اليمن يحتفي بالمولد النبوي الشريف.. أجواء روحانية تعانق السماء

المولد النبوي الشريف.. مناسبة تعكس أصالة الإيمان والحكمة اليمانية

ذكرى المولد النبوي في اليمن.. منارة إيمانية ومقاومة ثقافية

خاص للحقيقة: جميل الحاج

تحتل ذكرى المولد النبوي الشريف مكانة مركزية في وجدان الأمة الإسلامية، فهي ليست مجرد مناسبة تاريخية عابرة، بل محطة إيمانية متجددة لترسيخ الولاء لرسول الله محمد صلى الله عليه وآلة وسلم، وتجديد العهد مع المبادئ السامية التي أرسى دعائمها، في زمن تتزايد فيه التحديات والمؤامرات التي تسعى لإضعاف ارتباط المسلمين بنبيهم، وتحويل المناسبات الدينية إلى طقوس شكلية فارغة من جوهرها.

ولهذا فإن الاحتفال بمولده يمثل فعل مقاومة ثقافية وروحية، ورسالة تحدٍ في وجه كل محاولات طمس الهوية الإيمانية للأمة.

إن إحياء هذه الذكرى يشكل فرصة ثمينة لتعميق المعرفة بسيرة النبي العطرة، واستلهام الدروس من قيادته الحكيمة ومنهجه في بناء الإنسان والأمة.

كما أنه تعبير صادق عن الفرح بفضل الله ورحمته التي تجلت في بعثته، وتأكيد عملي على أن الولاء له لا يكتمل إلا بالالتزام برسالته والتمسك بنهجه القويم. ومن ثم، فإن المولد النبوي يتحول إلى منارة لتوحيد صفوف المسلمين، وتعزيز وعيهم الجماعي، وتعبئة طاقاتهم الروحية لمواجهة تحديات الواقع.

اليمن.. لوحة نورانية في ذكرى مولد الهدى

ومنذ أسابيع، تعيش اليمن أجواء روحانية غير مسبوقة استعداداً لذكرى المولد النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، حيث تصدح المساجد ومجالس الذكر بألوان المديح المحمدي والسير العطرة، وتكتسي الجبال والقرى والمباني والشوارع والمدن اليمنية بحلل نورانية خضراء تتلألأ أضواؤها المزخرفة باسم النبي محمد صلوات الله علية وعلى آلة.

الأنوار البهيجة تعانق الأفق كأنها نجوم السماء، تتوزع على مآذن المساجد العتيقة وشرفات البيوت وأعمدة الإنارة، لترسم لوحة روحانية تبعث السكينة في القلوب، وتنعش وجدان عشاق الرسول الأكرم.

في كل قرية وعزلة ومديرية، لا تخلو ساحات اليمن من مجالس الذكر والصلوات، لتتحول البلاد بأكملها إلى مهرجان نوراني ممتد.

المدن تكتسي حلة خضراء

وفي كل المحافظات اليمنية، انطلقت التحضيرات المبكرة لإحياء هذه المناسبة، حيث تُعقد الاجتماعات وتُجهز الفعاليات الرسمية والشعبية، وتنتشر فرق التحسينات والزينة وحملات النظافة.

تتزين المباني، والشوارع، والحدائق، وحتى الأشجار وقمم الجبال بأعلام ولافتات خضراء، فيما يبرع أصحاب السيارات والدراجات النارية في تزيينها بأنوار الزينة، لتبدو في مظهر بهيج يليق بصاحب الذكرى العطرة.

وفي أي اتجاه تسير، تستقبلك أنوار اللوحات الضوئية المتلألئة بأحجامها وألوانها، لتضيء عتمة الدروب وتنثر السكينة في النفوس.

ويجمع المراقبون أن اليمن ينفرد عالمياً بمستوى الاحتفاء، فلا تكاد تجد بلداً يضاهي اليمنيين في عمق ارتباطهم برسول الله ولا في حجم بهجتهم بذكرى مولده الشريف.

اليوم العظيم.. مهرجانات جماهيرية مليونية

وفي الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري، يتوج اليمنيون استعداداتهم الكبرى بفعاليات مركزية جماهيرية مليونية في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، حيث يحتشد الشعب اليمني إلى الساحات المركزية في أمانة العاصمة ومراكز المحافظات والمديريات، وتتنوع الأنشطة بين الدروس الوعظية، والسير النبوية، والأناشيد الروحانية، وأهازيج المديح الممزوجة بالصلوات على النبي وآلة.

ويسبق الفعالية المركزية، احتفالات في الوزارات والمؤسسات الرسمية، وتنظيم ندوات ثقافية وفكرية، فيما تشهد الجامعات والمدارس والمراكز الشبابية فعاليات توعوية تعزز ارتباط الجيل الجديد بالرسول الأكرم.

ويكتسب إحياء المولد هذا العام دلالة خاصة، في ظل ما تشهده الأمة من تحديات جسيمة، أبرزها المجازر والإبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، والتطبيع العلني الذي تمارسه بعض الأنظمة مع العدو الصهيوني.

وفي هذا السياق، يأتي المشهد اليمني ليبعث رسالة واضحة للعالم بأن الأمة لا تزال تحتفظ بخطها الأصيل، متمسكًة برسولها وقضيتها المركزية، رافضة كل أشكال التفريط.

ارتباط وجداني وروحي يتجدد كل عام  

ويُستحضر في هذا المقام قول النبي الكريم: “أتاكم أهل اليمن، هم أرق أفئدة وألين قلوباً، الإيمان يمان والحكمة يمانية”، ليؤكد على العمق التاريخي لعلاقة اليمنيين برسول الله.

وهو ارتباط لا يقتصر على الشعارات بل يتجسد في المواقف العملية؛ فاليمنيون الذين ناصروا الرسول في بداية الدعوة، يجددون اليوم بيعتهم بالسير على خطاه، متمسكين بنهجه ومبادئه.

وفي الوقت الذي يسعى فيه الأعداء إلى إفراغ المناسبات الدينية من مضمونها، يحول اليمنيون ذكرى المولد إلى موسم تعبئة إيمانية وروحية، يستلهمون منه دروس الصبر والثبات والجهاد. فتتجسد الاحتفالات كرسالة مقاومة، وتجديد للعهد مع الرسول بأن يكونوا أنصاراً لدينه كما كان أجدادهم من قبل.

في ختام المشهد، يعيش اليمنيون ذكرى المولد النبوي الشريف بقلوب خاشعة وأفئدة مفعمة بالمحبة، ولسان حالهم يردد: “سنظل نحمل لواء النصر لك يا رسول الله، وعلى العهد أنصاراً لدينك”، مرددين الصلوات المحمدية في أجواء فرائحية تعكس عمق ارتباطهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتجسد دورهم التاريخي كأمة أنصار الإيمان والحكمة.

قد يعجبك ايضا