرار الكارثي من قبل حكومة العملاء ، ضغطت واشنطن لمنح فرع عدن قرضا بقيمة 664 مليون دولار تقريبا من صندوق النقد الدولي بالمخالفة حتى لمعايير الاقراض من قبل الصندوق والذي يقضي بعدم منح قروض لدول في ظل وضع الحرب والصراع.

وفي ذلك دلالتان الأولى أن الحرب الاقتصادية أضحت سلاح واشنطن الوحيد للضغط على حكومة صنعاء واجبارها على الرضوخ لاشتراطاتها لوقف اطلاق النار الذي تسعى واشنطن لتحقيقه اليوم قبل الغد نتيجة المتغيرات العسكرية في اليمن والمنطقة والتي باتت في غير صالح شراع الولايات المتحدة بل وتنذر بانحسار نفوذها من المنطقة سريعا ، وفقدان حلفائها الاستقرار.

والدلالة الثانية يقين واشنطن أن إبقاء مأرب خارج سيطرة حكومة صنعاء مسألة وقت قبل ان تنهار أمام زخم هجوم جديد.

المعركة الآن هي عض للأصابع بين صنعاء وواشنطن ، وتدرك الأخيرة أن صنعاء بقيادتها الوطنية تعاني من أجل شعبها ، وهي تحاول استغلال ذلك استغلال اللئيم ، بينما تطال المعاناة كل قطاعات الشعب اليمني حتى في المناطق المحتلة والذي اضحوا تحت المقصلة مرتين بفقدان الأمن وفقدان القدرة على العيش ناهيك عن الكرامة المهدورة في ظل المحتل ووكلائه.

يرى كثير من المحللين أن صنعاء لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام تجويع شعبها، صنعاء المقتفية خطى الإمام علي تدرك جيدا حكمته المشهورة  حين منع معاوية جيش العراق من الماء فقال لهم ارووا سيوفكم من الدماء ترووا من الماء.

وفي هذا السياق كان السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله واضحا في خطابات تطرقت الى المبادرة الأمريكية وكواليس التفاوض غير المباشر في عمان ، بان الشعب اليمني لن يجوع أو يستكين للموت جوعا وقد أضحى في يده سيف وترس يصل به إلى عمق دول العدوان ، ما يعني حكما بأن نار الحرب الاقتصادية التي ساهمت في اشعالها السعودية ستطالها وقد تطال حلفاء آخرين لواشنطن ، فالاجراءات الحربية الاقتصادية الأخيرة التي يقدم عليها التحالف بمثابة شحذ لسيف التجويع ولن تقبل به صنعاء التي تمضي نحو التعافي وغن بوتيرة أقل من الجانب العسكري نتيجة معطيات عدة ليست السطور هنا محلا لتناولها ..

لدى صنعاء أسلحة نوعية لم تكشف عنها ، والمحسوم فقط انها تطال “إسرائيل” والثابت الآخر أن معركة مأرب محسومة سلفا ولن تثني أي من أوراق الضغط السياسية والاقتصادية عن تحرير ، فالتراجع عن تطهيرها بنظر صنعاء يظل الأخطر والمهدد لمستقبل الأجيال اليمنية.

 

(المسيرة – إبراهيم الوادعي)

 

قد يعجبك ايضا