الإبادة الجماعية في غزة والامتحان الأخلاقي للعالم .. قراءة في كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي

قراءة في كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية الخميس: 3/4/1447هـ

الإبادة الجماعية في غزة والامتحان الأخلاقي للعالم

صادق البهكلي

على وقع الدماء ومجازر الإبادة التي لا تتوقف في قطاع غزة، واستمرار الإبادة الجماعية على يد الكيان الإجرامي  التي تشكل أكبر امتحان أخلاقي واستراتيجي للعالم المعاصر. تأتي كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية الخميس: 3/4/1447هـ المـــــوافق: 25/9/2025م لتضع المتابع العربي أمام لوحة أوسع من مجرد أخبار متفرقة عن مجزرة أو عملية إبادة  أو فيتو أمريكي أو لقاء أممي لتقدم وثيقة سياسية – استراتيجية تكشف أبعاد المعركة، وتضع أمام الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي صورة متكاملة عن حجم التحديات وأدوات المواجهة.

هذا التقرير محاولة لتقديم قراءة تحليلية موجزة لأبرز ما تناوله السيد القائد في كلمته..

غزة تحت نار الإبادة الشاملة

منذ ما يقارب العامين يعيش قطاع غزة تحت واحدة من أبشع صور الإبادة الجماعية في العصر الحديث، حيث يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الوحشي بأدوات تدمير غير مسبوقة. أشار السيد القائد في كلمته حول آخر التطورات والمستجدات الأسبوعية  (الخميس 3 ربيع الثاني) إلى أن العدو «يكثِّف القصف بكل وسائل التدمير والقتل: بالأحزمة النارية بشكلٍ مكثف، وبالعربات المفخخة، التي يحمِّلها بالأطنان من المتفجرات شديدة الانفجار، ثم يرسلها إلى الأحياء السكنية». هذا الواقع المرعب لا يتوقف عند حدود القصف بل يتجاوزه إلى سياسة ممنهجة من التجويع، والتعطيش، واستهداف الخدمات الطبية، وهو ما يضع نحو ثمانمائة ألف مواطن في مدينة غزة وحدها أمام تهديد وجودي مباشر. الكارثة تتفاقم مع استمرار التهجير القسري واستهداف النازحين في مناطق يُسمّيها الاحتلال “آمنة” بينما يفتقدون فيها أبسط مقومات الحياة. في هذا السياق، يظهر خطاب السيد القائد ليس فقط كتوثيق للجرائم، بل كنداء استراتيجي أمام العالم، بأن غزة لم تعد قضية محلية أو إنسانية فقط، بل اختبار لقيم المجتمع الدولي الذي يقف عاجزًا أو متواطئًا أمام مشهد الإبادة الممنهجة.

فالمأساة هنا ذات بعدين: الأول إنساني كارثي، والثاني سياسي يفضح حجم الانحياز العالمي لسياسات الاحتلال.

القدس والضفة — تهويد وهوية مهددة

انتقل السيد القائد في كلمته إلى القدس والضفة الغربية، موضحًا أن الاحتلال يعمل بخطوات متدرجة وممنهجة لتغيير معالم المدينة المقدسة والسيطرة الكاملة على الضفة.

