ماذا ستفعل إمارة دبي مع الكم الهائل من الديون؟

 

تتدهور الأوضاع المالية في إمارة دبي بشكل متسارع قد يدفع الإمارة الخليجية إلى نفق مظلم من الديون، مع استمرار تداعيات أزمة فيروس “كورونا” المستجد.

 

وتواجه المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في الإمارات، مأزقا جراء خفض تصنيف هيئة كهرباء ومياه دبي، إلى “Baa2” من “Baa1″، مع نظرة مستقبلية سلبية، بحسب وكالة التصنيف العالمية “موديز”.

ويعني تراجع التصنيف الائتماني وجود مخاطر في الاستثمار، ما يؤدي إلى صعوبة الحصول على قروض جديدة بشروط مقبولة.

وتتسبب ديون شركة “إن إم سي هيلث”، أكبر مزود لخدمات الرعاية الصحية في الإمارات، المقدرة بحو 6.6 مليارات دولار، في صعوبات مالية لعدد من البنوك في الإمارة على رأسها بنك دبي الإسلامي بمديونية تبلغ 541 مليون دولار، وبنك الإمارات دبي الوطني بأكثر من 203 ملايين دولار، وهي مديونية مشكوك في تحصيلها.

تركة من الديون

تتعرض عاصمة المال والاستثمار والسياحة في الخليج الفارسي، لضغوط مالية عنيفة، وأزمة في التمويل، مع تزايد ثقل عبء الديون على كاهلها.

ويبلغ عبء ديون دبي نحو 135 مليار دولار، وهو ما يمثل 125% من الناتج الإجمالي، وتحل مواعيد استحقاق نصفها تقريبا قبل نهاية 2024، وفق وكالة “ستاندرد آند بورز جلوبال” للتصنيف.

لكن تقارير غربية -غير رسمية- تشكك في تلك التقديرات، بدعوى عدم شفافية حكومة دبي، وتقدر حجم ديونها بـ235 مليار دولار، تشمل 142 مليار دولار ديونا حكومية، و93 مليار دولار كديون للشركات التابعة للحكومة.

وتتحمل مصارف إماراتية حوالى 23 مليار دولار من ديون الشركات الحكومية بدبي، ويحل أجل سدادها بنهاية 2021، بحسب وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني.

وتشير التوقعات إلى أن أحد أكثر مدن العالم جذبا للزائرين، بصدد التعرض لضربة مالية مؤلمة، مع فقدان حصيلة إجمالية متوقعة لا تقل عن 28 مليار دولار، وهي حجم الإنفاق السياحي المباشر في 2019.

ويشكل قطاع السياحة 11% من الناتج المحلي للإمارة، التي زارها أكثر من 16 مليون سائح العام الماضي، مقارنة بحالها الآن، وهي خاوية تبحث عن السياح.

وتأزم الوضع المالي لدبي، بشكل أكبر مع تأجيل المعرض الدولي “إكسبو 2020″، إلى العام المقبل، والذي كان من المتوقع أن يجذب نحو 25 مليون سائح للإمارة.

تأجيل السداد

المعطيات السابقة تؤكد أن الوضع المالي لدبي بات في حالة يرثى لها، خاصة أن الإمارة مثقلة أصلا بقرض ضخم قيمته 20 مليار دولار، كانت قد حصلت عليه خلال أزمتها المالية عام 2009.

وفي مارس/آذار 2014، وافقت حكومة أبوظبي على إعادة تمويل القرض لخمس سنوات بفائدة سنوية 1%.

وفي مارس/أذار 2019، كان من المستحق سداد القرض، لكن جرى تمديده من جديد، وفق “رويترز”؛ نظرا لتضرر اقتصاد دبي من قرار أبوظبي إلى جانب السعودية والبحرين ومصر، بفرض حصار على قطر، يونيو/حزيران 2017.

