مساراتٌ خاطئةٌ للقوات الأمريكية في اليمن.. صنعاءُ صاحبةُ كلمة الفصل

تواصلُ أمريكا تحَرُّكاتِها الشيطانيةَ الاستفزازيةَ في المحافظات الجنوبية المحتلّة، ومحاولةِ انتهاك السيادة اليمنية تحت مبرّراتٍ وذرائعَ وهمية وشعارات وأكاذيبَ مفضوحة؛ لتنفيذ أهداف خبيثة وأجندات مشبوهة ومخطّطات إجرامية ومشاريع استعمارية لتثبيت التواجد والهيمنة في المحافظات المحتلّة؛ الأمر الذي يؤكّـد مُضِيَّ واشنطن في تنفيذ مخطّطها الاستعماري للسيطرة على المياه الإقليمية اليمنية واحتلال المحافظات الشرقية ونهب الثروات النفطية والغازية.

ويأتي هذا الانتشارُ وفق استراتيجية توسيع السيطرة والتطويق وتعزيز الدور المباشر في العدوان والحرب على الشعب اليمني، ما يكشف استراتيجية أمريكية طويلة الأمد بالنسبة لليمن.

ووفقاً لهذه الاستراتيجية، كثّـفت واشنطن الزيارات والتحَرّكات العسكرية والدبلوماسية في المحافظات اليمنية المحتلّة، مثل: حضرموت والمهرة، وعدن، بالتوازي مع تحَرّكات بحرية بإرسال 3 آلاف جندي إضافي إلى البحر الأحمر؛ لتعزيز الأسطول الأمريكي الخامس، وكلّ هذه التحَرّكات تدل على أن واشنطن تسعى في خيار التصعيد والهيمنة على المنطقة برمتها.

وفي مسار التواجد الأمريكي على الأراضي اليمنية المحتلّة، سَعَت القوات الأمريكية حضورها، وبدأت تمهد لإنشاء معسكرات أوسع، في سياق التبرير لتنفيذ عمليات عسكرية بحرية وبرية داخل اليمن.

وأمام هذا الواقع كان لافتاً تحَرّك العناصر الإجرامية المتمثلة بعناصر القاعدة في المناطق المحتلّة، وقيامها بعمليات اغتيالات وسيطرة على بعض المناطق، لتوفير غطاء للأمريكيين للسيطرة على المناطق اليمنية تحت مبرّر محاربة العناصر الإرهابية.

ولعل تكرار الزيارات الأمريكية إلى المحافظات اليمنية والشرقية بشكل عام، ومحافظة عدن بشكل خاص، يدل على مدى الرغبة الأمريكية في التصعيد العسكري، لا سِـيَّـما في السواحل اليمنية الغربية الجنوبية المحتلّة، بحيث تتحول عدن المحتلّة إلى غرفة عمليات لإدارة تطورات التصعيد؛ وهو ما يفسر لقاء الوفود الأمريكية بما يسمى مدير أمن عدن (المرتزِق)، ومن ثم إجراء القوات البحرية الأمريكية تدريبات عسكرية مشتركة في خليج عدن، وكذلك الدفع بتعزيزات عسكرية أمريكية إلى البحر الأحمر، المتوازي مع نشاط أمريكي حثيث في عدن وفي المحافظات الشرقية، وتأكيداً على ذلك فَــإنَّ القوات الأمريكية اقتربت من موانئ عدن المحتلّة، بعد أَيَّـام قليلة من وصول السفير الأمريكي إلى مدينة عدن وبقائه لأيام فيها، وقد ركّز في لقاءاته إلى ما سمَّاه عودة مرتقبة لعناصر القاعدة، والتي يقدمها مبرّراً لتأسيس قواعدَ عسكرية أوسعَ في عدن والمناطق المحتلّة.

وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية إلى إنزالِ قوات أمريكية مباشرة وجديدة إلى مدينة عدن والمحافظات؛ بذريعةِ حفظ الأمن والسكينة وضبط الأوضاع، لا سِـيَّـما في ظل ما تشهده هذه المناطق من انفلات أمني فظيع، وإنشاء قواعدَ عسكرية على ساحل البحر الأحمر، بعد تأسيس حضور وسيطرة في المهرة وحضرموت تحت عنوان الاتّفاقات الأمنية مع حكومة المرتزِقة.

