يمانيون على درب الحسين.. اليمنُ كربلاء العصر

عانى اليمنيون، خلالَ ثماني سنوات مضت، الويلاتِ؛ جَــرَّاءَ العدوان الأمريكي السعوديّ، ولعَلَّ أبرزَ توصيف لهذه المعاناة هو ما تحدث عنه الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، بأن “كربلاء العصر هي ما يجري في اليمن”.

كان حديثُ السيد حسن في خطاب له بمناسبة ذكرى عاشوراء عام 2018م، واضحًا من خلال ملامحه وحديثه مدى الحزن والألم الذي يحملُه في قلبه وهو يرى الشعبَ اليمنيَّ يُقتَلُ بأفتك الأسلحة من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ، مع صمتٍ مطبقٍ للعالم العربي والإسلامي.

قال السيد حسن في ذلك اليوم: “نجدِّدُ وقوفَنا إلى جانب الشعب اليمني المظلوم المعذب المقاوم والمجاهد، والذي يعيش في كُـلّ يوم وعلى مدى الساعات كربلاء متواصلة، كربلاء العصر هي التي تجري الآن في اليمن بكل ما للكلمة من معنى؛ لأَنَّك في معركة اليمن عند هذا الشعب المظلوم ستجد مظلومية كربلاء وغربة كربلاء وحصار كربلاء وعطش كربلاء وحصار العالم لكربلاء وتخلي الأُمَّــة عن كربلاء، وهذا هو الذي يجري اليوم في اليمن”.

وَأَضَـافَ نصرالله “المشهدُ الآخرُ من كربلاء الصلابة، والشهامة، والشجاعة، والبطولة، والصبر، والثبات، أَيْـضاً تجده في اليمن، نحن في يوم الحسين -عليه السلام- نرى أنه من أوجب الواجبات على الشعوب العربية والإسلامية وعلى كُـلّ عربي ومسلم وعلى كُـلّ إنسان شريف وحر في هذا العالم أن يخرج عن صمته إزاء هذه المجزرة البشعة اليومية التي تنفذها قوى العدوان الأمريكي السعوديّ على الشعب اليمني، هذا الصمت يجب أن يُكسر وهذا السكوت يجب أن ينتهي، ويجب أن يتحَرّك كُـلّ العالم، وهذه المسؤولية مسؤولية إنسانية وأخلاقية ودينية واللهِ سيسأل الجميع عنها يوم القيامة؛ لأَنَّ هذا السكوت ولأن هذا الصمت يشجِّع هؤلاء المجرمين القتلة على مواصلة مجازرهم وعلى مواصلة توحشهم بحق الأطفال والنساء والمدنيين والبشر والحجر في هذا اليمن المظلوم وهذا اليمن العزيز والغريب”.

ويعد موقف السيد حسن هو الأكثر شجاعةً عربياً وإسلامياً لمناصرة الشعب اليمني ومساندته في محنته، وهو خير من وصف وشخص وحلل الواقع اليمني، وأبرز من دعا لوقف هذا العدوان ومجازره المتوحشة، وهو موقف لا يمكن أن ينساه اليمنيون أَو أن يمحى من ذاكرتهم.

مظلوميةٌ واحدة:

وإلى يومنا هذا لا يزال الشعبُ اليمني يضمِّدُ جراحَه، ويعبّر عن مظلوميته لكن بشموخ وكبرياء؛ فالمسيرات التي خرجت في عموم محافظات الجمهورية لإحياء ذكرى عاشوراء، هي فرصة كذلك لتذكير العالم بما حدث لليمنيين من تنكيل وقتل وإبادة؛ كي لا تدفن هذه المظلومية وتمحى كما نسيت ومحيت فاجعة “كربلاء” على امتداد القرون السابقة.

في هذا المسيرات شارك أبناء الشعب اليمني بمختلف فئاتهم العمرية، وحضر المعاقون والجرحى وكبار السن والنساء والأطفال، في مشهدٍ جسَّدَ لوحةً فنيةً تعكسُ في كُـلّ زاوية منها مدى عمق وارتباط الشعب اليمني بالإمام الحسين –عليه السلام- وصدق التولي له ومكانته في قلوب الشعب المتحَرّك في مقارعة الطغاة والمستكبرين منذ بزوغ الدعوة الإسلامية وإلى يومنا هذا، والمتمسك بكتاب الله وعِترة آل البيت الطاهرين، مجددين ولاءَهم لقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي عاش تفاصيل كربلاء، ومحنة كربلاء، مع شقيقه قائد المسيرة القرآنية الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، وأهل بيته في مأساة مران.

التاريخ كما يقولون يكرّر نفسه، وما حدث للشهيد القائد جريمة تتشابه في تفاصيلها وأحداثها مع فاجعة كربلاء، في الحصار، والقتل، وظروف المواجهة مع الطغاة والمستكبرين، فالخائن علي عبد الله صالح، وجنوده تجاوزوا في إجرامهم ووحشيتهم يزيد بن معاوية، والعدوان الأمريكي السعوديّ اليوم يتجاوز وحشية اليزيد وصالح.

ويقول المواطن عبدالله غالب المؤيد: “من لا يعرف مدرسة الحسين -عليه السلام- فهي اليوم حاضرة، وحية في نهج المشروع القرآني، ومؤسّسه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي -رحمه الله-، والمسيرة القرآنية وقائدها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله-، ومن لم يعرف كربلاء فكربلاء حاضرة في اليمن منذ الحرب الأولى على محافظة صعدة وما بعدها من الحروب الست وُصُـولاً إلى 9 أعوام من العدوان الأمريكي السعوديّ الصهيوني”.

