أطماع “إسرائيل الكبرى” تمتد حتى المدينة ومكة وتطبيع بن سلمان يشجعها

منذ عقود، تتردّد التحذيرات من مشروع “إسرائيل الكبرى” بوصفه حلمًا توراتيًا صاغته المؤسسة الصهيونية ليبرر سياساتها الاستعمارية في فلسطين والمنطقة.

وإذا كان الحديث عن ضم الضفة الغربية أو تهويد القدس لم يعد يثير دهشة، فإن تصريحات ومؤشرات جديدة تعيد إلى الواجهة نزعة توسعية أعمق تتطلع إلى ما وراء فلسطين التاريخية، وصولًا إلى الجزيرة العربية ومقدساتها الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

ففي تسعينيات القرن الماضي، كشف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عن عملة إسرائيلية فئة 10 أغورات تحمل خريطة تمتد من مصر غربًا حتى العراق شرقًا، ومن سوريا ولبنان شمالًا حتى الجزيرة العربية جنوبًا.

في حينه اعتبر عرفات هذه العملة “شهادة مادية” على الحلم الإسرائيلي الذي لا يقتصر على فلسطين، بل يسعى إلى بسط النفوذ على المنطقة بأكملها.

هذه الرؤية لم تُدفن مع اتفاقيات أوسلو ولا مع مشاريع التسوية اللاحقة، بل وجدت طريقها إلى خطاب سياسي وديني وعسكري يعاد تكراره بأشكال متعددة، ما يؤكد أنها ليست مجرد “نظرية مؤامرة”، بل مشروع أيديولوجي يحاول الاحتلال إلباسه ثوبًا سياسيًا واقعيًا.

خطاب تجنيدي ودعاية توراتية

مؤخرًا، ظهر أحد المجندين الفرنسيين الذين يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيلي، في مقطع مصوّر، وهو يحثّ أقرانه اليهود في فرنسا على الانضمام إلى حرب الإبادة في غزة من أجل تحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”.

وذلك لم يكن حديثه معزولًا، بل جزءًا من خطاب تعبوي يربط بين الحروب الحالية ورؤية توراتية للتوسع، يزعم أنها “أرض موعودة” يجب استعادتها.

إلى جانب ذلك، لعبت شخصيات دينية إنجيلية، مثل القسيسية دومينيك بيرمان، دورًا مهمًا في ترويج هذه الأفكار. بيرمان قالت في أحد المقاطع المصورة: “مع كل حرب تخوضها (إسرائيل)، تحصل على المزيد من الأراضي، وهذه خطوة ربّانية للتوسع من لبنان وسوريا حتى الخليج العربي”. مثل هذه التصريحات تمنح غطاءً دينيًا لرؤية استعمارية توسعية، وتحاول تجنيد الدعم المسيحي-الصهيوني الغربي لها.

ترامب و”إسرائيل التوراتية”

في السباق الانتخابي الأمريكي، طرح دونالد ترامب سؤالًا بدا للوهلة الأولى غريبًا: “هل هناك طريقة للحصول على المزيد؟” في إشارة إلى مساحة (إسرائيل). لاحقًا، أعاد تدوير الفكرة ذاتها، متهربًا من سؤال حول دعمه ضم الضفة الغربية، وكأنه يريد تمرير الفكرة تدريجيًا للإعلام والجمهور الأمريكي.

لم يكن ترامب وحيدًا في هذا الخطاب. سفيره لدى الاحتلال، الصهيوني مايك هاكابي، صرّح بوضوح: “سنحقق شيئًا ذا أبعاد توراتية خلال هذه الإدارة بالشرق الأوسط”. تعبير “(إسرائيل) التوراتية” الذي استخدمه هاكابي يعكس صراحةً أن المشروع يتجاوز حدود الدولة القائمة إلى جغرافيا أوسع تُرسم بخطوط دينية على حساب الجغرافيا السياسية الراهنة.

