نهاية رجل اليمن الأول…

عين الحقيقة/كتب/محمد علي فقيه

المصدر / الميادين نت

تستحق المواكبة الإعلامية التمهيدية التي خطّطت لها بجدارة قوات التحالف السعودي التي رافقت تحرّك الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، التوقّف عندها وقراءتها. فقد استقصد إعلام هذا التحالف اعتبار الثاني من ديسمبر كانون الأول الجاري يوم انتفاضة الشعب اليمني بقيادة صالح على “أنصار الله”(الحوثيين) بحيث جعلوه “الرئيس المنتصر على الحوثي المهزوم”، وأن ذلك اليوم هو “بداية لإنهاء مأساة اليمن وأنه لا حوثي بعد اليوم، وأن المؤتمر الشعبي قد أعلن رسمياً حربه على الحوثيين ليستأصلهم بعد ما أصبحوا خنجراً يطعن عروبتها، وأن الرئيس صالح يعمل على تشكيل مجلس عسكري بقيادة العميد طارق محمّد صالح، وأن جماعة المؤتمر أعادوا السيطرة على سفارات السعودية والإمارات والسودان، وبأن صالح الصماد مُحاصَر وأبو علي الحاكم تم اعتقاله مع قيادات حوثية أخرى”.

ورغم كل هذه “الإنجازات” أراد إعلام التحالف السعودي إبلاغ صالح أن ثقتهم به مفقودة وطالبوه بالكثير من الخطوات لإثبات حُسن النوايا، برغم اعتبارهم “أن هذه الانتفاضة هي في الأصل بداية لانتفاضة على المشروع الإيراني في المنطقة”.

المعارك بين أنصار المؤتمر الشعبي وأنصار الله ظلّت ثلاثة أيام حتى غداة الإثنين الرابع من الشهر الجاري، وكانت النتيجة أن إعلام التحالف السعودي أوهم الرئيس صالح من خلال قوة آلته الإعلامية أن انتفاضته ماضية على طريق الانتصار وأنهم يعوّلون عليه في هزيمة “الحوثيين”.

وتفيد معلومات صحافية يمنية موثّقة أن قوات التحالف أخبروه أنهم لا يثقون به بناء لتجربتهم المرّة معه. ورغم ذلك طالبوه العمل بالفعل لا بمجرّد الكلام لإعادة تعزيز الثقة به.

مصدر مسؤول في أنصار الله يقول “سبق لأنصار الله أن حذّروه مرات عديدة من عودة اتصالاته مع جهات محسوبة أو قريبة من السعودية والإمارات، إذ أن “أنصار الله” رصدوا ذلك وكانوا على عِلم بما يجري من اتصالات خليجية به”.

فحتى تاريخ بداية اصطدام الرئيس صالح مع “أنصار الله” في آب/أغسطس الماضي في ذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي، كان هناك إجماع على ما عهده الناس من صالح من ذكاء فطري حاد لدرجة عجيبة، حيث أعلن تمسّكه بالوحدة والتفاهم مع قيادة “أنصار الله”، وشكّل معهم المجلس السياسي المكوّن من عشرة نصفهم مُعيّن من المؤتمر الشعبي ونصفهم من أنصار الله، رغم أن حصّة “أنصار الله” كانت 2 من 5، والثلاثة الآخرون من أحزاب أخرى حيث رفض صالح أن يكون أحد من خارج المؤتمر الشعبي وأنصار الله ممثلين في المجلس، بحجّة أنه لا يوجد غيرهما كقوى كبرى.

المصدر يؤكّد بأنه “دائماً ما كان أنصار الله ينظرون بإيجابية إلى الرئيس صالح وقد ثمّنوا موقفه هذا بتجاوزهم مأساة حروبه الست معهم (2002-2009) وقتله لمؤسّس تنظيمهم السيّد حسين الحوثي. وكان بإمكانهم فور سيطرتهم على العاصمة صنعاء عام 2014 أن يتعاملوا معه، كما تعاملوا مع قائد حروبه تلك علي محسن الأحمر”.

