مؤتمر الأوقاف .. تظاهرة علمية وطنية لدعم الوقف واستعادة مكانته

شكل انعقاد المؤتمر الوطني الأول للأوقاف، الذي نظمته الهيئة العامة للأوقاف بصنعاء، تظاهرة علمية وطنية من شأنها دعم وتطوير أداء الوقف واستعادة مكانته وتحسين موارده.

حرصت هيئة الأوقاف على انعقاد المؤتمر الذي شارك فيه على مدى أربعة أيام، نخبة من العلماء والأكاديميين والباحثين ورجال المال والأعمال والاقتصاديين ومنظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية والقضائية والتنفيذية، في إطار سعيها لبناء مؤسسة وقفية حديثة تسهم في حماية الوقف وتعظيم منافعه وتنمية موارده وتفعيل دوره الحيوي.

وقد هدف المؤتمر، إلى ترسيخ الوعي بالمسؤولية الجماعية نحو النهوض بالأوقاف والإسهام في تطوير البيئة التشريعية والإدارية لبناء هيئة الأوقاف ومناقشة وتطوير صيغ ومشاريع وقفية مبتكرة وإبداعية ودراسة بناء شراكات رسمية وشعبية مع هيئة الأوقاف.

سعت الهيئة العامة للأوقاف منذ وقت مبكر للتحضير لانعقاد المؤتمر الذي ناقش 22 بحثاً وورقة علمية مقدمة من أساتذة الجامعات وأكاديميين وباحثين وعلماء، وخمس ورش علمية في الجوانب التثقيفية والتوعية الإعلامية والتشريعية والقانونية والاقتصادية والاستثمارية الوقفية والتطويرية والابتكارية والمالية والإدارية.

يقول رئيس الهيئة العلامة عبدالمجيد الحوثي” كان من أولويات ومشاريع الهيئة، إقامة المؤتمر الوطني للأوقاف، كخطوة أولى في بناء المؤسسة الوقفية الحديثة بطرق ومعايير علمية ترتقي بالهيئة في مختلف المجالات وتفتح المجال أمام الباحثين والأكاديميين للإسهام الفاعل في بناء هذا الصرح الشامخ”.

وأضاف” نعول على بناء الهيئة كمؤسسة وقفية حديثة لنتمكن من النهوض بالأوقاف وحماية أموالها وتنمية عائداتها واستثمار الفائض منها بما يعزز من إيراداتها ودورها الحيوي في خدمة المجتمع بمختلف مجالات الخير”.

وأكد العلامة الحوثي، أن الارتقاء بالوقف وحمايته وتنمية موارده، مسؤولية مهمة وصعبة، تتطلب تضافر جهود الجهات الرسمية من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية إلى جانب الجهود الشعبية من علماء ومفكرين وباحثين وخطباء وإعلاميين وتربويين ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات اجتماعية ووجاهات قبلية ورجال أعمال ومجتمع.

وقال :”الوقف مال الله أوقفه الواقفون لعمارة بيوت الله ومساعدة المحتاجين في كافة وجوه البر والإحسان، وهذه مسؤولية مشتركة لن تنجح الهيئة فيها إلا بتكاتف الجميع وتضافر الجهود كل من موقعه ومسؤوليته، بما يبرئ ذمتنا جميعاً أمام الله”.

من جانبه أشار رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر الدكتور محمد القطابري، إلى أن المؤتمر ارتكز على ثلاثة محاور أساسية تمثل الأول في “الوقف بين المسؤولية الدينية والواقع العملي”، فيما المحور الثاني حول “مقومات بناء الهيئة العامة للأوقاف” واشتمل على سبعة أبحاث علمية، وركز الثالث على “الوقف بين التحديات والطموحات”، واشتمل على ثمانية أبحاث علمية.

وأوضح أن المحور الأول اشتمل على خمسة أبحاث علمية، والثاني على سبعة أبحاث والمحور الثالث ثمانية أبحاث علمية .. مؤكداً أن انعقاد المؤتمر، يأتي حرصاً من قيادة هيئة الأوقاف على الاستفادة من الخبرات العلمية في حل الاشكاليات الإدارية والاستثمارية والفنية التي يعاني منها الوقف في اليمن.

وتكمن أهمية المؤتمر الوطني الأول للأوقاف في ما تضمنه من أبحاث وأوراق عمل شملت كافة الجوانب ذات العلاقة بالوقف، ابتداء بالتعريف به وأقسامه وأهدافه بما في ذلك خصائصه ومشروعيته ومميزات الوقف في الإسلام وأنواعه والوقف في اليمن وما يحتله من مكانة علمية واجتماعية.

اهتمت الهيئة العامة للأوقاف في مؤتمرها الوطني الأول، بوضع المحاور التشريعية والقانونية والمالية والإدارية والتطويرية والابتكارية والتثقيفية والتوعية الإعلامية في قائمة أولويات البحوث والأوراق العلمية المقدمة والتي شخصت واقع كل محور ومكامن الخلل فيها ووضع الحلول والمعالجات لها.

يقول وكيل وزارة التعليم العالي الدكتور غالب القانص الذي شارك في المؤتمر بورقة علمية بعنوان “الوقف ومكانته الدينية في المجتمع اليمني”، إن الوقف ساهم بدور كبير في بقاء المجتمع الإسلامي محصناً بعد أن تعددت السلبيات وتنوعت الانحرافات، وظلت الأوقاف تمد المجتمع اليمني بموارد تبقيه على حيويته وصلابته واستمراره في مختلف الجوانب”.