فقد شدّد على أن العدو «يكثِّف من الاقتحامات للمسجد الأقصى، وإقامة الطقوس التلمودية، والرقصات في ساحات وباحات المسجد الأقصى»، هذه الاقتحامات لا تأتي منفصلة عن سلسلة إجراءات تضييق ممنهجة: عزل الأحياء، هدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وكلها تصب في مشروع تهويد القدس وتفريغها من هويتها العربية والإسلامية. وفي الضفة الغربية، تتركز الاعتداءات من قتل واعتقال ومداهمات وهجمات للمستوطنين، مع تركيز خاص على مدينة الخليل التي اعتبرها السيد القائد هدفًا استراتيجيًا بسبب قدسيتها وكثافتها السكانية وموقعها الحيوي، السيد القائد في هذا السياق يسلط الضوء على أن الاحتلال يسعى إلى الاحتلال الكامل والمصادرة الكلية، في محاولة لطمس حق الشعب الفلسطيني الشرعي في أرضه. لكن الأهم أن السيد القائد ربط هذه الممارسات بالدعم الأمريكي المباشر، مؤكدًا أن ما يجري ليس مجرد فعل إسرائيلي معزول، بل مشروع متكامل محمي سياسياً وعسكرياً على أعلى المستويات. وهذا يعيد صياغة فهم المشهد الفلسطيني باعتباره جزءًا من معركة إقليمية أوسع تُدار بمظلة أمريكية واضحة.

الدعم الأمريكي والغطاء الدولي للاحتلال

خصص السيد القائد مساحة وافية للحديث عن الدور الأمريكي، مؤكدًا أنه العامل الأبرز في إطالة أمد العدوان وتوسيع جرائمه، ففي الوقت الذي يشهد فيه العالم جرائم إبادة مروّعة، استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار يطالب بوقف إطلاق النار ورفع القيود التي يفرضها الاحتلال على غزة، وقال السيد القائد بوضوح: “الأمريكي يصرّ على استمرار العدوان، وفي نفس الوقت يصرّ أيضاً على الحصار، على التجويع، على منع حليب الأطفال عن الأطفال”.  هذه الشراكة الأمريكية ليست مجرد موقف سياسي، بل هي دعم شامل يتجلى في صفقات تسليح ضخمة، زيارات جماعية لوفود الكونغرس إلى الكيان، وتبريرات إعلامية ودبلوماسية تغطي جرائم الاحتلال، وهكذا يصبح الموقف الأمريكي أكثر من مجرد انحياز، بل هو شراكة كاملة في الأهداف والعدوان والإبادة،  في هذا السياق، يوضح السيد القائد أن التواطؤ الغربي بشكل عام والأمريكي بشكل خاص يعكس أزمة أخلاقية دولية كبرى، حيث تتحول القيم الإنسانية إلى شعارات فارغة في مواجهة حسابات المصالح والسيطرة، وبهذا الطرح، يبرهن السيد القائد على أن  الدعم الأمريكي لم يعد مسألة سياسية بل أصبح قضية أخلاقية تتعلق بمستقبل النظام الدولي برمته.

المقاومة الفلسطينية — معادلة الصمود والتأثير

ورغم هذا المشهد القاتم في غزة وفلسطين بشكل عام، يسلط السيد القائد الضوء على الوجه الآخر للقضية، وهو صمود المقاومة الفلسطينية، فقد أشار إلى أن «إخوتنا المجاهدين الأعزَّاء في قطاع غزَّة، بالإمكانات المحدودة جدًّا، يواصلون عملياتهم البطولية والجهادية في التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي». العمليات الميدانية — من قنص وكمائن وتفجير عبوات إلى هجمات صاروخية واشتباكات قريبة — أسفرت عن خسائر مباشرة في صفوف العدو تجاوزت العشرين جنديًا وضابطًا في أسبوع واحد.

الأهم من ذلك أن هذه العمليات انعكست بوضوح على الداخل الإسرائيلي، حيث تكشف تقارير رسمية عن هجرة معاكسة غير مسبوقة، ونقص في القوى البشرية يصل إلى 12 ألف جندي بسبب التهرّب والتقاعد المبكر، هذه الحقائق تبرهن أن المقاومة نجحت في ضرب معنويات الجيش والمجتمع الإسرائيلي، وتحوّلت إلى عامل استنزاف طويل الأمد.

