فيما “أسطول الصمود العالمي” يتحدى “إسرائيل”.. اليمن يكسر “جناح صهيون”
صاروخ يمني واحد كان كفيلا بزعزعة صورة “إسرائيل” وإسقاط هالة “جناح صهيون”، حين أجبر الطائرة الرئاسية الصهيونية على هبوط اضطراري وسط صفارات إنذار دوت في “تل أبيب” والقدس المحتلة. وفي الوقت نفسه، تتقدم على مياه المتوسط سفن “أسطول الصمود العالمي” محمية ببيان غير مسبوق وقعته 16 دولة، أعلنت بوضوح أن أي اعتداء صهيوني عليه لن يمر بلا مساءلة. إنهما مشهدان متوازيان يختصران وجها آخر للمقاومة، بكافة الوسائل، في مواجهة مفتوحة مع احتلال يواصل ارتكاب مجازر تجاوزت مفهوم الإبادة الجماعية.
يثبت اليمن في كل مرة، أنه طرف فاعل يُربك الحسابات الإسرائيلية. فبعد ساعات فقط من قصف الاحتلال لميناء الحديدة على البحر الأحمر –أمس الثلاثاء – انطلقت صواريخ أنصار الله باتجاه فلسطين المحتلة. ورغم إعلان المنظومات الدفاعية الإسرائيلية عن اعتراضها، إلا أن النتيجة الرمزية كانت أبلغ من أي دمار مادي: الطائرة الرئاسية “جناح صهيون” اضطرت للهبوط، في صورة تهز ما تبقى هيبة الكيان التي ادعت طويلا أنها تسيطر على أجوائها بفضل “القبة الحديدية”.
صفارات الإنذار دوت في مستوطنة “تل أبيب” وفي القدس والضفة الجنوبية، وهو مشهد غير مألوف حتى في أوج الحروب السابقة مع غزة ولبنان. وهذا التطور يعكس حجم التداخل الجديد في موازين القوى: معركة غزة لم تعد محصورة بين القطاع المحاصر و”جيش” الاحتلال، فاليمنيون كانوا قد أعلنوا صراحة أن عملياتهم ستستهدف العمق الصهيوني كما تستهدف أي سفينة مرتبطة بـ(إسرائيل)، بغض النظر عن جنسيتها، دعما لغزة. وهكذا وسعوا – بالفعل قبل القول – الجغرافيا الحربية لتربط مصير غزة بمسارات التجارة العالمية وأمن الملاحة الدولية، وهو ما يضع الكيان الصهيوني أمام استنزاف استراتيجي لم يكن في حساباته.
في موازاة الصواريخ، تتحرك على البحر المتوسط سفن “أسطول الصمود العالمي”، وهو تحالف مدني-إنساني مدعوم بغطاء سياسي رسمي من 16 دولة، بينها جنوب إفريقيا، إسبانيا، البرازيل، ماليزيا. وكان البيان المشترك لوزراء خارجيتها واضحا: أي اعتداء على الأسطول سيؤدي إلى المساءلة.
الأسطول ليس مجرد مبادرة رمزية، بل هو تحد مباشر للحصار الذي يفرضه الاحتلال منذ 18 عاما، حصار حول غزة إلى سجن مفتوح، وأدخل سكانها في مجاعة موثقة، فأكثر من 1.5 مليون إنسان باتوا بلا مأوى، فيما يقف أكثر من مليوني شخص على حافة المجاعة، في ظل منع الاحتلال لأي مساعدات إنسانية منذ مارس الماضي.
هذه السفن انطلقت من برشلونة، وانضمت إليها لاحقا سفن من تونس وليبيا وإيطاليا، لتشكل مشهدا عابرا للقارات والأديان واللغات، يرفع راية إنسانية واحدة: كسر الحصار. وإن كانت محاولات سابقة قد أُحبطت بالقوة، فإن الجديد اليوم هو الغطاء السياسي والقانوني الذي وفرته الدول الموقعة، ما يضع الاحتلال في زاوية ضيقة: أي عدوان على الأسطول سيُعتبر خرقا للقانون الدولي ويؤدي إلى عزلة متزايدة.