وأفاد بأن الوقف في المجال الديني، كان له الدور الأبرز في بناء المساجد والإسهام في نشر العلوم وإقامة المدارس والمكتبات وصرف مرتبات المعلمين .. معتبراً الوقف مورداً معيناً ورافداً اقتصادياً يستطيع مساندة الدولة في المجالات التعليمية والصحية والتكافلية.

وتطرق الدكتور القانص، إلى بعض المجالات التي كان للوقف دور كبير في دعمها ورعايتها، ومنها المساجد وطلبة العلم ورعاية الفقراء والأيتام .. مشيراً إلى أهمية الوقف في دعم التكافل الاجتماعي والصحي والعلمي ورعاية العجزة والمسنين والمعدمين والأرامل والمطلقات وأسر الشهداء وجرحى الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة.

وأوصى بتوسيع مصارف الوقف لتشمل مجالات البحث العلمي وإنشاء الجامعات الوقفية وتوسيع مساهمتها في الجوانب الاجتماعية والتنموية والاقتصادية.

وفي ظل توجه القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى، لتنمية القطاعين الاستثماري والاقتصادي، حرصت الهيئة العامة للأوقاف على الاهتمام بالجانب الاستثماري، من خلال تخصيص محور في المؤتمر الوطني الأول للأوقاف، وتقديم بحوث وأوراق علمية في هذا الجانب من قبل أساتذة وأكاديميين، وباحثين.

حيث شخصت الأوراق والبحوث العلمية التحديات التي تواجه استثمار موارد الوقف لتنمية رأس المال البشري، خاصة في الدول النامية ومنها اليمن.

ففي ورقته العلمية بعنوان “استثمار موارد الوقف لتنمية رأس المالي البشري الفرص – التحديات”، تناول الأستاذ المساعد بكلية التجارة جامعة عمران الدكتور عبدالله العاضي مفهوم الاستثمار والوقف وأمواله وموارده ونشأة الوقف وتطوره ورأس المال البشري.

وتطرق إلى دور رأس المال البشري في النمو الاقتصادي والبنية الأساسية والخصائص والمقومات الرئيسة لتنمية موارد الوقف .. لافتاً إلى أهمية التركيز على النشاط الاستثماري للوقف، والاهتمام بالموارد الوقفية والتركيز على القطاعات الاقتصادية الحيوية.

في حين عرّف أستاذ الشريعة والقانون بجامعة تعز الدكتور عبدالحفيظ الرميمة في ورقة علمية بعنوان” استثمار الوقف بين التفريغ الفقهي والنظر المقصدي”، مفهوم المقاصد عموماً ومقاصد الوقف بصورة خاصة.

ولفت إلى خصوصية استثمار الوقف وماهية الاستثمار والموقف الفقهي القديم والتشريعي والنظر المقاصدي من استثمار الوقف ومسألة بيع الوقف في المذاهب الدينية وعند العلماء.

واقترح الدكتور الرميمة جملة من التوصيات للنهوض بالعمل الوقفي وتطويره من خلال إيجاد مشاريع القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بالأوقاف ومتابعة اعتمادها وتنفيذها ووضع الأسس والضوابط والمعايير التي يجب الالتزام بها لضمان نجاح الاستثمارات الوقفية.

كما تم تخصيص المحور الثاني من الورش العلمية التي تخللت المؤتمر للجانب الاقتصادي والاستثماري للوقف، بعنوان ” نحو استثمار أمثل لتنمية موارد الأوقاف وفق أفضل الطرق والممارسات”.

وتناولت الورش، خمس أوراق عمل، حول أهمية الشركات الوقفية المساهمة في تمويل استثمارات الوقف عن طريق الاكتتاب العام، ورؤية المجتمع المدني للنهوض بالدور التنموي للوقف في اليمن، والفجوة بين حجم الأعيان الموقوفة والإيرادات المتحصلة منها، والشراكة الاستثمارية لتنمية الموارد الوقفية، ومخاطر الاستثمار الوقفي في ظل العدوان.

وتضمنت ورش المحور الاقتصادي والاستثماري، دور الاستثمار الوقفي في تنمية المؤسسات العلمية الجغرافية في خدمات الأوقاف باليمن، والجور الاقتصادي والتنموي للوقف ومحددات العلاقة مع السلطة المحلية في تنمية الموارد الوقفية ومدى استفادة الاستثمارية المعاصرة ودراسة بعض التجارب فيها.

ونظرا للأهمية التي يكتسبها هذا المحور أكدت توصيات المؤتمر على ضرورة تنويع الاستثمارات الوقفية بما يحقق المشاركة المجتمعية وزيادة الموارد الوقفية ودعم التنمية الاقتصادية والعمل على إنشاء شركة قابضة وبنك وقفي يخصص لإدارة المشاريع الاستثمارية الوقفية وتحديد المجالات الاستثمارية ذات الأولوية التي يتطلبها الوضع الراهن ويحقق مصلحة الوقف والمصلحة الوطنية.

وشدد المشاركون بهذا الخصوص على ضرورة إعداد لوائح وأدلة سياسات منظمة للشراكة الاستثمارية لإتاحة الفرصة للجهات الرسمية للدخول في شراكة فاعلة مع الهيئة، وكذا إيجاد تسهيلات وحوافز استثمارية لجذب المستثمرين للدخول في الاستثمارات الوقفية، خاصة الاستثمار الزراعي للإسهام في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب.

وأكدوا أن ما خرج به المؤتمر من توصيات ستسهم في بناء مؤسسة وقفية وطنية حديثة مستقلة تستعيد الوقف وتصرفه فيما وقف له .. لافتين إلى ضرورة اضطلاع الجميع بالدور المناط بهم في تنفيذ التوصيات، وتطبيقها على الواقع.

(سبأ)

قد يعجبك ايضا