ويمنح النظام الاتحادي للدولة الخليجية، كل إمارة الحق في الاستقلال المالي الكامل، دون أية التزامات قانونية بتمويل عجز إمارة أخرى، ما يعني أن القروض المقدمة من أبوظبي إلى دبي، تحمل اشترطات القروض المقدمة من دولة إلى أخرى.

وإلى جانب الديون، فإن الإمارة السياحية، وبسبب تداعيات فيروس كورونا، من غير المرجح أن تحقق نفس رقم الإيرادات التي حققتها عام 2019، وفي حين أن الإمارة كانت قد أعلنت عن موازنة عام 2020 بعجز متوقع 2.5 مليار درهم (681 مليون دولار)، فإن تقديرات العجز باتت مرشحة للزيادة بقوة، مع استمرار تداعيات أزمة “كورونا” وتأجيل “إكسبو 2020”.

خيارات دبي

في ضوء ذلك، بات أمام إمارة دبي خيارات معقدة لتمويل موازنتها. ويعد الخيار الأول هو اللجوء إلى إمارة أبوظبي الغنية بالنفط مجددا، لإبرام صفقة إنقاذ مماثلة لما جرى في 2009، وهو خيار يبدو صعبا نظرا لتعثر أبوظبي هي الأخرى جراء الانهيار الحالي لأسعار النفط، واستنزاف مواردها في صراعات خارجية في اليمن وسوريا وليبيا، ناهيك عن أن هذا الخيار سيأتي بتكلفة سياسية عالية تتمثل في فقدان دبي المزيد من ثقلها السياسي داخل الاتحاد الإماراتي لصالح أبوظبي.

وقبل أيام، انضمت أبوظبي إلى نادي المقترضين، واقترضت 7 مليارات دولار عبر إصدار سندات سيادية (أدوات دين) على ثلاث شرائح، الأولى بقيمة ملياري دولار لمدة 5 سنوات، والثانية بقيمة مماثلة لمدة 10 سنوات، والثالثة بـ3 مليارات دولار لمدة 30 عاماً.

الخيار الثاني، أن تقوم حكومة دبي والشركات الحكومية بإبرام اتفاقات مع الجهات الدائنة لإعادة هيكلة ديونها، وتآجيل آجال الاستحقاق للديون التي تحل قبل نهاية 2024، مقابل نسب فائدة مرتفعة.

أما الخيار الثالث فيتمثل في لجوء الإمارة إلى وسائل متنوعة للتمويل، عبر طرح أنواع مختلفة من السندات والصكوك وضمانات الصادرات والتوريق، بحسب تصريحات المدير العام لدائرة المالية في دبي، “عبدالرحمن آل صالح”، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ومنذ العام الماضي، تجري دبي (لم تطرح سندات حكومية منذ 2013)، محادثات مع بنوك بشأن العودة إلى أسواق الدين العالمية.

وتشمل الخيارات المطروحة فعليا على طاولة حكومة دبي، إصدار أول سندات “يورو بوند” منذ عام 2016، بحسب وكالة “بلومبرج ” الأمريكية.

لكن الخيار الماثل المطروح بقوة على الطاولة حاليا هو السعي للحصول على قروض دولية. وفي مارس/آذار الماضي، دخلت حكومة دبي في عملية تفاوض مع 10 بنوك عالمية للحصول على قروض بقيمة 9 مليارات دولار؛ للاستحواذ الكامل على شركة موانئ دبي العالمية لتشغيل الموانئ.

وفي أبريل/نيسان الجاري، جرى الكشف عن محادثات بين دبي وبنوك سبق أن أقرضت الإمارة، لمعرفة إمكانية تقديم تمويل يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار، بحسب “رويترز”.

وفي ضوء ذلك، فإن توقعات الإمارة لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.2% العام الجاري، قد ذهبت أدراج الرياح، ومن المرجح أن دبي سوف تواجه انكماشا اقتصاديا ربما يدفعها في خضم أزمة ديون سيادية جديدة.

قد يعجبك ايضا