من الناحية الاستراتيجية، يقدّم السيد القائد هذه النتائج كرسالة مزدوجة: أولاً أن المقاومة قادرة على مواجهة آلة الحرب بأدوات محدودة، وثانيًا أن خذلان الأمة هو الخطر الحقيقي الذي يحول دون مضاعفة تأثير هذا الصمود، وبذلك تصبح المقاومة ليس فقط أداة للدفاع، بل معيارًا لكرامة الأمة ومقياسًا لمستوى تواطؤ أنظمتها.

لبنان: العدوان الإسرائيلي وأداء الحكومة اللبنانية

يشير السيد القائد في تحليله للوضع اللبناني إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، بما في ذلك الغارات الجوية واستهداف المدنيين والمنازل في مناطق متعددة مثل بنت جبيل، بالإضافة إلى إحراق الأحراش والعمليات التفجيرية على الحدود الجنوبية. ويعتبر أن هذه الاعتداءات تمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة اللبنانية وللاتفاقات المبرمة مع الدولة، وأن ردّ الحكومة اللبنانية لم يرتقِ إلى مستوى المسؤولية، إذ بدت ذليلة وخاضعة للأوامر الأمريكية والإسرائيلية، مع تركيز على الضغط على المقاومة وحزب الله بدل حماية البلاد والشعب. يسلط السيد القائد الضوء على أن هذه السياسات تقدم خدمة مجانية للعدو الإسرائيلي، دون أي فائدة للبنان، معتبراً أن التوجه الرسمي نحو تنفيذ الإملاءات الإسرائيلية يعكس خيانة واضحة للمصلحة الوطنية. ويشير أيضًا إلى عجز المجتمع الدولي عن تقديم أي حماية حقيقية للبنان أو ردع العدوان الإسرائيلي، ما يجعل خيارات الاستسلام بلا جدوى. وفي المقابل، يبرز دور المقاومة وحزب الله في حماية لبنان والمنطقة، مستذكرًا انتصاراتهم السابقة ونجاحهم في إفشال مخططات العدوان الإسرائيلي والأمريكي، مثل عدوان 2006، الذي فشل بفضل الردع الاستراتيجي والموقف الصامد للمقاومة. كما يشدد على أن الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله ستكون مناسبة لتأكيد دور المقاومة وحزب الله في الدفاع عن الأمة، وكشف المخططات الصهيونية الأمريكية الهادفة للسيطرة على المنطقة. وبذلك، يعيد السيد القائد تعريف السيادة والحماية الوطنية في مواجهة العدوان، ويطرح معادلة واضحة: قوة الردع والمقاومة هي الضمانة الأساسية للبنان، وليس المواقف الرسمية الخاضعة للأعداء.

المستجدات في سوريا — الاستباحة الإسرائيلية ومعادلة الخضوع العربي

يؤكد السيد القائد في تحليله للوضع السوري أن ما يجري جنوب البلاد وصولًا إلى ريف دمشق ليس مجرد اعتداءات متفرقة، بل استباحة إسرائيلية كاملة، تشمل توغلات برية ومداهمات للمنازل، نصب حواجز التفتيش، التضييق على المدنيين وتجريف الأراضي الزراعية، مع رفع الأعلام الإسرائيلية والتحليق الكثيف للطائرات الحربية والمسيّرة. هذه الصورة تعكس عمليًا أن الجنوب السوري حتى مشارف العاصمة أصبح ساحة نفوذ مفتوحة للعدو الإسرائيلي، في وقتٍ ترفع فيه بعض القوى المسيطرة على سوريا شعارات السلام والتنسيق الأمني مع تل أبيب، وهو ما يراه السيد القائد غطاءً قانونيًا للاحتلال لا يحمي تلك الأطراف بل يبرر عدوانه المستمر. في قراءته الاستراتيجية، يربط السيد القائد هذه الانتهاكات بمشروع “ممر داوود” الصهيوني، الهادف إلى الوصول لنهر الفرات وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لبلاد الشام بما يخدم مشروع “إسرائيل الكبرى” بالتكامل مع التموضع العسكري الأمريكي المتوسع في الأراضي السورية. هذا التوصيف يضع ما يجري في إطار مخطط صهيوني-أمريكي واحد، حيث تُستَخدم الجماعات المحلية والاضطهاد الطائفي لدفع الأقليات نحو أحضان الاحتلال، وتُصادر الثروات لصالح واشنطن فيما يبقى العدو الإسرائيلي هو المستفيد الاستراتيجي الأول. ويكشف السيد القائد أن التصريحات الأمريكية الأخيرة –التي تعلن صراحة أن “إسرائيل قصة مختلفة” وأن السلام “لن يكون في المستقبل”– تمثل البرنامج الفعلي لهذه السياسة، إذ تُعامل الأنظمة العربية كبقرة حلوب مهما دفعت من ثروات، بينما تُعطى “إسرائيل” مكانة الحليف الوحيد، ويفضح السيد القائد معادلة الخضوع التي تُراد للمنطقة، ويضع سوريا في قلب هذه المعركة بوصفها إحدى الساحات الرئيسية لمشروع السيطرة والهيمنة.