نتنياهو ورؤية “إسرائيل الكبرى”

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يُخفِ في خطابه السياسي أنه متصل بما يسميه “رؤية إسرائيل الكبرى للغاية” (Yisrael HaShlema).

وفي أغسطس الماضي، ظهر ليؤكد هذا الانحياز الأيديولوجي، قبل أن يترجمه بخطوات عملية عبر التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.

وصرح نتنياهو بأن الجبهة الشرقية ل(إسرائيل) ليست “معاليه أدوميم”، بل “غور الأردن”، في إشارة واضحة إلى أن التوسع لن يتوقف عند الضفة الغربية بل سيشمل مناطق استراتيجية على حدود الأردن.

وهذا الخطاب، عند ربطه بتصريحات سابقة وأدبيات الحركة الصهيونية، يفتح الباب أمام قراءة أوسع: الخطوة التالية قد تكون التطلع جنوبًا، حيث مكة المكرمة والمدينة المنورة، بوصفهما رموزًا روحية وسياسية في قلب الأمة الإسلامية.

التطبيع السعودي: ورقة على الطاولة

وسط هذه المؤشرات، يبرز ملف التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي ما زال “مطروحًا على الطاولة”، كما يصفه المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون.

ورغم أن الرياض تُظهر حذرًا في خطواتها، فإن فكرة منح (إسرائيل) موطئ قدم سياسي أو اقتصادي في قلب الجزيرة العربية تعني من منظور المنتقدين تطبيعًا مع أطماع تهدد مستقبل الحرمين الشريفين.

ففي الوقت الذي تروّج فيه (إسرائيل) لمشاريع “السلام الاقتصادي” والربط الإقليمي عبر الطاقة والمواصلات، فإن خلف هذه المشاريع يكمن منطق توسعي يسعى إلى تثبيت حضورها في عمق الخليج، تمهيدًا لخطوات أكبر ترتبط بالرؤية التوراتية ل(إسرائيل) الكبرى.

دلالات استراتيجية

رؤية “إسرائيل الكبرى” ليست مجرد حلم أيديولوجي، بل أداة سياسية تُستخدم لشرعنة السياسات العدوانية. فكل توسع استيطاني أو عدوان عسكري يتم تسويغه بخطاب ديني-تاريخي. ومع الحرب الجارية على غزة، يتم ربط “الإبادة” الحالية بمسار “تطهير الأرض” وإعادة رسم الحدود وفق المخيال التوراتي.

الأخطر أن هذه الرؤية لا تستثني أي دولة عربية، بما في ذلك السعودية، التي يُنظر إليها في الأدبيات الصهيونية كجزء من “الأرض الموعودة”. ويعني ذلك أن التحدي أمام العالم العربي والإسلامي لا يقتصر على حماية فلسطين، بل يتصل مباشرةً بحماية الحرمين الشريفين كرموز حضارية ودينية وسياسية.

فمن خريطة محفورة على عملة صغيرة، إلى تصريحات نتنياهو وخطابات ترامب والقساوسة الإنجيليين، تتبلور ملامح مشروع توسعي يُسمى “إسرائيل الكبرى”. هذا المشروع يتطلع إلى ما وراء القدس والضفة وغزة، ليضع مكة المكرمة والمدينة المنورة في دائرة الأطماع.

وبينما يواصل الاحتلال جرائمه في غزة، ويستخدم خطابًا توراتيًا لتبرير التوسع، يبقى خطر التطبيع غير المشروط أكبر من مجرد خطوة سياسية؛ إنه فتح للباب أمام اختراق جغرافي وأيديولوجي قد يطال أقدس مقدسات المسلمين.

ويؤكد مراقبون أن مواجهة هذا المشروع تستدعي وقف كافة أشكال التطبيع السعودي ووعيًا عربيًا وإسلاميًا بأن القضية ليست فلسطينية فحسب، بل صراع وجودي مع رؤية صهيونية تريد إعادة رسم خريطة المنطقة على مقاس نصوص توراتية، تهدد حاضر الأمة ومستقبلها.

ويكليكس السعودية

قد يعجبك ايضا