ميناء “إيلات” عالق تحت وطأة التأثيرات الاستراتيجية للحصار البحري اليمني
لم ينجُ من المعركة.. ميناء “إيلات” عالق تحت وطأة التأثيرات الاستراتيجية للحصار البحري اليمني
رادار360| ضرار الطيب
توقفت العمليات اليمنية المساندة لغزة مع وقف إطلاق النار، لكن ذلك لم يغير شيئا بالنسبة لميناء أم الرشراش المحتلة (إيلات) والذي عاد إلى واجهة المشهد داخل كيان العدو خلال الأيام الماضية باعتباره أزمة مستعصية، وشاهدا على تغيير استراتيجي كبير صنعه اليمن، حيث باتت إعادة تشغيل هذه البنية التحتية الإسرائيلية ذات الأهمية العالية بحاجة إلى حراك إقليمي ودولي (من وجهة نظر الإسرائيليين) أو على الأقل خطة غير مجدية اقتصاديا هدفها فقط إظهار نوع من “عدم الاستسلام” للحصار البحري اليمني الذي تجاوزت تأثيراته ميدان الاقتصاد بوضوح.
وفقا للمدير التنفيذي جدعون غولبر، فقد تواصلت إدارة الميناء مؤخرا مع السفارة الأمريكية في إسرائيل، وكذلك مع المصريين والصينيين والإماراتيين، من أجل دعم استئناف نشاط الميناء، وذلك من خلال ممارسة ضغوط إقليمية تفضي إلى رفع الحصار البحري الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية على الملاحة الإسرائيلية في المنطقة حسب ما أوضحت صحيفة “كالكاليست”.
وذكرت صحيفة “يوم يوم” العبرية أن إدارة الميناء أيضا وجهت أيضا رسائل عاجلة إلى وزراء المالية والاقتصاد والنقل في كيان العدو، وإلى رئيس لجنة المالية بالكنيست، طالبةً التدخل الفوري، محذرة من أنها ستضطر للإغلاق الكامل وتسريح المزيد من الموظفين، إذا لم يكن هناك تحرك حكومي واضح خلال أسابيع قائلة.
وقالت الإدارة: “لم يعد الميناء الجنوبي لدولة إسرائيل قادرًا على تحمل العبء وحده، فالأمر لا يتعلق فقط بربحية الأعمال، بل بالحفاظ على مورد وطني استراتيجي ومصدر حيوي للعمالة لسكان إيلات ووادي عربة”.
ليس من الواضح ماذا كانت ردود الأمريكيين والعرب على اتصالات إدارة الميناء، لكن لجنة المالية بالكنيست عقدت اجتماعا طارئا لبحث وضع الميناء، وباستثناء اعتراف رئيس مجلس إدارة الميناء آفي هورمارو، خلال الجلسة بأن هناك خسائر بنحو 200 مليون شيكل (أكثر من 60 مليون دولار) لم يكن هناك جديد أو نتيجة مختلفة عن نتائج الاجتماعات السابقة.
على طاولة الكنيست هناك مقترح قدمته إدارة الميناء في وقت سابق، يقضي بـ”إجبار” السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط على عبور قناة السويس وتفريغ المركبات في ميناء إيلات، وهي عملية تحمل تكاليف إضافية تم تقديرها في البداية بـ800 ألف دولار، لكنها ارتفعت الآن إلى 1.2 مليون دولار لكل سفينة، على أن تدفع الحكومة نصف هذه التكلفة، ويتقاسم الميناء والمستوردون النصف الآخر.
تبرر إدارة ميناء إيلات هذه الخطة بأنها ضرورية “لصناعة صورة انتصار” وهو تبرير يدرك عدم الجدوى الاقتصادية لهذه الخطة، حيث يوضح إيلاد برشان، الخبير الإسرائيلي في الجمارك والشحن الدولي أن “مرور السفن عبر قناة السويس يُطيل مسار الملاحة، مما يزيد ليس فقط من تكلفة عبور القناة، بل أيضًا من الوقت المستغرق في استخدام السفينة، ونفقات الطاقم، والتأمين، والوقود، وهي تكاليف تُحمّل جميعها في النهاية على المستهلك” معتبرا أن “أي محاولة لفرض إيلات كوجهة تفريغ مع تغيير مسارات التجارة العالمية بشكل مصطنع أمرٌ غير منطقي”.
وأضاف: “في الواقع، هذه الخطة تشجّع على تمديد غير ضروري للمسار ودفع رسوم عبور غير ضرورية ستُحوّل من خزينة الدولة إلى خزينة الدولة المصرية مقابل استخدام قناة السويس” مؤكدا أن “المخطط بحد ذاته مُضلِّل فهو يتحدث عن تقسيم التكلفة بين الدولة والمستوردين وميناء إيلات، ولكن عمليًا، لا يتحمل أيٌّ منهم التكلفة فعليًا، ففي النهاية، ينتقل كل شيء إلى المستهلك.. كما أن كل دولار يُضاف إلى تكلفة النقل يُضيف ضرائب إضافية، إذ تُحسب ضرائب الاستيراد بناءً على إجمالي قيمة الصفقة، شاملةً النقل، وهذا يعني أن الزيادة المصطنعة في أسعار النقل تعني ضرائب مضاعفة وغير ضرورية، مما سيؤثر بشكل مباشر على تكلفة معيشة جميع الإسرائيليين”.