وركز السيد القائد على التصريحات ـ الفجة ـ لما يمسى المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، “توم براك”، باعتبارها مؤشرًا واضحًا على التوجه الرسمي الأمريكي تجاه المنطقة، وتؤكد هذه التصريحات أن الولايات المتحدة ترى إسرائيل الحليف الاستراتيجي الأوحد، بينما تُعامل جميع الدول العربية والإسلامية الأخرى على أنها “أبقار حلوب”، بغض النظر عن مصالحها الاقتصادية أو السياسية، وحتى عن طاعتها الكاملة للمخططات الأمريكية.

وأوضح السيد القائد أن ما يسمى المبعوث الأمريكي صرح صراحة بأن السلام مع العدو الإسرائيلي لم يكن موجودًا في الماضي ولن يكون في المستقبل، وأن الصراع الحقيقي ليس على الحدود، بل على الهيمنة والسيطرة، حيث يجب أن يخضع طرف لإرادة الطرف الآخر، وفي هذا السياق يقصد العرب والمسلمين بالمعنى الأوسع.

هذه التصريحات، بحسب السيد القائد، ليست مجرد تصريحات إعلامية، بل خارطة طريق سياسية تتعامل مع المنطقة كلها ضمن معادلة استباحة كاملة: السيادة الوطنية، الموارد الاقتصادية، الحرية الشخصية، وحتى الكرامة الدينية والثقافية للشعوب، كلها مستباحة لصالح إسرائيل بالتغطية الأمريكية. ويشير السيد القائد إلى أن هذه التصريحات تكشف عن المنطق الأمريكي في المنطقة: أي تعاون أو محاولات عربية لاسترضاء واشنطن لا ترتقي لمستوى الاعتراف الإسرائيلي كحليف، وبالتالي فإن أي اتفاقيات أو مشاريع سلام عربية تعتبر عديمة القيمة الاستراتيجية عمليًا.

كما يوضح السيد القائد أن هذا النهج الأمريكي يترافق مع ضغوط مستمرة على الحكومات العربية لتنفيذ إملاءات إسرائيلية مباشرة، بما في ذلك نزع سلاح المقاومة في لبنان، مقابل وعود وهمية بحماية مصالحهم، وهي وعود فارغة كما يتضح من واقع الأحداث. وبحسب كلام السيد القائد فأن تصريحات (توم براك) هي كشف صريح للسياسة الأمريكية: إسرائيل هي محور الهيمنة، وبقية المنطقة خاضعة للمساومة والابتزاز، والسيادة العربية ليست سوى رهن تصرفات الاحتلال والولايات المتحدة.

