في الذكرى الأولى لاستشهاده.. السيد نصر الله رسخ مواقف خالدة في وجدان اليمنيين

نصرة اليمن.. موقف تاريخي لا يُنسى منذ اليوم الثاني للعدوان
خطاب نصرة اليمن.. لحظة فارقة في مسار المقاومة والوعي العربي

الحقيقة ـ جميل الحاج

في زمن انهارت فيه القيم، وسقطت فيه الأقنعة، وانكشفت فيه عورات المواقف، برز السيد حسن نصر الله كرجل استثنائي في الميدان والسياسة والفكر. لم يكن مجرد قائد سياسي أو زعيم حزبي، بل صانع معادلات كبرى حوّلت مسار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، ورسّخت ثقافة المقاومة كخيار وحيد للشعوب المقهورة.

رفع صوته عاليًا في وجه الطغيان، مرددًا: “فلسطين أمانة… وغزة ليست وحدها”. كلمات تحولت إلى شعار جامع للأحرار والمستضعفين. وبإيمانه العميق برسالة الجهاد والمقاومة، سخّر أكثر من ثلاثة عقود من حياته لقضايا الأمة حتى صار رمزًا عالميًا يُحسب له ألف حساب.

قائد يصدقه الأعداء قبل الأصدقاء

في الذكرى الأولى لاستشهاده، يعترف العدو قبل الصديق بأن السيد نصر الله كان من القلائل الذين يُصدّق الاحتلال تصريحاتهم أكثر من قادة كيانه. فقد شكّل حضوره الإعلامي والعسكري مصدر قلق دائم لـ”إسرائيل”، بينما وجدت فيه الشعوب المستضعفة ملاذًا للأمل والعزة.

وعندما قرر فتح جبهة الشمال إسنادًا لغزة، ارتجّ الكيان الإسرائيلي بأكمله في مشهد لم تستطع دول كبرى أو تحالفات واسعة أن تفرضه. لقد كان رجل الموقف الذي يملك من الكاريزما والتأثير ما يجعل صوته يوازي فعل الجيوش.

نصرة اليمن.. خطاب خالد منذ اليوم الثاني للعدوان

من أبرز المحطات التي رسخت حضور السيد نصر الله في وجدان اليمنيين موقفه التاريخي منذ اللحظة الأولى للعدوان السعودي الأميركي على اليمن عام 2015. في اليوم الثاني من الحرب، ألقى خطابه الشهير الذي وصفه لاحقًا بأنه “أشرف وأعظم خطاب في حياته”.

في ذلك الخطاب كشف زيف الادعاءات التي روجتها الرياض وواشنطن حول “إعادة الشرعية”، مؤكدًا أن الهدف الحقيقي كان إعادة الوصاية والهيمنة على شعب قرر استعادة سيادته. سأل بحدة: “إذا كان الهدف إنقاذ الشعب اليمني، فلماذا تركتم الشعب الفلسطيني عقوداً بل تآمرتم عليه؟”

هذا الخطاب لم يكن مجرد كلمة عابرة، بل بداية علاقة متينة بين حزب الله وأنصار الله، علاقة أثمرت جبهة مقاومة جديدة صمدت رغم الحصار والإبادة، وأثبتت أنها قادرة على قلب المعادلات الإقليمية.

اليمنيون يردون الوفاء بالوفاء

الشعب اليمني، المعروف بوفائه وأصالته، لم ينسَ ذلك الموقف، على العكس، حفظه في وجدانه كعهد، واتخذ من السيد نصر الله نموذجًا للصبر والمقاومة.

بالنسبة لليمنيين، لم يكن السيد مجرد زعيم لبناني، بل حالة حيّة تستحضر عند مواجهة الصعاب. انتصاراته في التحرير عام 2000 ثم في حرب تموز 2006، شكّلت دليلًا عمليًا لهم على إمكانية هزيمة الاستكبار مهما بلغت قوته، شرط التوكل على الله والإعداد والعمل المتقن.

وحين ارتقى السيد شهيدًا، رد اليمنيون الوفاء بوفاء، فشاركوا بأعداد ضخمة في تشييعه، معتبرين ذلك “أقل ما يمكن تقديمه لمن ناصرهم في أحلك الظروف”.

مشاعر صادقة وعلاقة وجدانية

ما يميز علاقة السيد باليمنيين أنها لم تكن قائمة على السياسة وحدها، بل على مشاعر صادقة عبّر عنها مرارًا. في خطاباته كان يؤكد أنه يتمنى القتال تحت راية قائد اليمن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، واصفًا إياه بالحكمة والشجاعة.

وعندما تحدث عن معركة الساحل الغربي، أبدى إعجابه بما حققه المقاتلون اليمنيون قائلاً: “ما جرى هناك أشبه بالمعجزة”. وأضاف بتواضع: “أنا خجول أنني لست مع المقاتلين اليمنيين، وليتني كنت أقاتل تحت راية قائدكم الشجاع”.

هذه الكلمات الصادقة جعلت السيد جزءًا من ذاكرة اليمنيين ونموذجًا للقائد الذي يذوب في قضايا الأمة ويشارك شعوبها همومها وآمالها.

إرث يتجاوز الحدود

لم يكن السيد حسن نصر الله يسعى لمكاسب سياسية أو نفوذ إقليمي، على العكس، كان يقدّم كل ما يملك لأي قضية آمن بعدالتها، بصرف النظر عن حجم التضحيات. مواقفه من فلسطين، ومن لبنان في مواجهة الاحتلال، ومن اليمن في وجه العدوان، كلها تشهد على أنه رأى نفسه جزءًا من معركة أمة واحدة ضد الاستكبار.

استشهاده جاء على طريق فلسطين التي اعتبرها قضيته المركزية، ليختم حياته كما عاشها: نصيرًا للمظلومين، وصوتًا للحق، ورمزًا للقائد الأممي الذي لا تحده الجغرافيا ولا تحصره الانتماءات.

رجل تجاوز عصره

في ذكرى استشهاده الأولى، يتأكد أن إرث السيد نصر الله سيبقى منارة لكل المجاهدين والأحرار في العالم. لم يكن رجل لبنان وحده، ولا قائد حزب الله فقط، بل قائدًا أمميًا بحجم القضايا التي حملها.

رسّخ في وجدان اليمنيين، كما في وجدان كل الشعوب المستضعفة، أن الوقوف مع المظلوم واجب لا يحتمل التردد، وأن مقاومة الاستكبار قدر لا مهرب منه. وبذلك، صار اسمه علامة مضيئة في تاريخ الأمة، ورمزًا خالدًا يلهم الأجيال على المضي في درب المقاومة حتى يتحقق الوعد بالنصر والتحرير.

قد يعجبك ايضا