مقتطفات من المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرين للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 25 رمضان 1444هـ

– تحدثنا عن نعمة الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعمة البيان والنطق والتعبير باللسان وما يتبع ذلك من الكتابة وأهمية هذه النعمة على الإنسان ودورها الواسع في مختلف شؤون حياتهم، وكيف تسير عليها شؤون حياتهم.

– الرقابة الإلهية على الإنسان في استخدام هذه النعمة.. أيضاً كيف أتاح الله سبحانه وتعالى استخدام هذه النعمة في مجالات مهمة جداً لها أهمية كبيرة على المستوى الإيماني والتعامل مع الله سبحانه وتعالى.

–  أتاح لك كإنسان أن تستخدم هذه النعمة في التعامل معه، أن تتوجه إليه من خلال الحديث معه من موقع العبودية تناجيه وتتضرع إليه وتسأله ما تريد وما تحتاج إليه.. وهكذا على نطاق واسع.

– من مجالات الاستخدام الإيماني ذات الأهمية الكبيرة والتي قد يكون لها صلة أساسية بما ورد في الحديث النبوي (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل بها عليه سخطه إلى يوم القيامة).

– عندما نتأمل في هذا الجانب نجد أهمية كبيرة في الكلام وما يقوله الإنسان، والربط بما هو مكنون في قلبه وأيضاً فيما يتصل بالجانب العملي.. هناك تلازم في إيمانك ما في قلبك ونفسك وواقعك العملي.

– أنت في واقعك الإسلامي تشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ويتكرر هذا الأمر في صلاتنا وغيرها، وله أهمية كبيرة جداً، ويجب أن يكون منطلقاً من قناعة كبيرة لدى الإنسان، من اعتقاد جازم وصحيح، وأيضاً يرتبط به الممارسة العملية.

– ميزان الشهادتين ميزان عظيم عندما تنطلق من اعتقاد إيماني من الإنسان وتوجه عملي { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }.

– تحدث القرآن أيضاً عن أصحاب النجاشي {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ }

. – تعبيرنا عن انتمائنا للإسلام وعبوديتنا لله، تعبيرنا عن الإيمان بالرسالة الإلهية هو جانب أساسي من أهم ما نقوله وتعبيرنا في انتمائنا الإيماني {قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.

– ثم في إعلان الإيمان نفسه كموقف يتحرر فيه الإنسان من العبودية للطاغوت ويؤكد فيما يمارسه في الحياة من عبوديته لله تعالى نجد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ما يؤكد هذه المسألة أن توجهنا الإيماني في مسيرة حياتنا، عندما يكون في مساره الصحيح هو تحرر من عبوديتنا للطاغوت.

– على مدى التاريخ كان التعبير عن الانتماء الإيماني هو بحد ذاته موقف من الطاغوت، وموقف من العبودية للطاغوت، وموقف مما يسعى الطاغوت إلى استعباده للناس واخراجهم من النور إلى الظلمات.

– سجل القرآن الكريم الكثير من المواقف التي عبر فيها المؤمنون بما قالوه عن انتمائهم الإيماني وعدم خضوعهم للطاغوت.. فكان موقفهم في ذلك الموقف العظيم كان له شأن كبير لدى الله وأن يخلد ذكرهم عبر الأجيال وأن يكونوا نموذجاً ملهماً وهادياً للأجيال من بعدهم، وأن يعبر عن أثر الإيمان في نفس الإنسان.

– من ضمن ذلك موقف أصحاب الكهف الذين قال عنهم في القرآن الكريم: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } كان مقامهم وما قالوه في ذلك المقام وتعبيرهم في ذلك المقام عظيماً ومهماً جداً له أهميته في رضى الله سبحانه وتعالى عنهم، وأهمية في موقفهم من الطاغوت، ترى كم للكلمة في مقامها التي تعبر عنه.

– في قصة مؤمن آل فرعون، كذلك في مقام مهم وحساس، مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه، لكنه في تلك اللحظة وذلك المقام والذي عرف فيه بتوجههم توجه فرعون بهدف قتل موسى عليه السلام {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.

 

– في تلك اللحظة التي بلغ فيها الصراع بين الحق والباطل بين فرعون وموسى للذروة، ماذا كان موقفه وكلامه الذي سطره الله في القرآن الكريم؟ {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} ثم يستمر وهو يورد كلام ذلك الرجل المؤمن في الموقف الصعب في ذلك الموقف الذي يخاف فيه الإنسان قول كلمة حق.

