إعلان المجاعة في غزة .. إقرار دولي متأخر بكارثة صنعتها (إسرائيل)

بعد 686 يومًا من الإبادة الجماعية التي تنفذها (إسرائيل)  جاء الإعلان الأممي عن تفشّي المجاعة في غزة كخطوة هامة لتوصيف حقيقة ما ترتكبه (إسرائيل)  من استخدام التجويع كأداة إبادة وسلاح حرب، فيما يبقى المهم ماذا بعد هذا الإعلان وهل يمكن أن يكون هناك إجراءات فعلية تنقذ أكثر من مليوني إنسان من الموت قصفًا أو جوعًا.

وأعلنت الهيئة الدولية المعنية بمراقبة الجوع في العالم (IPC) الجمعة وقوع المجاعة في محافظة غزة، حيث يواجه أكثر من نصف مليون إنسان مستويات كارثية من الجوع وسوء التغذية الحاد.

وقال التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، المدعوم من الأمم المتحدة، إن أكثر من نصف مليون شخص بغزة يواجهون ظروفا تتسم بالجوع والعوز والموت، وتوقع أن تمتد المجاعة إلى دير البلح (وسط) وخان يونس (جنوب) بنهاية الشهر الحالي، داعيا إلى وقف المجاعة في غزة بأي ثمن، محذرا بأن سوء التغذية الحاد سيتفاقم بسرعة في القطاع حتى يونيو/حزيران 2026.

ورغم أن (إسرائيل)  أعلنت من بداية عدوانها استخدام الطعام والشراب كأداة حرب، إلا أنها حاولت إنكار حدوث المجاعة بادعاء إدخال مساعدات محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع.

أهمية الإعلان

أهمية إعلان التصنيف، تكمن في نوعيته ندرته، إذ أنه أعلن المجاعة في حالات نادرة مثل الصومال عام 2011 وجنوب السودان أعوام 2017 و2020، ودارفور عام 2024.

يرجع ذلك إلى معاييره الصارمة لإعلان المجاعة إلى تحقق 3 شروط معا: أن تعاني 20% من الأسر على الأقل من نقص غذائي حاد، وأن يُصاب 30% من الأطفال بسوء تغذية شديد، وأن يتجاوز معدل الوفيات شخصين يوميا لكل 10 آلاف نسمة.

صناعة إسرائيلية

وهذا ما دفع أعلى مسؤول أممي، (الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى القول: إن المجاعة في قطاع غزة ليست لغزا، بل كارثة من صنع الإنسان (الاحتلال الإسرائيلي) واتهاما أخلاقيا وفشلا للبشرية نفسها، مؤكدا أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر دون عقاب.

وقال غوتيريش إنه “في الوقت الذي يبدو فيه أن الكلمات قد نفدت لوصف جحيم غزة أُضيفت كلمة جديدة هي “المجاعة”، وهي لا تقتصر على الغذاء فحسب بل هي انهيار متعمد للأنظمة اللازمة لبقاء الإنسان.

وأضاف أن الناس في غزة يتضورون جوعا والأطفال يموتون ومن يقع عليهم واجب التصرف يفشلون، محملا (إسرائيل)  المسؤولية “بصفتها القوة المحتلة والتي على عاتقها التزامات لا لبس فيها بموجب القانون الدولي”. وأكد أنه “لا يمكننا السماح لهذا الوضع بالاستمرار دون عقاب”.

التجويع الذي تديره (إسرائيل) ، ليس جديدًا عليها، فمنذ حصارها لقطاع غزة عام 2006، استخدمت الجغرافيا في هندسة سياسة التجويع، فأغلقت المعابر وتحكمت في كمية ونوعية الأغذية والبضائع التي تدخل غزة، وبلا خجل حددت كميات البضائع بناء على السعرات الحرارية لكل فرد (بما يبقيه على قيد الحياة)؛ إلاّ أنها استخدمت ذلك بتوحش مع بدء عدوانها في أكتوبر 2023، واشتد في مراحل معينة لخدمة أغراض سياسية وانتقامية وإجرامية لحكومة اليمين الإسرائيلي، حتى بات الصمت عليه من الهيئات الدولية غير ممكن بفعل الكارثة التي على الأرض.

تجويع للإبادة

المستشار القانوني للدولة بوزارة خارجية جنوب أفريقيا، زهير لاهر، يرى أن تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أشار بالضبط إلى ما تحدثت عنه بلاده، وهو “محاولة ممنهجة من (إسرائيل)  وبشكل متعمد لارتكاب الإبادة الجماعية بحق شعب قطاع غزة، ونية اتخاذ الإجراءات بطريقة ممنهجة للقضاء على سبل الحياة في غزة، ما يعني النية بارتكاب الإبادة الجماعية”.