مظاهرات دعم غزة وأسطول التضامن العالمي

سلط السيد القائد الضوء على الحراك الشعبي الداعم لغزة، موضحًا التباين الواضح بين الدول العربية والإسلامية من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى. ففي العالم العربي، شهدت عدة دول مثل البحرين ولبنان وتونس والمغرب واليمن مظاهرات محدودة، بينما ظلت بقية البلدان خارج نطاق الحدث والوعي الشعبي، مشيرًا إلى حالة ركود شديدة في النشاط التضامني، تعكس تفاوت الاهتمام الرسمي والشعبي بالقضية الفلسطينية في المنطقة العربية.

على الصعيد الدولي، خرجت مظاهرات واسعة في أوروبا وأمريكا في تسعة عشر بلدًا، ما يؤكد امتداد القضية الفلسطينية عالميًا ووجود تضامن شعبي يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية. ويبرز في هذا السياق أسطول الصمود، الذي انطلق بثلاثة وأربعين سفينة من إسبانيا وإيطاليا وتونس، في خطوة رمزية وعملية لكسر الحصار عن غزة، مع توقع انضمام ست سفن أخرى من اليونان، وسفينة واحدة تنتظر تصريحًا رسميًا من مصر. ويشير السيد القائد إلى أن هذا الأسطول يمثل تضامنًا عالميًا متنوعًا، يتجاوز الحواجز الرسمية والسياسية، وهو رسالة واضحة للعدو بأن المجتمع الدولي والشعوب حول العالم لا تتجاهل معاناة الفلسطينيين، وأن هناك دعمًا عمليًا يمكن أن يفرض معادلات جديدة في كسر الحصار وإعادة الاعتبار للحقوق الإنسانية.

من الناحية التحليلية، يؤكد هذا النشاط الشعبي والدولي أن القضية الفلسطينية لا تزال حية في ضمير الشعوب، وأن المقاومة لم تعد قضية محلية فحسب، بل محورًا عالميًا للتضامن والمواجهة، في حين يبرز تفاوت الأداء العربي الرسمي كمؤشر على فجوة بين الشعوب وحكوماتها، ما يعكس أزمة شرعية سياسية وأخلاقية في مقاربة القضايا المصيرية للأمة.

الاعتراف بفلسطين — الأسباب والمعطيات

يمثّل ما أعلنه بعض البلدان أخيراً من اعتراف بفلسطين جزءًا من حقيقة تاريخية قائمة: الحق الفلسطيني راسخ ومستقل عن مواقف الدول. مع ذلك، يقرأ السيد القائد هذه الخطوة في سياقين متضادين: من جهة، هي إقرار دولي بالقيمة القانونية والأخلاقية لحق الشعب الفلسطيني، ومن جهةٍ أخرى تبقى في إطار «حلول شكلية» لا تُغيّر من ميزان القوى على الأرض ما لم تُرافقها إجراءات ضغط فعّالة على المحتل، السيد القائد  هنا يبرز نقطتين محوريّتين: الأولى أن الاعتراف جمهورياً ورمزيًا يزعزع الشرعية الدولية للاحتلال ويضع فضاءً دبلوماسياً لصالح الفلسطينيين؛ لكن الثانية —وهي الأهم في— أن دولًا تعلن اعترافها ثم تواصل سياسياً واقتصادياً وأمنياً دعم الاحتلال، فتصبح هذه الاعترافات «قناعًا» لتبرير استمرار العلاقات مع العدو.

يقول السيد القائد :

“هذه الاعترافات تأتي لماذا؟ لأن هنـــاك اعتبـــارين واضحـــين:

  • الأول: قـوَّة الحـق الفلسطينـي:

الحق الفلسطيني حقٌ واضحٌ ثابت؛ ولـذلك أي دولة في العالم، أي بلد من بلدان الدنيا يتنكَّر لهذا الحق، يجد نفسه محرجاً، يجد نفسه في موقفٍ مخزٍ، يجد نفسه متنكِّراً حتى لما يمكن أن يستند إليه هو في التَّمَسُّك في حق بلده؛ لأنه إذا أصبحت مسألة مصادرة البلدان من أجل الاحتلال هنا أو هناك مسألة مفتوحة، يعني: فتحها خطر على كل بلدان العالم، كل بلد ينظر إلى واقعه هو: [ماذا لو أتت قوَّة أخرى لاحتلاله؟].

