اقتصاد العدو الإسرائيلي ينهار.. ودول عربية مطبّعة تتسابق لإنقاذه تحت غطاء الاستثمار
أخطر أزمة اقتصادية تضرب الكيان الصهيوني منذ قيامه.. ودول عربية مطبّعة تتسابق لإنقاذه تحت غطاء الاستثمار
الحقيقة خاص ـ جميل الحاج
منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، يعيش الكيان الصهيوني أخطر أزمة اقتصادية منذ قيامه عام 1948، أزمة تتداخل فيها التداعيات العسكرية مع الانهيارات المالية والاجتماعية، لتكشف هشاشة البنية الاقتصادية رغم كل الدعاية التي طالما قدّمها الاحتلال الإسرائيلي عن “قوة اقتصاده”.
فمع تزايد جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وارتفاع الأصوات المطالبة بمحاسبته، اتجهت دول ومؤسسات مالية عالمية إلى فرض عقوبات غير مباشرة عبر سحب استثماراتها من السوق الإسرائيلي أو مقاطعة الشركات الداعمة له، وفي المقابل، تحاول بعض الأنظمة العربية أن تعوّض هذه الخسائر بضخ مليارات الدولارات في مشاريع وصفقات جديدة مع تل أبيب، في خطوة تثير جدلاً واسعاً حول التناقض بين الموقف الشعبي الرافض للتطبيع والدعم الرسمي الذي ينقذ اقتصاد الاحتلال من الانهيار.
بيانات وزارة مالية العدو الصهيوني أظهرت أن موازنة الدفاع لعام 2024 ارتفعت بنسبة 65% لتصل إلى 46.5 مليار دولار، مع توقعات بزيادة إضافية قدرها 12.5 مليار دولار خلال عامي 2025 و2026. هذه الأرقام تكشف حجم النزيف المالي الذي يستهلك الخزينة الإسرائيلية في ظل استمرار الحرب واتساع جبهاتها.
في المقابل، يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تراجع معدلات النمو، وتزايد التضخم، وتفاقم البطالة، وسط تحذيرات من انهيار قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة التي بدأت بالانسحاب نتيجة انعدام الاستقرار.. ليصبح الاقتصاد الإسرائيلي اليوم يعتمد بشكل متزايد على الدعم الخارجي، سواء عبر المساعدات الأمريكية السنوية البالغة 3.8 مليارات دولار، ومن خلال الاستثمارات العربية التي تضخ سيولة حيوية في السوق الداخلية.
ورغم عمق الأزمة، يجد الكيان الصهيوني متنفساً عبر بوابة التطبيع الاقتصادي مع بعض الأنظمة العربية التي تُسوق خطواتها على أنها “مشاريع استثمارية وتنموية”، بينما هي عملياً عمليات إنقاذ مباشر للخزينة الإسرائيلية.
وتحت غطاء الاستثمار والاحتياج وقعت مصر عقداً ضخماً لاستيراد الغاز من إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار، وهو من أكبر العقود في تاريخ العلاقات الاقتصادية الثنائية، بما يوفر تدفقاً مالياً ثابتاً لصالح الاحتلال.
في حين أبرم المغرب صفقة تسلّح مع تل أبيب شملت أسلحة متطورة وأقماراً صناعية بقيمة تقارب مليار دولار.. وفي موازاة ذألك أنشأت الإمارات قبل ثلاث سنوات صندوقاً استثمارياً بقيمة 10 مليارات دولار لدعم مشاريع في الأراضي المحتلة، تحت مسميات “تنموية”، لكنها عملياً تسهم في خلق وظائف للمستوطنين وتغطية العجز المالي الناجم عن الإنفاق العسكري.. وعززت كلاً من الأردن والبحرين حجم التبادل التجاري مع الكيان رغم تصاعد العدوان على غزة، في مسار متوازٍ مع بقية دول التطبيع.
أما تركيا فقد كشف الوثائق أن التجارة بين تركيا و(إسرائيل) لم تتوقف بعد 7 أكتوبر، بل سجلت ارتفاعًا قياسيًا، حيث بلغت صادرات تركيا 2.86 مليار دولار في 2024، وفق بيانات قاعدة الأمم المتحدة التجارية .
تقرير مكتب الإحصاء الإسرائيلي أكد أن حجم التبادل التجاري مع خمس دول عربية مطبعة (الإمارات، مصر، البحرين، الأردن، المغرب) ارتفع بشكل ملحوظ حتى مع استمرار المجازر بحق الفلسطينيين في غزة. وهو ما يعكس حجم التناقض بين الخطاب الرسمي المعلن لهذه الأنظمة، وما يجري على الأرض من دعم اقتصادي مباشر للاحتلال الإسرائيلي.
المعادلة هنا واضحة: كيان يعيش نزيفاً مالياً متسارعاً بسبب حرب استنزاف طويلة، في مقابل دعم عربي “مقنّع” يمدّه بالأوكسيجين الاقتصادي تحت عنوان الاستثمار والتعاون.. غير أن هذا الدعم، مهما بلغ حجمه، يبقى هشاً أمام عمق الأزمة البنيوية التي تهدد اقتصاد الاحتلال بالانهيار، وما بين العقوبات الدولية التي تتسع يوماً بعد يوم، والدعم العربي الرسمي الذي يسعى لإنعاش اقتصاد الاحتلال، يقف الكيان الصهيوني على مفترق طرق خطير، فهروب رؤوس الأموال والمستثمرين، إلى جانب هجرة الكفاءات، يشكل تحدياً وجودياً قد لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية مواجهته على المدى الطويل، مهما بلغت المساعدات الخارجية.
إن الأزمة الراهنة ليست مجرد أزمة مالية عابرة، بل هي مؤشر على تصدع في البنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للكيان، وإذا ما استمرت الضغوط الدولية وخاصة الشعبية والمقاومة الفلسطينية، والضربات والحصار البحري اليمني، فإن المستقبل قد يحمل لـ”إسرائيل” تحديات غير مسبوقة قد تتجاوز الاقتصاد إلى تهديد بقاء الكيان ذاته.