جولةٌ جديدة:

وتشير التحَرّكات الأمريكية الأخيرة في شبوة وحضرموت والمهرة وعدن، وكذلك زيارات السفير الأمريكي والبريطاني، وعمليات إعادة نشر قوات المارينز في المراحل الماضية، في شبوة وحضرموت، والزيارات المكثّـفة للوفود الأمريكية العسكرية من جنرالات الحرب، كما حصل في محافظة المهرة، التي وصل إليها السفير الأمريكي ستيفن فاجن وقائد الأسطول الخامس الأمريكي، إلى التهيئة والتحشيد لجولة من حرب عسكرية بحرية جديدة والسيطرة المباشرة على الموانئ والمحافظات الساحلية المحتلّة؛ لذا فَــإنَّ التحَرّك الأمريكي البريطاني المباشر في المحافظات المحتلّة بات مفضوحاً اليوم، وما هو إلَّا تعزيز لتواجد القوات الأمريكية والبريطانية وتمهيدٌ لإقامة قواعدَ عسكرية بحرية في سواحل محافظات المهرة وحضرموت وشبوة، وهنا فَــإنَّ مزاعمَ أمريكا وبريطانيا بارتفاع معدل المخاطر في البحر العربي على الحركة الملاحية هي “كيدية” وتكشفُ أجندة ومطامعَ قوى الاستعمار في السواحل الشرقية لليمن؛ وهذا ما حَذَّرَ منه قائدُ الثورة السيد عبدالملك الحوثي -يحفظُه الله- من خطورة مطامع أمريكا وبريطانيا ومشاريعها الاستعمارية في اليمن؛ نظراً لما يتمتعُ به من أهميّة استراتيجية وجيوسياسية كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، فمحافظات شبوة وحضرموت والمهرة تحولت بصورةٍ مباشرة إلى قواعدَ مفتوحةٍ؛ لاستقبال قوات المارينز وعمليات إنزال القوات المظلية والقوات البرية التي أرسلتها الإدارة الأمريكية تباعاً مع مجموعات من قوات مشاة البحرية التابعة للأسطول الخامس والمعدات العسكرية الخَاصَّة بالمجال الاستخباراتي والتجسسي، حَيثُ تمت إعادة انتشارها بصورة مُستمرّة في أكثر من نقطة تمركز وموقع عسكري، سواءً بالقواعد العسكرية المستحدثة والموانئ والمطارات وغيرها.

وظهرت حضرموت كمحطة أولى يتم تكثيف التحَرّكات الميدانية فيها وعسكرتها أمريكياً وبريطانياً بصورة مباشرة ومتصاعدة، آخرها وصول وفد أمريكي، بينهم جنرالات عسكريون وخبراء استخبارات يتبعون (سي آي أيه)، وكذلك وصول قبل أَيَّـام سرية من القوات الخَاصَّة البريطانية نقلت بحماية إماراتية إلى مزارع الشين في مديرية غيل باوزير؛ بهَدفِ استحداث قاعدة عسكرية لها، بعد وصولها بصورة سرية إلى حضرموت.

وكونها ضمن الخريطة النفطية لليمن، فَــإنَّ المحافظاتِ الشرقية تشكل أهميّة كبيرة جغرافياً واستراتيجياً؛ لذا فمن المهم بالنسبة لأمريكا إحكام السيطرة عليها وبالتالي تأمين التحَرّكات البحرية وعمليات النهب المنظم للنفط، بالتعاون مع المرتزِقة، ولهذا يتجلى المخطّط الأمريكي المتمثل في التحَرّكات والتعزيزات العسكرية الأمريكية في المحافظات المحتلّة والمياه اليمنية في ثلاثة اتّجاهات:

الأول: التوسع العسكري وتعزيز مناطق نفوذه وانتشار قواعده العسكرية.

الثاني: التوسع الاقتصادي بالمزيد من النهب والسيطرة على الثروات اليمنية.

الثالث: التوسع السياسي الذي يُمكن أمريكا من فرض هيمنتها وسيطرتها الكاملة على اليمن وقراره وسيادته.