لكن المسألة قد تجاوزت الاعتبارات الاقتصادية، فحديث إدارة الميناء عن ضرورة صناعة “صورة انتصار” ينبع من واقع الضرر الاستراتيجي الذي يمثله إغلاق الميناء كبوابة جنوبية لكيان العدو ترتبط بها حسابات أوسع من أرقام الربح والخسارة المالية.
تقول صحيفة “يوم يوم” العبرية إنه “بالنسبة لإيلات، لم يعد هذا مجرد مسألة تشغيلية؛ بل هو جهد سياسي مُركّز يسعى إلى إعادة البحر الأحمر إلى مساره الصحيح”، وإن “قرار الحكومة، سواءً باستعادة المكانة الاستراتيجية للميناء أو التخلي عنه، لن يؤثر فقط على مستقبل الميناء، بل أيضًا على مستقبل إيلات الاقتصادي ككل”.
ومن أجل ذلك لا يعارض ممثلو وزارة الاقتصاد في كيان العدو دفع الأموال لإعادة السفن إلى الميناء عبر قناة السويس، لكنهم يعارضون إصدار أمر يفرض على المستوردين تفريغ السفن في الميناء بشكل إجباري، بحجة أنه “يضر بالمنافسة” ويقترحون بدلا من ذلك تشغيل مسار ملاحي متفق عليه مع شركتي (زيم) الإسرائيلية و(غريمالدي) الإيطالية لنقل المركبات إلى الميناء.
وفي الوقت نفسه هناك خلاف كبير بين ممثلي وزارات المالية والنقل والاقتصاد بشأن دراسة هذه المقترحات ومن يتحمل مسؤولية المضي فيها، وهو أمر يصيب رئيس بلدية إيلات إيلي لانكري بالإحباط، حيث يرى أن هذه النقاشات “تكرس الوضع القائم” مضيفا: “الميناء حاليًا مدين بأكثر من 10 ملايين شيكل، وبصفتي بلدية، لا أعرف كيف أتعامل مع عجز بهذا المبلغ”.
مع ذلك، ترى “يوم يوم” أن المسألة قد تجاوزت حدود الضغوط أو الحوافز المالية أو المقترحات المطروحة، لأن “النظام بأكمله قد تعلم تجاوز الميناء الجنوبي، وعندما تعتمد سلسلة التوريد بأكملها على نموذج جديد وفعال، يصعب للغاية التراجع عنه، وحتى لو فُتح البحر الأحمر وخُفِّض التأمين، فلن تكون إيلات المحطة الطبيعية للسيارات القادمة من الشرق، فقد استطاع السوق التعامل مع الوضع بدونه، وربما كان أفضل”.
وتعتبر أن “فرص عودة ميناء إيلات إلى دوره كلاعب رئيسي في سوق نقل المركبات ضئيلة، ليس لأن السفن ستتوقف عن الوصول، بل لأن قواعد الصناعة البحرية تغيرت منذ فترة طويلة، والأزمة الأخيرة زادتها تعقيدًا”.
وربما لهذا السبب لم يتلق قطاع الشحن الإسرائيلي حتى الآن أي توضيح بشأن وضع الميناء على الرغم من تلقي تطمينات سابقة بأن وقف إطلاق النار سيرافقه استئناف لحركة الشحن من الشرق إلى (إيلات)، حسب ما كشف مصدر رفيع في القطاع لصحيفة “غلوبس” التي نوهت إلى أن “شركات شحن السيارات الصينية قد بدأت بالعودة تدريجيًا إلى نقل السيارات إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس خلال الشهرين الماضيين، ولكنها لا تتوقف مباشرةً في الموانئ الإسرائيلية حاليًا”.
إن التغيير الذي أحدثه الحصار البحري اليمني على الملاحة الإسرائيلية لم يكن بسيطا أو قصير الأمد، بل كان استراتيجيا إلى درجة أن وقف إطلاق النار لم يكن كافيا لاستعادة نشاط الميناء، وهو ما ينسجم مع تأثيرات استراتيجية أخرى ارتبطت بهذا الحصار، مثل هزيمة البحرية الأمريكية وطردها من البحر الأحمر، وإرساء نظام عقوبات جديد ومؤثر على أنقاض هيمنة استمرت لعقود على أحد أهم الممرات المائية في العالم.
لم ينجُ من المعركة.. ميناء "إيلات" عالق تحت وطأة التأثيرات الاستراتيجية للحصار البحري اليمني
رادار360| ضرار الطيب
توقفت العمليات اليمنية المساندة لغزة مع وقف إطلاق النار، لكن ذلك لم يغير شيئا بالنسبة لميناء أم الرشراش المحتلة (إيلات) والذي عاد إلى واجهة المشهد داخل كيان العدو… pic.twitter.com/6vlwPxd2J5
— رادار 360 (@Radar360_ar) October 27, 2025