بينما تتسارع التحولات الميدانية والديبلوماسية، أصدرت لجنة تحقيق أممية تقريرا تاريخيا: ما يجري في غزة هو إبادة جماعية مكتملة الأركان، إذ لم يعد الأمر مجرد اتهامات منظمات حقوقية، بل توصيف رسمي صادر عن لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة، برئاسة القاضية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية، نافي بيلاي.
التقرير أشار إلى وقائع دامغة: قتل جماعي واسع النطاق، منع وصول المساعدات، نزوح قسري، وتدمير ممنهج للبنية التحتية المدنية بما في ذلك مراكز طبية ومرافق خصوبة. والأهم أن اللجنة وثقت تحريض كبار المسؤولين الصهاينة، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، على هذه الأفعال، ما يفتح الباب لمساءلة جنائية دولية على أعلى المستويات.
هذه الخلاصة الأممية تنسجم مع أصوات متزايدة في العالم ترى في حرب غزة “محرقة العصر الحديث”، حربا تُدار بهدف القضاء على شعب بأكمله. وبذلك يتعزز خطاب المقاومة والشعوب الداعمة لها بأن المعركة ليست فقط على الأرض الفلسطينية، بل هي معركة القيم الإنسانية في وجه نظام عنصري استعماري يواصل جرائمه بلا رادع.
أرقام الشهداء.. الدم الذي يفضح الصمت الدولي
لا تحتاج غزة إلى تقارير لتشهد على الإبادة، فأرقام الضحايا تكفي: أكثر من 64 ألف شهيد و165 ألف جريح منذ السابع من أكتوبر 2023، أغلبهم من الأطفال والنساء. وخلال الأشهر الأخيرة وحدها، استشهد أكثر من 12 ألف فلسطيني، وأصيب أكثر من 53 ألف.
في 24 ساعة فقط، استقبلت مستشفيات غزة 59 شهيدا و386 جريحا. وما زال كثيرون تحت الأنقاض، فيما تمنع الغارات فرق الإسعاف من الوصول إليهم. وحتى طالبي المساعدات لم يسلموا: أكثر من 2497 شهيدا سقطوا في طوابير الخبز والإغاثة، بعد أن تعمد الاحتلال استهدافهم.
هذه الأرقام ليست إحصاءات باردة، بل شواهد دامغة على أن ما يجري هو حرب إبادة موصوفة. إنها دماء الأطفال والنساء التي تفضح كل صمت دولي، وتكشف تواطؤ القوى الكبرى التي تمد الكيان الصهيوني بالسلاح والغطاء السياسي.
اليوم، تقف غزة في قلب معركة تجاوزت حدودها الجغرافية. صاروخ يمني يجبر الطائرة الرئاسية على الهبوط، وأسطول صمود عالمي يتحدى الحصار، ولجنة أممية تعلن رسميا وقوع إبادة جماعية، فيما أعداد الشهداء تتضاعف يوما بعد يوم.
هذه اللوحة المتشابكة تعني أن الكيان الصهيوني لم يعد يواجه شعبا محاصرا فقط، بل يواجه جبهة إنسانية ومقاومة ممتدة من صنعاء إلى كيب تاون، ومن كولومبيا إلى كوالالمبور. إنه مشهد يختصر جوهر الصراع: شعب يُباد على مرأى العالم، ومقاومة ترد بما تملك من وسائل، وشعوب ودول تتحرك لكسر الحصار. وما بين السماء التي تزلزلها الصواريخ والبحر الذي يشقه الأسطول العالمي، يتضح أن الحرب على غزة لم تعد حربا محلية، بل معركة كونية بين مشروع إبادة وبين إنسانية تُقاوم.
المصدر : الأيام نيوز الجزائرية نشر في الــ17 من سبتمبر