أوّل الشعراء دفاعًا عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
عبدالرحمن الحمران
ظهرت البدايات الأولى للشعر النبوي مع مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حين حمله جدّه عبد المطلب إلى جوف الكعبة معبّرًا عن فرحته بإنشاد أبيات تكشف عن إحساس عميق بعلو شأن المولود المبارك:
الحمدُ للهِ الذي أعطاني *** هذا الغلامَ الطيِّبَ الأردانِ
قد سادَ في المهدِ على الغلمان *** أعيذُه بالبيتِ ذي الأركانِ
ومع بزوغ فجر الإسلام، كان أبو طالب عمّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولَ من ناصر الدعوة المحمدية، وذاد عنها، وحمى صاحبها، ودافع عنه, فقد صدع صوته بقصائد خالدة اتسمت بالحرارة الإيمانية والصدق العاطفي المنبثق من إيمانه المبكر بنبوّة ابن أخيه، وهي تمثل أقدم نصوص الشعر النبوي من حيث الوظيفة الدفاعية.
ومن أبرز ما جاء في شعره دعوته الصريحة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المضي قدمًا في تبليغ رسالته، مقرونًا بإيمانه بصدق دعوته:
فاصدَعْ بأمرِك ما عليكَ غَضاضةٌ *** وابشِرْ بذاكَ، وقرَّ منهُ عُيونا
ودَعَوْتَني، وزَعمتَ أنك ناصحٌ *** ولقد صدقْتَ، وكنتَ ثَمَّ أَمينا
ولقد عَلِمتُ بأنَّ دِيـنَ مُـحمَّـدٍ *** مِن خيرِ أديانِ البريَّةِ دِينا
واللهِ لن يَصلوا إليكَ بجمعِهمْ *** حتى أُوَسَّدَ في الترابِ دَفينا
وفي لاميته المشهورة التي قيل عنها إنها أفحل من المعلّقات، يعلن أبو طالب عزمه على الفداء والمقاومة:
كَذَبتُم وَبَيتِ اللَهِ نَترُكُ مَكَّةً *** وَنَظعَنُ إِلّا أَمرُكُم في بَلابِلِ
كَذَبتُم وَبَيتِ اللَهِ نُبزى مُحَمَّداً *** وَلَمّا نُطاعِنْ دونَهُ وَنُناضِلِ
وَنُسلِمُهُ حَتّى نُصَرَّعَ حَولَهُ *** وَنذهلَ عَن أَبنائِنا وَالحَلائِلِ
وَجُدتُ بِنَفسي دَونَهُ وَحَمَيتُهُ *** وَدافَعتُ عَنهُ بِالطُلى وَالكَلاكِلِ
وَلا شَكَّ أَنَّ اللَهَ رافِعُ أَمرِهِ *** وَمُعليهِ في الدُنيا وَيَومَ التَجادُلِ
وخلال حصار الشعب، كان أبو طالب شديد الحرص على ابن أخيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيبدّل مضجعه كل ليلة ويُضجع مكانه عليًّا عليه السلام وقايةً له. فقال لعلي ذات مرة وقد خاف عليه:
اصْبِرنْ يا بُني فالصَّبرُ أحْجَى *** كـلُّ حـيٍّ مـصيرُه لشُعوب
قـد بـذلناك والـبلاءُ شـدِيدٌ *** لـفداءِ الـحبيبِ وابنِ الحبيبِ
فيردّ عليٌّ عليه السلام مبينًا عزمه:
أتَأمرُني بالصَّبرِ في نَصْرِ أحْمدٍ *** وواللهِ ما قُلتَ الـذي قُلتَ جازِعا
ولـكنَّنِي أحببتُ أنْ ترَ نُصرَتي *** وتـَعْلــمَ أنـِّي لـم أزلْ لـك طـائــعا
وسَعْيي لوجْهِ اللهِ في نَصْرِ أحمد *** نبيِّ الهُدى المحمودِ طِفلاً ويافِعا
كما خاطب أبو طالب أخاه حمزة بعد إسلامه، مشجعًا إيّاه على الثبات:
فـصَبْراً أبـا يـَعْلَى عَـلى دينِ أحمدٍ *** وكـنْ مُـظْـهِراً لـلدِّينِ وُفِّــقتَ صَـابِرا
نـَبيٌّ أتَـى بـالـدِّينِ مِـن عِــنـدِ رَبِّــهِ *** بـِصِدقٍ وحَــقٍ لا تـَكُنْ حَـمْـزُ كَافِرا
فـقد سـرَّنِي إذ قُـلتَ ” لبَّيكَ ” مُؤمِناً *** فَـكُنْ لِـرسُولِ اللهِ فـي الدِّين ناصِرا
ونَـــادِ قُــرَيــْشـاً بِـالَّــذِي قــد أتَـيــتَهُ *** جَهَاراً وقُل : مَا كَانَ أحـمَدُ سَاحِرا
وهكذا كان أبو طالب رضي الله عنه كان أوَّلَ من صدع بالشعر في مواجهة أعداء الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، وبوفاته خسر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) السند الشعري والسياسي الأكبر, فكانت الهجرة من مكة التي خذلته إلى مكان حاضِنٍ وناصِرٍ ينشر فيه دعوة الإسلام ضرورة لا بديل لها، فخرج الرسول (ص) من مكة مهاجراً إلى المدينة, حيث يسكن الأنصار اليمنيون ( الأوس والخزرج) فاستقبلوه واحتفوا بقدومه, مردِّدين أولى القصائد النبوية في العهد المدني:
طَلَعَ البَدْرُ عَلَيْنَا مِنَ ثَنِيَّاتِ الوَدَاع *** وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا مَا دَعَى لِلَّهِ دَاع
أَيُّهَا المَبْعُوثُ فِينَا جِئْتَ بِالأَمْرِ المُطَاع *** جِئْتَ شَرَّفْتَ المَدِينَةَ مَرْحباً يَا خَيْرَ دَاع
رحم الله سيِّد البطحاء وسند الرسول وحاميه وشاعر الدعوة الأول أبا طالب ابن عبدالمطلب.