ويضيف: فيما يتعلَّق بقوَّة الحق الفلسطيني، التي هي بهذا المستوى من الاعتراف العالمي، هناك مسؤولية واضحة على هذه الأُمَّة، إذاً لماذا لا تنطلق في إطار مواقف قوية، ولديها هذه القضية العادلة التي يعترف بها كل العالم؟ ماذا تنتظرون إذاً؟! لماذا لا تتحرَّكون في إطار مسؤوليتكم الإيمانية، الدينية، الإنسانية، الأخلاقية، وأنتم تمتلكون قضيةً يعترف بها كل العالم؟

الدورة الـ80 للأمم المتحدة — قراءة تحليلية مركزة

ولا يغفل السيد القائد الحديث عن الدورة الـ80 للأمم المتحدة، معتبرًا أن فعالياتها كانت شاهدة على ازدواجية الخطاب الدولي بين الكلام الموجه والواقع العملي المهيمن. فهو يبرز كيف أن الكلمات، حتى وإن جاءت صريحة من زعماء عرب ومسلمين، لتندد بالعدوان الإسرائيلي، تظل محدودة الأثر إذا لم تترافق مع إجراءات عملية حقيقية تصنع الفارق على الأرض. فالدورة حملت في طياتها شكاوى متكررة عن جرائم الاحتلال، ولكنها كشفت أيضًا عن عجز المنظومة الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، عن تحريك مؤثر قادر على حماية الشعب الفلسطيني أو الردع الفعلي لممارسات إسرائيل.

ويشير السيد القائد إلى خطاب الرئيس الأمريكي في الدورة، الذي تجلّت فيه الغطرسة الأمريكية واستعراض القوة، معتبرًا أن هذا الخطاب يعكس المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه السياسات الأمريكية: الهيمنة والسيطرة والتغلب على الشعوب، وإذلالها، وفرض مصالح الولايات المتحدة على حساب حقوق الأُمّة. ويشير إلى أن هذه التصريحات ليست كلمات عابرة، بل تمثل التوجّه العملي الذي يبرّر العدوان الإسرائيلي ويؤكده، ويعكس موقفًا استراتيجيًا ثابتًا تجاه فلسطين والمنطقة العربية والإسلامية عموماً.

ويؤكد السيد القائد أن أي رهانات على الأمم المتحدة أو على المنظمات الدولية لا يمكن أن تكون أساسية أو حاسمة، لأنها لم تفعل شيئًا ملموسًا على مر العقود لحماية الشعوب العربية، ولم تنجح في حماية فلسطين أو استعادة حقوقها المغتصبة. لذلك، يؤكد أن القوة الحقيقية تكمن في إرادة الأمة نفسها، وفي تحركها الدؤوب لمواجهة العدوان، وتحويل الكلام إلى خطوات عملية قادرة على فرض التغيير ووقف الهيمنة والإذلال.

في السياق نفسه، يستنكر السيد القائد إعلان مجرم الحرب نتنياهو عن «عام عدوان على المنطقة» باعتباره إعلان نوايا استراتيجيًا لا ينبغي تجاهله، هذا القول، بدل أن يكون منبهًا للأنظمة، قابِل لأن يُستَغَل ذريعةً لتبرير مزيد من العدوان، لذلك يقرأ السيد القائد هذا الإعلان على أنه جزء من خطاب أكبر يهدف إلى تقنين مبدأ الاستباحة الإقليمية وإسناده إلى منطق القوة، ما يستلزم من الدول العربية والإسلامية جعل التهيؤ الحقيقي للمواجهة أولوية: تعبئة سياسية، استعداد دفاعي، وتوحيد مواقف رادعة بدل التهاون الرسمي.

