مقتطفات من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر( الدرس الثالث) 03-12-1443 هـ

 

تحدثنا عن أسس العلاقة في المجتمع.. وأول عنوان في هذه الأسس هو الرحمة.. والرحمة من أهم القيم الإيمانية الإنسانية التي هي أساس في التعامل فيما بين المؤمنين وأساس مهم جداً تقوم فيها العلاقات بين المجتمع البشري.

الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم وهو أرحم الراحمين، ولهذا تأتي قيم الرحمة في كل تعليماته، بل كل ما شرعه لنا هو من منطلق رحمته بنا.

 يقول الله سبحانه وتعالى عن مواصفات المؤمنين “رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ” ويقول “وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ” ويقول أيضاً “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ”، قال أيضا “بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ”.

 

الرحمة أيضاً هي في موضع المسؤولية، ولهذا أتت كعنوان أولي من أولويات التعامل بين المجتمع.

 

أتى التحذير عن كل ما يؤثر سلباً على نفسية الإنسان وعلى مشاعره فيتحول إلى متوحش عديم الرحمة، أتى التحذير من الغرور والعجب والكبر وكل المؤثرات النفسية التي تبعد الإنسان عن قيم الرحمة ومشاعر الرحمة تجاه الناس.

 

 

 الرحمة في سلوكيات الإنسان تتجلى من خلال اهتمامه بأمر الناس وحرصه عليهم ألا يظلموا ويقهروا ويذلوا.. من خلال تألمه على آلامهم وأوجاعهم.. من خلال عفوه في الأمور التي يمكن العفو فيها.

 

يقول عليه السلام “أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب” مع قيم الرحمة من موقع المسؤولية هناك أيضاً العدل.

 

نحن مأمورون بالقيام بالقسط.. ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ” الإنسان مهما كان موقعه في موقع المسؤولية لا بد أن يكون منصفاً حتى من نفسه.

 

يجب على الإنسان أن يكون منصفاً، الإنصاف هو التزام إنساني وديني وأخلاقي، وهو يرفع من قيمته.

 

الله سبحانه وتعالى هو الذي يمنح العزة.. وهو الذي يمنحك أيضاً الود في قلوب عباده، ولذلك أحرص على أن لا توسوس.. وكن أحرص الناس على أن تخلص نفسك من أي مظلمة، وأن تبذل الحق، وأن تكون حقانياً من دون تردد وأنفه ولا كبرياء.

 

 

البعض من الناس قد يحتمي به خواص أهله “أقربائه” يستندون إليه وإلى موقعه ونفوذه فيمارسون الظلم على الآخرين أو يرفضوا من تأدية الحقوق إلى غيرهم.. وهو يوفر لهم الحماية فيكون شريكاً لهم في ظلمهم.

 

من تميل له وتحبه أو أي ارتباط استغله ذلك الآخر في أداء حقوق الآخرين مستنداً إلى ارتباطه بك.

 

“فإنك إلا تفعل تظلم” البديل عن الإنصاف هو الظلم، إن لم تنكن منصفاً تكن ظالماً، ومن ظلم عباد الله، كان الله خصمه دون عباده.. عندما تظلم أحد من عباد الله وأنت مستند إلى نفوذك وتأمن جانب أولئك المظلومين، تتصور أنهم لن يقدروا على أن يضروك أو ينصفوا أنفسهم منك، فتكون جريئاً عليهم.. أنت قد ورطت نفسك ورطة عظيمة لأنك ستكون في خصومة مع الله سبحانه وتعالى القوي العزيز القهار الجبار.

 

إذا كنت قد أمنت جانب من ظلمته، لأنه من المستضعفين، أو لأنك جريء عليه، فأنت في ورطة كبيرة لأنك قد ورطت نفسك في حرب من الله ولن تستطيع أن تقي نفسك من سخطه تعالى وغضبه.

 

“من خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع ويتوب”.. لا يمكن لأحد أن يغالط على الله سبحانه وتعالى أو يغطي الحقيقة فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى.. البعض من الناس قد يستند فيما يمارسه من ظلم وهو في منصب معين إلى التبريرات وإلى الأدلة المزيفة التي يحاول أن يقنع بها الآخرين لتبرير ما فعل.. ولكن لا يمكنك أن تفعل ذلك مع الله سبحانه وتعالى.

 

“وكان لله حرباً” كنت في حرب مع الله.. أن العبد العاجز تكون في خصومة، وأصبحت مشكلتك لن تكون مع ذلك الإنسان الذي كنت جريئاً عليه لأنه كان مستضعفاً، أصبحت مشكلتك مع الله سبحانه وتعالى، وهذا أمر خطير جداً.. فأنت معرض في كل لحظة في أن يأتيك الانتقام الإلهي حتى تنزع وتتوب عن ظلمك وتتوب إلى الله سبحانه وتعالى.