– في ختام كلامه يقول: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)}، فكان كلامه في ذلك المقام، كلامه المعبر عن الإيمان، كلامه الذي دعاهم إلى الله تعالى، إنذاره لهم في مستقبلهم في الآخرة من العذاب.

– من المواقف القرآنية مؤمن أهل القرية في سورة يس، أهل القرية الذين أرسل إليهم ثلاثة من رسله فكذبوهم وعاندوهم وهددوهم إذا استمروا في الرسالة أن يقتلوهم.

–  في ذلك الظرف الخطير يأتي ذلك المؤمن بكلامه العظيم والمعبر عن وعيه وإيمانه وإخلاصه لله سبحانه وتعالى واستجابته للحق { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24) إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ }.

– وفي كلا المواقف الثلاثة كيف كانت النتيجة، في قصة أهل الكهف حظوا برعاية عجيبة وجعلهم من آياته العجيبة في قصة رقدتهم، في قصة مؤمن آل فرعون وما نتج لقومه نتيجة عنادهم، في قصة مؤمن أهل القرية أصابتهم الصيحة وهو استشهد ودخل الجنة.

– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء منه يعود إلى هذه الوسيلة بالنصح والتوجيه وغير ذلك.. { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فيصبح من أهم المسؤوليات الإيمانية أن نتحرك في سبيل الله تعالى.

– في مسألة التواصي بالحق من أهم عوامل النجاة التي ذكرها في القرآن الكريم، نوصي بعضنا بعضا بالحق. { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر } هنا للكلمة أهميتها وأجرها عند الله سبحانه وتعالى وفضلها.

– في الظروف الحساسة والمقامات الصعبة يكون للكلمة المعبرة عن الصبر والتي تلهم الناس الثبات على الحق وتعزز الثقة لدى الناس، ولها أهمية كبيرة عندما يسمع عنها العدو يهزم نفسياً ويصاب بالإحباط.. يكون لها قيمة إيمانية وترضي الله سبحانه وتعالى.

– كذلك يسطر القرآن موقفاً مهماً يبين فيه قيمة الكلمة الحق التي تعبر عن الثبات وتدفع بالناس تجاه الموقف الصحيح كما في قصة نبي الله موسى مع قومه وهو يحاول دفعهم للجهاد ويشجعهم على ذلك في اقتحام قرية { قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } هذا كلام يعبر عن ماذا؟ عن تخاذل وقلة صبر وهوان، كلام معبر عن رفض للاستجابة لله سبحانه وتعالى.

– في المقابل كيف يكون الموقف المعبر للموقف الصحيح { قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } كيف تميز كلام ومقال هذين الرجلين، وقال { أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا } كان موقفاً يعبر عن وعي واستجابة عملية لله سبحانه وتعالى ورؤية صحيحة.

– عندما نتأمل الواقع هناك اتجاهان، اتجاه الكلمة الطيبة، واتجاه الكلمة الخبيثة {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ }.

–  الكلمة الطيبة المعبرة عن الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، الكلمة الطيبة التي تحيي الأمة وتدفع بالناس إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى وفي المقابل الكلمة الخبيثة التي تخضع الناس للطاغوت وتبعدهم عن كلمة الحق

– الكلمة الطيبة تستنهض الناس، والكلمة الخبيثة تثبطهم

–  الكلمة الطيبة التي تعزز حالة الصبر والصمود والثبات، أما الكلمة الخبيثة فهي تدفع الناس إلى الانهيار والضعف.

– الكلمة الطيبة يجب أن تكون حاضرة في أوساطنا وواقعنا وأن ندرك أهميتها فيما نقول ولو غابت الكلمة الطيبة تحل محلها الكلمة الخبيثة التي يرددها الخبثاء في كل اتجاهات الباطل.

– أيضاً في التعامل فيما بين الناس، من المهم أن يركزوا على أن يقولوا الأحسن، أحسن تعبير {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} لأن الكلمة المستفزة إذا حلت مكان الكلمة التي هي أحسن تكون نتيجتها التفرقة بين الناس.

– ويبقى لنا أن نتحدث عن المحاذير وعن الاستخدام السيء لنعمة اللسان والبيان والنطق والكتابة وما يترتب على ذلك من مخاطر على الناس وما ينتج عن ذلك من التبعات والجزاء.

قد يعجبك ايضا