ما ربطه السيد القائد بملف «صفقة الغاز» يفتح بُعدًا آخر: الابتزاز الاقتصادي وسيلة لإخضاع السياسات الوطنية. وصفه لصفقة «العار» ومبلغٍ هائل يذهب للاحتلال هو قراءة لخطأ استراتيجي، إذ يبيِّن كيف أن ربط الأمن المعيشي والاقتصادي بتحالفات مشبوهة يُنتج تبعية ومَثلَة استغلال، من هنا يدعو السيد القائد إلى استثمار القدرات والموارد الوطنية والإقليمية بدلاً من تسليمها لمخططات تهدد السيادة — شراء من دول عربية، تطوير حقول محلية، أو سياسات طاقة بديلة تعيد للدول هامش القرار.

ثم يقدم السيد القائد معادلة أخلاقية واستراتيجية: الرد لا يكون على أساس اليأس أو الرهان على الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، بل على أساس الإرادة الشعبية والقوة الذاتية، هذا يتطلب مزيجًا من المقاومة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، مع تحشيد للضمير الشعبي والوحدة العملية بين شعوب الأمة وحكوماتها النزيهة، الرسالة هنا واضحة: لا مأوى لمستقبل الأمة في أحضان من يضعون مصالحهم الاقتصادية فوق كرامة الشعوب، ولا خلاص من الهيمنة إلّا بقيام مواقف عملية متسقة — ليست مجرد كلمات احتجاج على منبر لا يملك القدرة على إنفاذ العدل.

فشل السياسات العربية والإسلامية سببها نسيان الله

من النقاط المهمة التي تحدث عنها السيد القائد كحقيقة أساسية هي نسيان الله في سياسات الدول العربية والإسلامية، وهو ما اعتبره جذر كل الخلل في المواقف تجاه فلسطين والأمة، يشير القائد إلى تحذير الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}[الحشر:19]، معتبرًا أن نسيان الله يترجم إلى فقدان البوصلة الأخلاقية والسياسية، وفشل في اتخاذ المواقف الصحيحة. فالرجوع إلى الله والالتزام بتعاليم القرآن {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9] يعد أساسًا لهداية الأمة إلى الكرامة والعزة، وإلى اتخاذ مواقف عملية مؤثرة على الأرض، بدل الاكتفاء بالكلام والشكوى.

ويشدّد السيد القائد على أن التوكل على الله لا يعني الغفلة عن العمل، بل هو الأساس الذي يُدعم كل جهد عملي، سواء كان في المقاطعة الاقتصادية والسياسية، أو في تعبئة الأوراق الدبلوماسية، أو في الاستعداد الدفاعي. فهو يستشهد بنموذج المقاومة في غزة ولبنان واليمن:

  • في غزة، بالرغم من الإمكانيات البسيطة، حقق المجاهدون صمودًا استراتيجيًا هائلًا في مواجهة إسرائيل لأكثر من عامين.
  • في لبنان، تم توجيه هزائم تاريخية للعدو الإسرائيلي في 2000 و2006، ومنع أي اجتياح شامل في 2024، رغم كل الضغوط.
  • في اليمن، الصمود المستمر أمام العدوان الأمريكي والإسرائيلي، والحصار العسكري، يعكس قوة الإرادة القائمة على التوكل على الله والثقة بالهداية الإلهية.

الرسالة المركزية للسيد القائد واضحة: القوة الحقيقية للأمة في التمسك بالإيمان والعمل معًا، لا يمكن للأمة أن تنتصر على الاحتلال والهيمنة إلا إذا جمعت بين الاعتداد بالإيمان والتوكل على الله، وبين العمل الاستراتيجي الذكي الذي يضغط على العدو اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، ويجعل خطوات المقاومة مؤثرة وحاسمة، بعيدًا عن أي اعتماد على منظمات دولية أو القوى الاستعمارية.