 

عندما يكون الإنسان في موقع المسئولية في أي مجال من مجالات العمل “القضاء، الجيش، وغيرها” فأبكر محذور يحذر منه هو الظلم، ليكن متنبهاً في ذلك.. ليكن حريصاً كل الحرص ويحافظ على نفسه في أن يقع في الظلم.

 

“وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد” حتى على مستوى العاجل، الظلم عواقبه وخيمة جداً في الدنيا والآخرة.. في الآخرة نار جهنم وسوء الحساب.

 

إضافة إلى ذلك العقوبات العاجلة في الدنيا، هو أكبر الذنوب في زوال النعم ونزول النقم.. الإنسان إذا كان في نعمة اليسر والعز والمكانة المحترمة والأمن.. فالظلم سبب من أسباب زوال النعم.. أن يسلب الله نعمه عليك بسبب إصرارك على الظلم.

 

 

أيضاً التعجيل بالنقم، بالعقوبات العاجلة.. وهناك دروس عجيبة في الحاضر والماضي، كيف كانت عاقبة الظالمين كانوا ملوكاً ورؤساء ونفوذ وسيطرة، وباستمرارهم على الظلم وإقامتهم ومبالغتهم فيه خسروا كل شيء وتغيرت كل أحوالهم وأذلهم الله وأخزاهم الله، وعوجلوا في الانتقام الإلهي.

 

 نجد من القيم المهمة جداً، ومن أسس التعامل من موقع المسئولية إلى جانب الرحمة، العدل.

 

 من أهم ما في العدل “الإنصاف” حتى من نفسك ومن أقربائك ومن خاصة رعيتك.

 

“وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، وأقل معونة له في البلاء، وأكره للإنصاف، وأسأل بالإلحاف، وأقل شكرا عند الاعطاء. وأبطأ عذراً عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر من أهل الخاصة وإنما عماد الدين وجماع المسلمين  والعدة للأعداء العامة من الأمة، فليكن صغوك لهم وميلك معهم”

 

 في التدبير لشئون العمل وفي برامج وسياسات العمل يجب أن يكون ذلك مبنياً على الاهتمام العالي بحسب مسؤوليتك ومستوى مسؤوليتك، هذا شيء مهم.. لا تتوجه مسؤولياتك تجاه فئة محدودة من الناس والباقين تتركهم.

 

 لو اتجه الإنسان على هذا الأساس أن يكون له أشخاصاً محددين ويترك البقية، فهذه سياسة خاطئة وفاشلة، وهي من الجور.. لأن الإنسان بمستوى مسئوليته يجب أن يتوجه اهتمامه في خططته وتدبيره العملي بشكل عام وبقدر الاستطاعة والإمكان، مثلا الاهتمامات الثقافية والخدمية والإحسان والاهتمام بهموم الناس ومشاكلهم، ولكن مع مراعات العدل، لأن كل سياساتك يجب أن تكون مبنية على العدل.

 

“فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة”.. لو أن الإنسان اهتم بفئة معينة فقط، ثم سخط عليه بقية الناس، فلا قيمة للعمل الذي يقوم به، فرضاء الخاصة لا يؤثر على رضاء العامة.. أنت بذلك خسرت الأكثر تأثيراً لنجاح العمل واستقرار الأمر بكل الاعتبارات.

 

عندما يكون الحالة السائدة في الواقع رضاء الناس بشكل عام، لا يؤثر سخط الخاصة.. فالأهم في معيار المسئولية والعدل هو رضاء العامة.

 

من ارتبطوا بك ارتباطاً خاصاً لمصالح خاصة، هم الأثقل مؤونة، مطالبهم واحتياجاتهم كثيرة، “وأقل معونة له في البلاء”  لأنهم يروا في أنفسهم الحق في أن يحصلوا على كل شيء وأن تقدم لهم كل الإمكانات، ولا يرون في أنفسهم الحق في أن يعطوا وينفقوا، فهم أقل معونة على مستوى تقدمة المال أو الجهد العملي في المواقف الجادة التي تستدعي التحرك.. “وأكره للإنصاف” لأنهم يرون أنفسهم الأهم في المجتمع.. “وأسأل بالإلحاف” يعني بالإلحاح الشديد.

 

“وأقل شكراً عند الاعطاء” لأنهم يعتبرون لأنفسهم الحق في كل شيء، يأخذون دون شكر.. “وأبطأ عذراً عند المنع” لا يتفهمون الظروف أبداً ويسخطون عليك

 

 “وأضعف صبراً عند ملمات الدهر ” عندما تكون هناك مخاطر شديدة، فهم أقل وأضعف الناس صبراً عند ذلك.

 

الإنسان قد يتصور أنه الأكثر تأثيراً، وبناء على ذلك يوجه إلى خاصته كل الاهتمام، ويقصر في حق الناس.. فتكون النتائج معكوسة على أرض الواقع.

 

” وإنما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة” جماهير الأمة “الناس” عليهم يعتمد في إقامة الدين، بجهودهم وعطائهم ومواقفهم وهم الرصيد العظيم تستطيع أن تعتمد عليها في المواقف الخطيرة، بدلاً من مجموعة صغيرة تؤثرها على حساب الآخرين.