ويضيف المؤيد في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “كربلاء اليمن هي ذاتها كربلاء الحسين في العراق، وقوى العدوان بقيادة أمريكا هم اليوم من يمثلون تحالف بنو أمية وجبروتهم، بل إن ما يحدث اليوم من المآسي والمظالم في هذا العالم وبحق أمتنا على وجه الخصوص هو امتداد للنهج الأموي المنحرف عن الدين الإسلامي والمخالف للقرآن الكريم، والمواليين لليهود والنصارى”.

ويتابع المؤيد “من يقتدي بالإمام الحسين لا يمكن له أن يصمت أَو يتخاذل في مواجهة أمريكا وإسرائيل وأدواتهم العميلة من المنافقين، ولا يمكن له أن يقعد مع الخوالف، بل سيكون حسينًا قولًا وفعلًا، وستكون الجبهات المقدسة، وميادين الجهاد المقدس قبلته ومقصده، ولا يمكن له أن يتراجع في التضحية؛ ذوداً عن دين الله وعن الفطرة البشرية”.

جرحى على درب الحسين:

في مسيرة عاشوراء بصنعاء يقف المجاهد الجريح حسين علي عبد الله، مبتورة قَدَماه، وهو على كرسي متحَرّك ومعه الكثير من الجرحى والمعاقين المشاركين في المسيرة الحاشدة، فهو لم يتخاذل أَو يقعد، بل قدم إلى ساحة المسيرة في شارع المطار بصنعاء ليجدد ولاءَه وحبَّه واتِّباعه لنهج الحسين -عليه السلام- ويَفيَ مع الله ببيعته التي قدَّم منها قدَمَيه في جبهة البقع على الحدود مع العدوّ السعوديّ المجرم، على أرض كربلائية يمانية هزت العالم، بمظلوميتها وصمودها.

ويقول الجريح حسين في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “ماذا أقول للحسين يومَ لقياه وأنا أحمل اسمَه لا بدَّ لي من السير على خطاه والفوز بما فاز به من الشهادة في سبيل الله، وتقديم نفسي ومالي وكلّ ما أملك فداء له، كما قدم هو ذلك؛ ذوداً عن دين الله ونصرة للمستضعفين؛ ودفاعاً عن الرسالة التي بعث بها جده المصطفى محمد -صلوات الله عليه وعلى آله-“.

ويضيف: “كُـلّ هذه الجراحات لا تساوي شيئاً أمام ما قدمه الحسين بن علي -عليهما السلام- من التضحيات الجسيمة في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله وإعادة ضبط بُوصلة الأُمَّـة نحو الدين الإسلامي ونحو القرآن الكريم وعترة آل البيت عليهم السلام”.

الجريح جلال محمد العبري، هو الآخر حضر إلى المسيرة وقدَمُه اليسرى مكسورة، كان حاضراً وسطَ الجموع بعكازته، متجاوزاً كُـلّ الآلام والمتاعب.

ويقول في حديثه لصحيفة “المسيرة”: “تهون كُـلّ مآسي الدنيا حين نتذكر ما حصل مع سبط رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، الإمام الحسين “عليه السلام” وفاجعة كربلاء تتقزم أمامها كُـلّ الأهوال والأحداث، وحضورنا ومشاركتنا في هذا اليوم الحزين مهم؛ لنرسل رسائلنا لأعداء الحسين من اليهود والنصارى والمنافقين الجاثمين على صدر الأُمَّــة بطغيانهم وتجبرهم من ذلك اليوم إلى اليوم”.

ويتابع العبري: “نقول لأُولئك الطواغيت بأن دماء الحسين وشجاعة الحسين وإباء الحسين وثورة الحسين باقية في عروقنا ما حيينا ومنها نستمد صمودنا وصبرنا في مواجهتكم وإفشال مخطّطاتكم ومؤامراتكم المستهدفة للدين الإسلامي بقيمه ومبادئه”.

ويؤكّـد العبري وبجواره طفله ذي الثلاثة أعوام: “نحن وأطفالنا فداء للحسين ولمن يواصل مسيرة الحسين ممثلة بقائد الثورة سيدي ومولاي عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- ولن نتراجع أَو نتخاذل في الجهاد تحت لوائه قيد أنملة، ونحن أحفاد الأنصار من ناصروا جده واستشهدوا تحت لوائه”.

الحاج أحمد علي محسن حميد، وهو في السبعين من عمره، كان حاضراً يهتفُ بأعلى صوته: (هيهات منا الذلة) رافعاً شعار الإمام الحسين -عليه السلام- بكل عزة وعنفوان.

ويؤكّـد في حديثه لصحيفة “المسيرة” على أهميّة أخذ الدروس والعبر من نهج الحسين ومن علاقته القوية بالله وثقته العالية به، وباستشعاره للمسؤولية، داعياً شعبنا اليمني إلى الوقوف صفاً واحداً خلف القائد الرباني الحسيني السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- وعدم خُذلانه؛ تجنباً لسخط الله؛ وتحاشياً لتكرار خذلان أهل الكوفة للإمام الحسين -عليهم السلام-.

بدوره يقول الحاج عبدالله محسن السقاف، ذو الثمانين عاماً وجسده يرتعش ويداه بالكاد ترفعان راية “هيهات منا الذلة”: “سلام الله على الإمام الحسين وعلى كُـلّ من يسير على دربه ويقتدي بنهجه، وروحي وروح كُـلّ مؤمن له الفداء”.

ويتابع: “كذلك يجب على شعبنا اليمني ألا ينسى فضل المسيرة القرآنية التي أعزنا الله بها، ومنّ علينا بقيادتها، التي أخرجتنا من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى ومن الذلة إلى العزة”.

 

المسيرة – منصور البكالي

قد يعجبك ايضا