اليمن .. جبهة إسناد فعالة

يقدم السيد القائد جبهة إسناد اليمن في هذا الأسبوع نموذجًا متسقًا للإسناد القائم على مزيج من البعد الإيماني والتخطيط العسكري المدروس،

إعلان تنفيذ واحد وعشرين عملية بصواريخ ومسيَّرات، بينها هجوم أم الرشراش الذي أعلن العدو عن وقوع «خمسين إصابة»، لا يُقاس فقط بأعداد الأهداف بل بمدى كسر منظومة الاعتراض الإسرائيلية وتجريدها من ثقة الاعتراض الكامل — وما لذلك من تأثيرات معنوية وأمنية واقتصادية على العدو.

تكامل هذا الجهد مع تعميم حظر الملاحة على خطوط بحرية استراتيجية من البحر الأحمر إلى البحر العربي يتحوّل إلى سلاح استراتيجي يضغط على اقتصاد العدو ويعكّر حساباته اللوجستية، كما تؤكد استهدافات السفن المخالفة وجود قدرة عمليّة على تنفيذ قرار الحظر.

إلى جانب البعد العسكري، تبرز قوة التعبئة الشعبية: آلاف المسيرات في المحافظات، عروض وتخريج دفعات التعبئة، ونشاطات في الجامعات، كلها عناصر تُترجم خطابًا شعبياً مؤثِّراً يدعم خيار الدولة في ساحات المواجهة.

لكن الأهم في قراءة السيد القائد أن هذا الأداء «ليس تهوّراً»، بل موقف محسوب ضبطه المعيار الإيماني والأخلاقي، ما يمنحه شرعية داخلية ويعزز معنويات المشاركين.

الرسالة الاستراتيجية مزدوجة: أولًا فرض تكلفة مباشرة على العدو عبر ضرب البنى الأمنية والاقتصادية، وثانيًا تأكيد أن الدعم الشعبي والديني يُضيفان بعدًا لا يمكن تجاوزه في استمرار المواجهة. في المحصلة، يدعو السيد القائد إلى الاستمرار في ما يُستطاع من جهاد وصمود، باعتباره طريقًا لكرامة الأمة ووسيلة لفرض معادلات ردع جديدة، مع تحذير من أن التخلي عن هذا المسار يعني رضوخًا لمنطق الهزيمة والذل.

ختاماً

يمكن القول إن كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي لم تكن مجرد متابعة أسبوعية للتطورات، بل وثيقة استراتيجية ترسم صورة شاملة للصراع العربي – الصهيوني. فهي من جهة توثق الإبادة الجارية في غزة والتهويد المستمر في القدس والضفة، ومن جهة ثانية تكشف عن حجم الشراكة الأمريكية في العدوان، ومن جهة ثالثة تسلط الضوء على بطولات المقاومة الفلسطينية وأثرها المباشر في تفكيك البنية النفسية للمجتمع الإسرائيلي. في المقابل، يضع السيد القائد الأمة أمام مرآة التخاذل العربي الرسمي، ليؤكد أن الصمود الفلسطيني ليس مجرد معركة محلية، بل امتحان لشرعية الأنظمة ولوعي الشعوب. وبالإضافة إلى ذلك، يوسع السيد القائد إطار الرؤية ليشمل جبهة لبنان  وسوريا ويضعنا أمام مشهد إقليمي مترابط تتحول فيه فلسطين إلى محور لإعادة تشكيل التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة، كما يتناول بالتحليل مخرجات الدورة الثمانين للأمم المتحدة وخلفيات الاعتراف بما أطلقوا عليه” حل الدولتين” أو الدولة الفلسطينية هذا الطرح، إذن، ليس فقط توصيفًا للواقع، بل خارطة طريق لمستقبل المواجهة، ودعوة مفتوحة للأمة لتجاوز صمتها والالتحاق بمعركة الكرامة والتحرر.

قد يعجبك ايضا