طغيان إسرائيل اليوم هو ثمرة سياسات الأنظمة العربية بالأمس

شنّ الكيان الصهيوني غارة جوية على الدوحة عاصمة قطر بهدف اغتيال قادة حركة حماس الذين كانوا يجرون مباحثات حول مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك بعد غاراته الجوية على المصالح التركية في الأراضي السورية، وعلى اليمن واستهدافه عدداً من وزراء الحكومة اليمنية وقتل بعضهم، واعتداءاته العنيفة على سوريا ولبنان، إضافة إلى استهدافه سفينة مساعدات إنسانية في المياه الإقليمية التونسية.

تكتسب الضربة ضد قطر أهمية خاصة، إذ إن الإدارتين الأمريكيتين السابقة والحالية اعتبرتا قطر “حليفاً استراتيجياً”، وقد وقّع ترامب خلال جولته الأخيرة في المنطقة عقوداً عسكرية ومدنية ضخمة مع الدوحة، بل إن قطر قدّمت له طائرة رئاسية بقيمة أربعمائة مليون دولار كهدية. ومن ثم، فإن قطر بحسب المسؤولين الأمريكيين تُعد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، غير أن هذا التحالف يبدو أنه أحادي، حيث تجني واشنطن وحدها فوائده، بينما عندما تحتاج قطر أو أي دولة أخرى في المنطقة إلى واشنطن وإلى سلاحها ومنظوماتها العسكرية، فإنها لا تجد لها نفعاً.

وفوق ذلك، فإن أي هجوم إسرائيلي على قطر لا يمكن أن يتم من دون دعم أو ضوء أخضر أمريكي. ويُطرح هنا سؤال محوري: لماذا لم تُفعَّل المنظومات الأمريكية الموجودة في قواعدها بالمنطقة، ومنها قاعدة “العديد” التي تُعدّ أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، لاعتراض الطائرات والصواريخ الإسرائيلية؟ بل إن الموقف الأمريكي إزاء الضربة لم يكن إدانة ولا اعتراضاً، بل مسايرة وتغاضياً، وهو ما يكشف بجلاء أن واشنطن كانت شريكاً لإسرائيل في هذا العدوان.

لكن يبقى السؤال الأهم: لماذا تحولت إسرائيل الآن إلى المارد الإقليمي الذي يهدد كل دول المنطقة؟

الجواب هو أن الدولة الوحيدة التي وقفت في وجهها منذ قيامها كانت إيران. فبدعمها لسوريا ومساندتها للجيش السوري أقامت سداً منيعاً أمام إسرائيل، وتحمّلت وحدها كلفة هذا السد من ميزانية الشعب الإيراني ودماء شبابه الذين سقط كثير منهم شهداء. وفي الوقت الذي كانت فيه إيران تدفع من دمها وأموالها للحفاظ على استقرار المنطقة من خلال الحفاظ على النظام السوري، كانت وسائل الإعلام العربية، وخصوصاً تلك التابعة لبعض الأنظمة العربية التي تتماشى مع رغبات وأهداف إسرائيلية، كانت توجه جهارا ونهارا تهم فارغة ضد ايران متهمةً إياها باحتلال العواصم العربية، وتبني سياسة توسعية في المنطقة من دون أن تدرك أن إيران هي التي كانت قد كبحت ذلك المارد الوحشي الجامح وأدخلته في القارورة ومنعته من تدمير المنطقة. وبفضل هذا الاستقرار، انشغلت بعض الدول المطلة على الخليج الفارسي ببناء مدن زجاجية ومشاريع عمرانية كبرى، متناسية أنها مدينة لإيران ولتضحيات أبنائها الذين كبّلوا ذلك الوحش.

والمفارقة أن هذه الدول وإعلامها اصطفوا إلى جانب الصهاينة في تصوير إيران كعدو، فيما العدو الحقيقي والمتربص هو الذي كانت إيران تواجهه نيابةً عنهم. لكن بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نتيجة مؤامرات بعض الأنظمة العربية وتركيا، انسحبت إيران كلياً من سوريا، فسقطت البلاد في أيدي جماعات مدعومة من تلك الدول. وعندها انطلق الوحش المحرَّر ليهدد الجميع. وفي المواجهة المباشرة مع إيران، تلقت إسرائيل ضربات مدمّرة جعلتها تستنجد بالولايات المتحدة، التي بدورها لجأت إلى قطر لطلب وساطتها. وقد احترمت إيران مطلب قطر فوافقت على وقف إطلاق النار، وهو وقفٌ يؤكد خبراء كثيرون أنه لو تأخر أياماً معدودة لكانت إسرائيل إما زالت من الوجود أو وصلت إلى حافة الانهيار الكامل.

من هنا، فإن المسؤولية عن إطلاق سراح هذا الوحش التدميري تعود إلى سياسات بعض الأنظمة العربية والإسلامية، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، التي وجدت نفسها اليوم بين خيارين: إما الخضوع لشروط إسرائيل وإملاءاتها، أو مواجهة خطر الفوضى والدمار.

الدكتور جلال جراغي

مدير مركز آفاق للدراسات الإيرانية-العربية

قد يعجبك ايضا