 

” وليكن أبعد رعيتك منك وأشنؤهم عندك أطلبهم لمعائب الناس” في تعاملك ما يرفع إليك من مساوئ الناس.

 

البعض فيهم طبيعة يحبون تتبع مساوئ الناس، ويرفعوا إليك بذلك، وأنت في موقع المسؤولية، إذا تعاملت مع كل ذلك بتفاعل وتقرب هذه النوعية من الناس وتشجعهم، فهو أسلوب خاطئ، لا تشجع هذا النوع من الناس.

 

:

من موقع المسؤولية على الإنسان أن يعالج ما ظهر من المساوئ، وأن يستر ما ستر.

 

فما ظهر يجب أن يكون الموقف منه موقفاً حاسماً.. وما كان خفياً يجب عدم البحث عنه.

 

“فاستر العورة ما استطعت” من المهم أن تكون الأجواء العامة أجواء خير.. لا تتحول كل السلبيات إلى ظواهر.

 

“أطلق عن الناس عقدة كل حقد” أنت من جانب نفسك لا تتعامل مع الناس من واقع نفسي معقد عليهم، أسعى إلى أن تكون نفسك صافية، تتعامل مع الناس وفق مشاعر صافية وليست معقدة.

 

ثم في واقع الناس أنفسهم أحرص على أن يكون واقعك العملي صحيحاً سليماً.. البعض في طريقتهم في العمل طريقة خاطئة، المطلوب أن يكون تعاملك فيه الرحمة والعدل والحكمة.

 

البعض من الناس أسلوبه في العمل أسلوب صدامي واستفزازي، حتى لو كان طبيعة العمل عادية، لكن أسلوبه في العمل استفزازي فيبعث في نفوس الناس السخط.

 

أيضاً عالج كل الأحقاد الموجودة.. إذا كانت هناك أحقاد، أبذل جهدك لإزالة الأحقاد.. لا تتركها تتفاقم.

 

حاول أن تحل الإشكالات القائمة بكل استطاعة، وأكيد أن هذا لن يرضى عنك الجميع، لأن هناك من سيعترض على ما تقوم به.

 

“واقطع عنك سبب كل وتر”  كل أسباب العداوات، إن كانت تصرفات خاطئة حاول أن تصححها، اسعى إلى أن تكون منصفاً

 

الأخطاء الواقعية يجب أن يكون هناك خطوات جادة وصادقة لتصحيحها.

 

 لا تحتفظ بالمشاكل والعقد، وتترك الساحة تتعبا بالتذمر وتتجاهل مشاعر الناس.. هذه مسألة خطيرة، ميدان عملك ومسؤوليتك هم الناس، مسؤوليتك تتجه نحوهم وتتعلق بهم، ولا بد أن تكون العلاقة بينك وبينهم علاقة إيجابية وتحل كل المشاكل، وإلا ستتحول تلك المشاكل ويكون لذلك تأثيرات سلبية.

 

لا تحاول أن تفتح مشكلة في موضوع ليس مؤكد

 

من يسعى إلى الآخرين، النمامون الذين يحرصون على نقل ما يستفزك على الآخرين، لا تتعجل في تصرفاتك إليهم.

 

الخطوة الأولى تجاه ما ينقل إليك أن تتحقق فيما ينقل إليك.. أما إذا كان الإنسان متسرعاً عجولاً، وبالذات عندما تستفز.

 

البعض يكون بارعاً في النقل واستفزازك، بطريقة “يولعك”.. لا تتسرع في اتخاذ الإجراء.. قد يمكن الذي نقل إليك نقل شيء غير صحيح وليس موجود في الواقع أو ينقل إليك بشكل مبالغ فيه.

 

الذي يسعى إلى إثارة الآخرين هو في واقع الحال “غاشاً” ليس “ناصحاً” لا تظن أنه من دافع اهتمامه وحرصه وينقل إليك.. وإن جاءك من الناصحين.

 

“ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.” التشاور مسألة مهمة جداً في أداء المسؤولية.

 

 

الله يقول لنبيه “وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ”، التشاور مهم ومفيد، ولكن من الذين تستشيرهم؟

 

 لا تعتمد في التشاور على بخيل.. لأنه كما قال الإمام عليه “لا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ ويَعِدُكَ الْفَقْرَ” يعدل بك عن كثير من الأمور التي فيها فضل.. فيه إنفاق، وهو بخيل.

 

لا تعتمد على الجبان في المشورة، لأن بعض الأمور تحتاج إلى قوة وشجاعة وتوكل على الله سبحانه وتعالى.

 

ولا تعتمد على الحريص يزين لك الشره بالجور.. يزين لك الأمر للحصول على الأشياء بالطرق الظالمة.

 

البخيل هو سيء الظن بالله، لا يثق بوعد الله القائل “وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ”.

 

الجبان هو السيء الظن بالله لا يثق بوعد الله بالنصر والتأييد

 

 

قد يعجبك ايضا