وقال لاهر: إن التقرير الأممي سيساعد جنوب أفريقيا -التي رفعت قضية على مستوى محكمة العدل الدولية ضد (إسرائيل) – على جمع “ملف إضافي يثبت من جديد الأدلة الدامغة بأن (إسرائيل)  ترتكب جريمة الإبادة الجماعية”، معربا عن أمله بأن تنضم الدول الأخرى إلى القضية المرفوعة ضد (إسرائيل)  للتأكد من إحلال العدالة الدولية، في مداخلة له على الجزيرة.

حملة تجويع مهندسة

أما رئيس لجنة الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان وأستاذ القانون الدولي، وليام تشاباس، وصف التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بالمهم لأنه يؤكد وجود حملة تجويع مهندسة في غزة، مشيرا إلى أن هناك كمية من المعلومات والأدلة الدامغة، ومن الأهمية أن ينفذ القانون الدولي وتنفذ قرارات محكمة العدل الدولية على (إسرائيل) .

 

ويؤكد المرصد الأورومتوسطي أنّ الإعلان الأممي، وإن جاء متأخرًا، يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنّ الحكومة الإسرائيلية صنعت المجاعة عمدًا في قطاع غزة، عبر جرائم الحصار والتجويع المنهجي ومنع المساعدات الإنسانية وتدمير مصادر الغذاء المحلي.

الواقع أسوأ

وأشار إلى أن المعطيات الميدانية التي جمعها فريقه، إلى جانب البيانات الصادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة، تُظهر بوضوح أنّ الواقع يفوق بكثير ما عكسه إعلان التصنيف المتكامل، إذ يعاني بالفعل أكثر من 1.5 مليون إنسان من مستويات حادة من الجوع، في مشهد يرسّخ أنّ الأزمة وصلت إلى مستوى أخطر مما وثّقته التقديرات الأممية.

ونبه إلى أنّه في الوقت الذي سجّلت فيه وزارة الصحة 271 حالة وفاة، من بينهم 112 طفلًا، بسبب التجويع وسوء التغذية، فإنّ المعطيات المتوفرة تؤكد أنّ العدد الحقيقي أكبر بعدة أضعاف، بفعل عدم قدرة الوزارة على التوثيق الشامل نتيجة الانهيار الشامل للمنظومة الصحية في القطاع جرّاء الاستهداف الإسرائيلي المنهجي.

وشدّد على أنّ العامل الحاسم في الكارثة الحالية هو أنّها نتاج قرار إسرائيلي معلن منذ اليوم الثاني للإبادة الجماعية، حين أعلن مسؤولو الحكومة الإسرائيلية بوضوح أنّه “لا طعام ولا شراب لسكان غزة”، وما تلا ذلك من تطبيق شامل ومنظّم لمنع إدخال المساعدات أو البضائع تمّ ضمن منظومة سيطرة وتحكّم إسرائيلية، هدفت إلى تكريس المجاعة وهندسة التجويع كأداة متعمّدة ضد السكان المدنيين.

ووفق التقارير الحقوقية؛ فإن إطلاق الاحتلال عمل مؤسسة “غزة الإنسانية” في 27 مايو/أيار الماضي شكّل حلقة إضافية في تكريس سياسة التجويع وهندستها، إذ تحوّلت نقاط التوزيع التي أقامتها إلى “مصائد موت” استهدفت فيها القوات الإسرائيلية، وبمشاركة مرتزقة أمريكيين أحيانًا، الفلسطينيين بشكل مباشر، فقتلت 2,036 شخصًا وأصابت 15,064 آخرين، إضافة إلى آلاف آخرين قضوا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات من الشاحنات في المناطق الخاضعة لسيطرة تلك القوات.

وصممت مراكز التوزيع التابعة للمؤسسة إلى جانب كونها مناطق قتل، عمدًا بحيث تبقى غير متاحة لشرائح واسعة من السكان، إذ تُحرم عشرات آلاف العائلات التي تفتقد لعضو قادر جسديًا بسبب العمر أو الإعاقة أو الإصابة أو الغياب أو حتى القتل، من الوصول إليها كليًا، ما يتركها تواجه تجويعًا بطيئًا ومتعمدًا.

الأهم من الإعلام، ما الخطوات والإجراءات الممكنة لإنهاء المجاعة وإنقاذ مئات آلاف المواطنين، هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.

مركز الإعلام الفلسطيني

قد يعجبك ايضا