 

مخاوفُ أمريكية:

لا شك أن التحَرُّكاتِ العسكريةَ الأمريكية في المنطقة الاستراتيجية، ليست وليدةَ اللحظة، حَيثُ دفعت الولاياتُ المتحدة تحت غطاء العدوان السعوديّ الإماراتي؛ لعسكرة معظم المناطق الحيوية في السواحل والجزر اليمنية طوال سنوات الحرب، وما التحَرّكات الأمريكية والتصعيد المباشر في المحافظات المحتلّة والبحر الأحمر والعربي، إلَّا بهَدفِ عرقلة المفاوضات القائمة بين صنعاء والرياض، والذهاب نحو خطوة استباقية لأي اتّفاق قد ينتج عن هذه المفاوضات، لفرض واقع ميداني لضمان استمرار التواجد العسكري الأمريكي في بلادنا.

ولهذا فَــإنَّ التحَرّك والتصعيد الأمريكي يعكس مخاوف عميقة تعيشها الإدارتان الأمريكية والبريطانية من تنامي وتعاظم القدرات العسكرية والحربية لقواتنا المسلحة، والإحساس الأمريكي بالعجز عن مواجهة قواتنا المسلحة والبحرية، في حال آلت الأمور إلى استئناف الحرب، حَيثُ يُرجَّحُ أن تكونَ المعركة بحريةً؛ باعتبار التحشيدات العسكرية الأمريكية الغربية المُستمرّة في مياه البحرين العربي والأحمر وخليج عدن، وتأكيد قواتنا المسلحة على حقها المشروع في طرد القوات الأمريكية والبريطانية من سواحل اليمن الاستراتيجية.

هذا الخوفُ الأمريكي من مجابهة قواتنا، لا تعكسُه غرفةُ العمليات الأمريكية الجديدة في مدينة عدن، والتحشيد العسكري في تخوم السواحل الجنوبية اليمنية المحتلّة، بل حجمُ التعزيزات الأمريكية الكبيرة إلى المنطقة، حَيثُ أعلنت واشنطن إرسال سفينتين حربيتين وآلاف المشاة البحرية إلى الشرق الأوسط، جميعها ستتمركز في المنطقة الاستراتيجية الممتدة من قناة السويس إلى مضيق باب المندب، مُرورًا بالبحر العربي والمحيط الهندي، وُصُـولاً إلى جزيرة سقطرى.

على كُـلٍّ، فَــإنَّ التصعيدَ الأمريكي المُستمرُّ في اليمن، ستكون له تداعياتٌ كبيرةٌ على مستقبل الحرب، وبالتأكيد على مستقبل قوى العدوان السعوديّ الإماراتي ومرتزِقتها، حَيثُ يؤكّـد مراقبون أن التصعيدَ سيؤدي في نهاية المطاف إلى استئناف الحرب، خُصُوصاً مع استمرار العدوان السعوديّ، التنصل من تنفيذ التزاماته في الملف الإنساني؛ وهي الحرب التي تؤكّـد مجمل المؤشرات، أن نتائجَها ستكون لصالح الشعب اليمني، إذَا ما أدركنا مختلف التطورات والمعطيات والحقائق على الواقع.

 

التخفّي وراءَ الذرائع:

وبخصوص تبريرات الإدارة الأمريكية بشأن إرسال قوات أمريكية إلى البحر الأحمر، يؤكّـد السياسيون أن أمريكا تمارس التمويه على الأهداف التي تسعى لتحقيقها والأجندات التي تنفذها، حَيثُ ربطت مبرّرات إرسال قوات جديدة إلى البحر الأحمر بتعرض سفن أمريكية وغربية أُخرى لحوادث ومضايقات، غير أن الأحداث التي سردتها وسائل الإعلام كتبريرات غير رسمية، كلها كانت في البحر العربي وخليج عمان.

ومنها على سبيل المثال ما قالته “مونت كارلو” بأن هذا التطور عقب إعلان الجيش الأمريكي أن إيران احتجزت أَو حاولت السيطرة على زهاء 20 سفينة خلال العامَينِ الماضيَّينِ، ومنها محاولتان إيرانيتان لاحتجاز ناقلتَي نفط في المياه الدولية قبالة عمان في الخامس من يوليو الماضي، بينما صادرت طهران سفينة تجارية في اليوم التالي في بحر عمان، وبين نهاية أبريل ومطلع مايو، صادرت إيران ناقلتين في غضون أسبوع في المياه الإقليمية في البحر العربي، كما اتُّهمت إيران بشن هجوم بطائرة مسيَّرة على ناقلة مملوكة لشركة إسرائيلية في نوفمبر 2022م.

