الإمارات والسعودية .. تحالف تدريب أم مشروع عدوان جديد بإشراف أمريكي ؟
يبدو أن التحركات العسكرية الأخيرة بين السعودية والإمارات، والتي تمثلت في وصول مجموعة من القوات الجوية السعودية إلى قاعدة الظفرة للمشاركة في تمرين «مركز الحرب الجوي الصاروخي ATLC-35»، تتجاوز الطابع التدريبي المعلن، وتحمل في طياتها إشارات إلى استعدادات إقليمية لموجة جديدة من التصعيد، ربما تكون اليمن إحدى ساحاتها الرئيسية.
فمن حيث الشكل، تبدو المناورات جزءًا من التعاون العسكري المعتاد بين البلدين، إلا أن التوقيت والمضمون يفرضان قراءة أعمق. فهذه المناورات تأتي في وقت تشهد فيه العلاقة بين صنعاء والرياض حالة من التوتر الصامت، بعد تباطؤ الأخيرة في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مسقط، وفي ظل تحذيرات متكررة من صنعاء بوجوب الالتزام الكامل ببنود التفاهمات، وإلا فإن التصعيد سيعود إلى الواجهة.
تأتي هذه المناورات السعودية الإماراتية في وقتٍ تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى، أبرزها الفشل الأمريكي الذريع في البحر الأحمر، حيث عجزت القوات الأمريكية عن تحقيق أي إنجاز ميداني أمام القدرات اليمنية المتصاعدة، وفشلت في حماية سفنها ومدمراتها من الضربات الدقيقة للقوة البحرية اليمنية. ذلك الفشل، الذي بات يُنظر إليه داخل واشنطن على أنه «إخفاق غير مسبوق» في تاريخ الهيمنة الأمريكية، مثّل سقوطًا مدويًا لمفهوم الردع الأمريكي، وضربة قاصمة لصورة القوة الأمريكية في واحدة من أهم الممرات المائية في العالم.
هذا الإخفاق الكبير جعل الإدارة الأمريكية تتحرك محمومة لإعادة بناء «شبكة الردع» في البحر الأحمر، في محاولة لإضعاف القوة اليمنية التي باتت تمتلك زمام المبادرة في الميدان.
ومن هنا تأتي المناورات السعودية الإماراتية كجزءٍ من خطة أمريكية لإعادة الاصطفاف العسكري في المنطقة،
وتشير المعطيات إلى أن واشنطن باتت تعتبر إعادة الهيمنة على البحر الأحمر أولوية استراتيجية لا تقل أهمية عن حماية كيان العدو الإسرائيلي، بعد أن أثبتت صنعاء قدرتها على كسر أكبر التحالفات.
ولذلك تسعى الولايات المتحدة، عبر أدواتها في الرياض وأبوظبي، إلى ترميم ما تبقى من هيبتها المنهارة، وإرسال رسائل تهديد إلى صنعاء، في محاولة فاشلة لفرض معادلة الردع القديمة التي أسقطها الواقع اليمني الجديد.
من جهة أخرى فإن المعلومات تشير إلى أن وراء هذا التحرك جملة من المصالح المشتركة تجمع الأطراف الثلاثة: السعودية، والإمارات، وواشنطن، لكلٍ منها حساباته الخاصة.
السعودية –التي تجد نفسها اليوم في مأزق سياسي أمام صنعاء– تحاول التنصل من التزاماتها في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، والالتفاف على البنود المتفق عليها.
وهي ترى أن التوتر مع صنعاء يهدد طموحاتها الداخلية، خصوصًا استضافتها لبطولة كأس العالم، وهو حدثٌ تراهن عليه الرياض لتقديم نفسها كقوةٍ ناعمةٍ جديدة في المنطقة، بعيدًا عن أجواء الحرب والتهديدات.
ولذلك تسعى إلى تحييد الخطر اليمني وإعادة فرض ما تسميه “الردع الوقائي” من خلال التحالف مع أبوظبي وتنشيط التنسيق العسكري بإشراف أمريكي.
أما الإمارات، فهي تتحرك بدوافع مختلفة وإن كانت تصب في الاتجاه نفسه. فبالنسبة لأبوظبي، تمثل المناطق الجنوبية والساحل الغربي في اليمن ورقة نفوذٍ استراتيجية واقتصادية لا يمكن التفريط بها، بعد أن بنت فيها منظومات أمنية وعسكرية وكيانات محلية تدين بالولاء لها. لذلك فإن استمرار حالة الحرب المنضبطة يضمن بقاء نفوذها الميداني في تلك المناطق تحت غطاء التحالف، ويحول دون بسط صنعاء سيطرتها الكاملة على الجغرافيا اليمنية. ولأجل ذلك، تسعى الإمارات إلى إبقاء التحالف في حالة استنفار دائم، حتى وإن كان الهدف المعلن مجرد تدريب أو مناورة.
أما واشنطن، فهي الطرف الأشد قلقًا من التحولات الجارية في البحر الأحمر. فبعد الفشل الأمريكي المتكرر في معركة البحر الاحمر وسقوط منظومات الدفاع الأمريكية أمام ضربات القوة البحرية اليمنية الدقيقة، وجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام واقعٍ استراتيجي جديد يُنذر بانهيار هيبتها العسكرية، ليس فقط في البحر الأحمر، بل في مجمل خطوط التجارة العالمية. هذا الفشل التاريخي، الذي وصفته مراكز أبحاث أمريكية بأنه «إسقاط فعلي لهيمنة واشنطن البحرية»، جعل من استعادة الهيبة الأمريكية هدفًا عاجلًا لا يقل أهمية عن حماية إسرائيل في المنطقة. ومن هنا جاءت التعليمات الأمريكية بإعادة تنشيط الحلف السعودي الإماراتي، ليكون ذراعًا ميدانيًا لتنفيذ سياسة “استعادة الردع” بالوكالة عن واشنطن.
إن ما تسميه السعودية والإمارات «مناورة تدريبية» ليس سوى محاولة يائسة لإعادة تفعيل غرف عمليات العدوان، في وقتٍ تدرك فيه واشنطن أن تفوقها العسكري لم يعد يحقق لها الأمن، ولا يعيد إليها هيمنتها.
فكل ما يجري اليوم هو تحرك دفاعي بغطاء هجومي، هدفه تدارك السقوط المتسارع للنفوذ الأمريكي في البحر الأحمر، وإعادة الاعتبار لحلفاء فقدوا الثقة في قدرتهم على حسم أي معركة.
فالسعودية والإمارات، اللتان تلقتا خلال السنوات الماضية ضربات موجعة في البحر والجو والبر، تحاولان اليوم، من خلال هذه المناورات، إنتاج أوراق ضغط جديدة يمكن استخدامها على طاولة المفاوضات في محاولة يائسة لإجبار صنعاء على تقديم تنازلات تتعلق بالملفات الاقتصادية والإنسانية والسياسية
إن أي محاولة جديدة للعدوان على اليمن ستكون مقامرة غير محسوبة، فاليمن اليوم ليس كما كان قبل عقدٍ من الزمن، وبالتالي فان ماينتظر الرياض وابوظبي سيكون قاسيا وغير مسبوق
المصدر ـ عرب جورنال