أبطال.. ولكنهم ليسوا عربًا ولا مسلمين..

أبطال.. ولكنهم ليسوا عربًا ولا مسلمين.. لماذا نقول: شكرًا لقادة إسبانيا وكولومبيا وإيرلندا وليس لأي زعيم عربي؟ وهل أصبح نتنياهو وكيانه “ناقة جرباء” معزولة عالميًا؟

عبد الباري عطوان

لا يخامرنا أدنى شك في أن انسحاب الغالبية الساحقة من الوفود بكافة جنسياتها من قاعة الأمم المتحدة (باستثناء ممثلي ثلاث دول عربية للأسف) مقاطعةً لخطاب بنيامين نتنياهو، هو حدث مشرف يؤكد العزلة الساحقة، وليس الانتصار الساحق، الذي يتطلع إليه رئيس وزراء دولة الاحتلال. إنه حدث تاريخي، وصفعة مزلزلة له ولـكيانه الإرهابي العنصري. ولكن ما هو أهم منه في نظرنا أن ترسل إسبانيا وإيطاليا ثلاث فرقاطات بحرية عسكرية إلى شرق المتوسط لحماية المئات من السفن وقوارب الحرية، والنساء والرجال الشجعان على ظهرها، من أي اعتداء إسرائيلي، على غرار ما حدث لسفن مرمرة التركية من اقتحام للقوات الخاصة، واستشهاد أكثر من 16 متطوعًا تركيًا كانوا على متنها (لم تحمهم ولم تثأر لهم حكومتهم، للتذكير فقط). خطوة، ومن قبل دولتين أوروبيتين، عضوين في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، وليس الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، تؤكد الانتقال من مرحلة الإدانة والشجب إلى مرحلة الفعل العملي الميداني لوضع حد لهذه النزعة النازية الدموية الإسرائيلية، وإنهاء الحصار، وحرب الإبادة والتجويع، التي تستهدف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، علاوة على لبنان واليمن.

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز لم يكتفِ بإرسال سفينتين حربيتين إلى شرق المتوسط فقط، وإنما أعطى قائديها تعليمات واضحة بـإطلاق النار على أي زوارق أو سفن أو طائرات حربية إسرائيلية يمكن أن تعترض هذه السفن المحملة بالطعام والدواء، لكسر الحصار عن أهلنا في قطاع غزة، بينما يتواصل الجسر البري العربي الذي ينطلق من دولة الإمارات مرورًا من الأراضي السعودية والأردنية، محملًا بالفواكه والخضار والأغذية الطازجة جدًا لدولة الاحتلال، ولم يتوقف إلا لبضعة أيام بقرار إسرائيلي أمني بعد عملية النشمي الأردني عبد المطلب القيسي على معبر الكرامة الأردني.

هذا الموقف الإسباني ليس موقفًا استعراضيًا أو رمزيًا، وإنما انطلاقًا من إيمان رسمي وشعبي بالتصدي لحرب الإبادة والتجويع، وفي إطار استراتيجية بدأت بإلغاء ثلاث صفقات أسلحة إسرائيلية لإسبانيا، ومنع السفن المحملة بأسلحة وذخائر إلى دولة الاحتلال من التوقف في الموانئ الإسبانية، وانطلاق معظم سفن كسر الحصار من برشلونة.

لا يمكن في هذه العجالة أن ننسى الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الذي لم يكتفِ بقطع جميع علاقات بلاده الدبلوماسية مع دولة الاحتلال، وطرد السفير الإسرائيلي وإغلاق سفارته في أيار (مايو) عام 2024 احتجاجًا على حرب الإبادة في القطاع، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما طالب في كلمته التي ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل جيش عالمي من مختلف شعوب العالم للقتال ضد العدوان الإسرائيلي الإبادي في قطاع غزة، ونزل من المنصة ليتوجه فورًا للانضمام إلى المتظاهرين في الشارع المقابل الذي تحول إلى غابة من الأعلام الفلسطينية، ويلقي خطابًا يؤكد فيه استعداده للقتال حتى “الشهادة” ضد العدوان الإسرائيلي، ويطالب جميع الجنود الأمريكيين بعدم توجيه صواريخهم إلى القطاع وأهله وعدم إطاعة رئيسهم ترامب المتواطئ في هذه الحرب، الأمر الذي دفع الأخير إلى سحب تأشيرة دخوله إلى الولايات المتحدة، ومنعه من دخول أراضيها.

دولة الاحتلال أصبحت مثل البعير الأجرب لا يريد أحد الاقتراب منها، بل والاستعداد لحمل السلاح ضدها لوقف مجازرها، وسياساتها التجويعية والتدميرية، ولعل مطالبة إسبانيا وسلوفينيا وإيرلندا بطردها من مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن”، وإلا فلن تشارك في دورتها القادمة، أبرز مثال. ومن المتوقع أن يتخذ اتحاد كرة القدم العالمي “الفيفا” قرارًا مماثلًا في اجتماعه الطارئ الأسبوع المقبل رغم ضغوط أمريكا ورئيسها.

قمة العار على معظم العرب والمسلمين، أن تتخذ دول أوروبية وقياداتها هذه المواقف المشرفة والإنسانية والأخلاقية، ولا نرى مثيلًا لها من أي دولة عربية أو إسلامية، حيث لم ترسل مجتمعة أو متفرقة رغيف خبز واحد أو علبة دواء أو زجاجة حليب لأطفال غزة على مدى عامين، ناهيك عن إرسال سفن محملة بالطعام والأدوية لكسر الحصار، والاستثناء الوحيد المشرف جاء من تونس، قيادة وشعبًا، التي انطلقت منها سفن كسر الحصار المغاربية المحملة بالطعام والأدوية.

هذه السفن، سواء كانت مدنية أو عسكرية، الكاسرة للحصار تجسد “توسع” وحدة الساحات، وتؤكد أن غزة ليست وحدها. وحتى تكتمل الصورة وتتأكد هذه الفرضية، نضم إليها هذه الصواريخ الفرط صوتية، والانشطارية الرؤوس المنطلقة من اليمن العظيم من على بعد 2200 كيلومتر، جنبًا إلى جنب مع المسيرات الانغماسية (الانتحارية الملغمة)، وتنهي أكذوبة الأمن والأمان وأسطورة الحماية الدفاعية الجوية الصهيونية.

إنها بداية النهاية للدولة العنصرية النازية الجرباء، ونجزم بأن خطاب نتنياهو يوم أمس الأول في الأمم المتحدة سيكون الأخير.. والأيام بيننا.

قد يعجبك ايضا