كلّ هذه الحوادث وقعت في البحر العربي وليس في البحر الأحمر التي اتجهت إليها القوات الأمريكية الجديدة، ومع ذلك ساقتها وسائل الإعلام الغربية والأمريكية ضمن مبرّرات وصول القوات الأمريكية إلى البحر الأحمر؛ وهو أمر يتنافى مع الهدف الذي أفصحت عنه الإدارة الأمريكية من أن إرسال القوات؛ بهَدفِ ردع أنشطة إيران في البحر الأحمر.

لقد باتت جميعُ دولِ المنطقة على بيِّنة من حقيقة واضحة، مفادُها: أن مصلحة الأمريكي والإسرائيلي، تقتضي تأجيج وتأزيم الأوضاع في المنطقة، عبر خلق الفتن واصطناع أعداء وهميين لدولها، وليس هناك من دليل أوضح على ذلك من الغضب الأمريكي الإسرائيلي والبريطاني، سوى تحذيرات قائد الثورة والقيادة السياسية بحماية المياه اليمنية الإقليمية والممرات والجزر اليمنية.

ولهذا فَــإنَّ التحَرّكات الأمريكية جاءت؛ بهَدفِ إفشال أي جُهد تقودُه القيادة الثورية والسياسية ودول المحور يمكن أن يصب في صالح تشكيل قوة بحرية مشتركة بين دول المنطقة؛ لتوفير أمن ممراتها المائية في الخليج العربي وبحر عمان بشكل عام، وكذلك في البحر الأحمر “الممر العالمي باب المندب” وبحر العرب بشكل خاص، دون تدخل أمريكي أَو دولي؛ لأَنَّ التدخل يهدف إلى السيطرة والتحكم خُصُوصاً في المناطق الاستراتيجية اليمنية، وهذا لم يتحقّق بفضل التوجّـه الاستقلالي للقيادة الثورية والسياسية، وهذا التوجّـه بالنسبة لأمريكا يمثل تهديداً للسلام الدولي وأمنه واستقراره، ويشكل تهديداً غيرَ عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وتشير التحَرّكات الأمريكية في البحر الأحمر إلى عزم الولايات المتحدة على إشعال فتيل حرب قادمة مجدّدًا في المياه الإقليمية اليمنية، وهذه المرة تحديداً في مضيق “باب المندب” تحت ذريعة حماية المياه الدولية والممر الدولي، والتي تكون أكبر معركة بحرية وعالمية.

وتحاول أمريكا من خلال نشر المزيد من الجنود في البحر الأحمر الضغط على أصحاب القرار في اليمن سلطة صنعاء، والتلويح بالقوة لإجبارهم على الدخول في مفاوضات حسب المزاج الأمريكي السعوديّ، بمعنى آخر الدخول في مفاوضات “استسلام” لا “سلام”.

وَإذَا كانت أمريكا تلوح بالعصا الغليظة في وجه اليمنيين، فَــإنَّ صنعاء هي الأُخرى تلوح بالعصا الأغلظ؛ ولهذا نفهم تهديدات وزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي حين يقول: “سنقابل التصعيد بالتصعيد”؛ ولذا فقد كانت رسائل صنعاء واضحة للجانب الأمريكي بأننا لن نقبل بعسكرة البحر الأحمر أَو الاقتراب من المياه الإقليمية اليمنية؛ لأَنَّ ذلك يعني الدخول في معركة كبيرة جِـدًّا هي الأكثر كلفة في التاريخ.

ونستنتج مما سبق أن صنعاء ستكون صاحبة كلمة الفصل، وهي التي سترسُمُ المعادلة، وأن الانجرار الأمريكي لتفجير معركة بحرية سترتد وبالاً عليه، وأنه لا مناصَ في نهاية الأمر من إنهاء كافة التواجد الأجنبي في اليمن، وعلى رأسه الأمريكي والبريطاني، ووضع حَــدٍّ للعبث والاستخفاف الأممي الغربي بحياة اليمنيين، وما التحذير الأخير لقائد الثورة قائد القول والفعل إلَّا خير دليل على ذلك.

 

المسيرة 

قد يعجبك ايضا