ويضيف “رغم ذلك ظلّت العلاقة بين صالح وأنصار الله موضوع ترقّب وحذر. ففور دخول أنصار الله صنعاء عام 2014 كان أكثر ما يُقلقهم انقلاب صالح عليهم”، لأن “القلعة تسقط من داخلها” ما سيضطر أنصار الله إلى الدخول في فتنة حرب أهلية، فضلاً عن الصِدام مع القبائل من جهة البر، ومواجهة قصف الطيران العسكري السعودي من ناحية الجو. إلا أن الظروف لعبت دوراً مهما ًفي تأخير أيّ “صِدام” بين الطرفين.

ومع ذلك يدرك المتابعون لمسار الزعيم بالتجربة أن التحالف مع الرئيس علي صالح “غير صالح” والتجربة خير برهان.

في عام 1990 تحالف صالح مع الحزب الاشتراكي اليمني وكان شعاره الظاهر (الوحدة اليمنية)، وعندما وجد أن الفرصة حانت لإنهاء هذا التحالف، شنّ حرب صيف 1994 التي قضى فيها على حليفه الأقوى حينها علي سالم البيض، وأقصى كوادر الحزب الاشتراكي من كل مؤسّسات الدولة، وأحال الآلاف منهم إلى عاطلين عن العمل ومُلاحَقين.

كما تحالف صالح مع التجمّع اليمني للإصلاح (حزب الإخوان المسلمين) في 1994، متستّراً بثوب الدفاع عن الوحدة والثوابت الوطنية، وعندما وجد أن الإصلاح بات عقبةً كأداء أمام مشروع التفرّد بالسلطة وتوريثها، قام بإقصاء الحزب عبر انتخابات استخدم فيها كل الأساليب لتزويرها، ليصبح الإصلاح بعد ذلك خارج السلطة.

لم يكتفِ صالح بذلك بل قام بإلغاء المعاهد العلمية، وأقصى كوادر الإصلاح من كل مؤسّسات الدولة، حتى وصل الأمر إلى إقصاء أعضاء الحزب من مجرّد التعيين في منصب مدير مدرسة.

في العام 2012 دخل صالح في ائتلاف حكومي استأثر فيها بالأغلبية في الحكومة وفي الوظيفة، ولأنه وجد نفسه ليس رئيساً لها، وأن مشروعه التوريثي أصبح في مهبّ الريح، مارس كل أساليب التحريض على هذه الحكومة التي حقّقت ما لم يحقّقه صالح، وتمكّنت من تحقيق استقرار اقتصادي لم تشهده البلاد طيلة أكثر من 30 عاماً.  ورغم ممارسته كل أساليب التحريض والتشنيع بحكومة الوفاق، لم يتوقّف صالح عند ذلك، بل نكاية بالرئيس عبد ربه هادي، نائبه السابق، استدعى “أنصار الله” ومهّد الطريق أمامهم لدخول صنعاء والسيطرة عليها، على أمل أنه سيمارس لعبته القديمة الجديدة في الانقلاب على الحلفاء.

لقد أوقع “أهل الخير” من أهله وقبيلته وحزبه وبعض الكتّاب والصحافيين صالح في الفخّ وهو من أشتهر بأنه الراقِص على رؤوس الثعابين. وعلى خلاف ما عُرِف عنه من دراية وقدرة على معرفة موازين القوى الداخلية والخارجية. فكان بإمكانه الاستمرار في مناهضة العدوان حتى الرمق الأخير، بيْد أنه يجب ألا ننسى أنه من جيل الانقلابات العسكرية التي يعتبرها الطريق الأسرع للقفز إلى السلطة .

  لقد أُوهم الرئيس صالح بأن الناس في اليمن “تبحث عن قيادة جديدة وأن التعايش مع الحوثيين أصبح مستحيلاً وأنهم استاثروا بالقرار الوطني”.

انتفاضة صالح في 2 ديسمبر كانون الأول التي اعتبرها إعلام التحالف السعودي الحرب السابعة بين صالح وأنصار الله ، كانت مُفترضة أن تقع في آب أغسطس الماضي في الذكرى الـ35 لتأسيس المؤتمر الشعبي بذريعة “الاستجابة لليمنيين”. لكن حَذَر “أنصار الله” المعهود حينها من الرئيس صالح وإسراعهم إلى حشد قوات عسكرية تحوّل إلى عرض عسكري لقوات “أنصار الله” أمام سكان صنعاء، جعل صالح يجدّد تأكيده على الوحدة والنأي عن الفتنة ويؤجّل معركته ضد الحوثيين.

واعتبر التحالف السعودي أن تحرّك صالح جاء في اللحظة المناسبة وناشد اليمنيين رفد “الانتفاضة” ضدّ الحوثيين. ولم يعد صالح يوصَف في إعلامهم بالرئيس المخلوع وبات الرئيس السابق. وجاءت كلمة صالح الأخيرة وبيان التحالف قبيل مقتله بمثابة إعلان تأسيس ليمن جديد بقيادة الزعيم، وتوقّع أن يكون صباح الإثنين 4 ديسمبر كانون الأول يوم “هزيمة الحوثيين وهزيمة المشروع الفارسي”. واعتبر التحالف أن تحرّك صالح وخصوصاً انخراط القبائل المحيطة بالعاصمة التي اعتبر بعض مشايخها أنها فرصة لعودة دورها بعدما همّش لصالح أنصار الله سوف يرجّح كفة الحسم لمصلحة خصوم «أنصار الله».

منذ شهر آب أغسطس 2017 عشيّة الاحتفال بتأسيس المؤتمر الشعبي، أدرك أنصار الله أنه بات لصالح مشروعاً مناقضاً لجهود مواجهة العدوان بقيادة السعودية، لكنّ أية مواجهة معه قد لا تؤدّي إلى حرب أهلية وحسب، بل يمكنها تقلّب أبناء القبائل عليهم.

فشلت كل أسلحة التحالف العربي بقيادة السعودية في هزيمة أنصار الله وثبت لهم بعد تجارب مريرة ألا حل أمامهم سوى استمالة الزعيم ومؤتمره الشعبي إليهم، وانشقاقه عن أنصار الله. وللأسف نجحوا في إقناعه بالانشقاق عنهم، لكنهم فشلوا في هزيمة الحوثيين وحكمهم للبلد. فلم يكن متوقعاً للزعيم وهو المشهور بدهائه الذي طالما أقلق أنصار الله كما السعوديين، ألا يُحسن تقدير الموقف. وأين وصلت قوة أنصار الله واللجان الشعبية وحلفائهم؟ وهو الذي خاض ليس ست حروب وحسب، بل خاض حرباً ضد الحزب الاشتراكي في  الجنوب بقيادة علي سالم البيض، ثم معركة ما قبل سقوط صنعاء مع رئيس أركان حروبه الست علي محسن الأحمر ثم مشاركة قواته في التصدّي للعدوان بقيادة السعودية. ففي الحرب السادسة 2009 يعلم الزعيم أنه رغم إطباقه مع السعوديين كفكيّ كماشة على أنصار الله الحوثيين، إلا أنه لم يستطع هزيمتهم بل توغّلوا نحو 15 كيلومتراً في الأراضي السعودية، ووصلوا إلى مشارف صنعاء. فهو يعلم جيداً أن الجيش اليمني سطّر مع اللجان الشعبية وأنصار الله والقبائل ملحمة أسطورية باتت موضع مُراقبة واستطلاع القادة والخبراء العسكريين في العالم. هذا على الصعيد الداخلي، أما خارجياً فإن محور التحالف العربي فشل عسكرياً سواء في سوريا أو العراق أو اليمن ويعاني من تراجع على كل المستويات في مقابل انتصارات لا تُحصى لمحور المقاومة في هذه البلدان.

اليوم تزداد قوة أنصار الله بعد مقتل صالح من خلال الحرس الجمهوري الذي كان يتحكّم به الرئيس السابق وتعداده 28 ألف عسكري مُجهّزين ومُدرّبين بشكل ممتاز. إضافة إلى وجود اللجان الشعبية التي تقاتل إلى جانب أنصار الله.

وهناك مثلٌ شعبي يمني يقول “نهاية المحنش للحانش”، أي أن مروّض الثعابين مهما برع في ترويضها ستأتي نهايته بلدغة من أحدها.

قد يعجبك ايضا