الخط الأصفر.. خدعة “وقف النار” وتحول غزة إلى ساحة احتلال دائم تحت غطاء الاتفاقيات

لا يزال وقف إطلاق النار الهشّ، الذي أنهى حرب “إسرائيل” المُستمرّة منذ عامين، صامدًا بصعوبة، مع إغلاق معبر رفح، وتقييد وصول المساعدات، منذ دخول وقف إطلاق النار الهشّ، الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في الـ 10 من أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل حوالي 12 يومًا، قتلت “إسرائيل” أكثر من 100 فلسطيني في غزة وأصابت 230 آخرين.

أسفرت حرب “إسرائيل” على غزة، التي وصفتها المنظمات الدولية ولجنة الأمم المتحدة بالإبادة الجماعية، حتى الآن عن مقتل أكثر من 68 ألف شخص وإصابة أكثر من 170,200 آخرين.

زعم الكيان الإسرائيلي أن حماس تُماطل في إعادة جثامين 28 أسيرًا إسرائيليًا قُتلوا في القصف الإسرائيلي على غزة، إلا أن حماس صرّحت منذ البداية أنها بحاجة إلى معدات حفر متطورة وثقيلة لاستخراج جثامين جميع الأسرى والعثور عليها، بالإضافة إلى جثامين حوالي 10,000 فلسطيني، ومع ذلك، تُشير التقارير إلى أن الصهاينة لم يلتزموا ببنود وقف إطلاق النار.

استشهاد فلسطيني يوميًا خلال وقف إطلاق النار؟

يُفيد المكتب الإعلامي للحكومة الفلسطينية في غزة أن “إسرائيل” انتهكت الاتفاق 80 مرة، واستشهدت ما لا يقل عن 97 فلسطينيًا، قبل أيام، أطلق جنود الاحتلال النار على سيارة وقتلوا 11 فردًا من عائلة أبو شعبان في حي الزيتون، كان في السيارة سبعة أطفال وثلاث نساء يحاولون الوصول إلى منازلهم.

ويوم الأحد، استشهد العشرات في غزة جراء غارات جوية وبرية، يوم الاثنين، وبعد أن زعمت “إسرائيل” التزامها بوقف إطلاق النار، قتلت عددًا من الفلسطينيين في حي الشجاعية شمال غزة، بزعم أنهم يشكلون “تهديدًا” للجنود الإسرائيليين.

قيود على المساعدات

فرض الصهاينة أيضًا قيودًا صارمة على إيصال المساعدات إلى غزة، خلافًا لبنود وقف إطلاق النار، التي دعت إلى رفع القيود المفروضة على إيصالها، ولا يزال معبر رفح مغلقًا، وأعلنت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء أنه لم يُسمح إلا لـ 300 شاحنة مساعدات بالمرور.

رغم مرور ما يقرب من أسبوعين على إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لا توجد أي مؤشرات على تحسن الوضع الإنساني في المنطقة، ويواصل الصهاينة استخدام المعابر والمساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي وأمني، متعمدين تأخير تنفيذ الاتفاق ومنع وصول المساعدات كاملةً إلى سكان غزة المنهكين والجوعى.

تشير التقارير حاليًا إلى أن أكثر من مليوني فلسطيني يواجهون الفقر والجوع ونقص الأدوية والمأوى، وأن أسعار السلع القليلة المتوفرة في السوق بعيدة عن متناول معظم الناس.

ووفقًا لمكتب الإعلام الحكومي في غزة، منذ بدء وقف إطلاق النار في الـ 10 من أكتوبر/تشرين الأول، دخلت 986 شاحنة مساعدات فقط إلى غزة، بما في ذلك 14 شاحنة غاز و28 شاحنة وقود فقط؛ بينما كان من المفترض، وفقًا للاتفاق، دخول 600 شاحنة يوميًا ووصول 6600 شاحنة إلى غزة بحلول يوم الاثنين، وتُعد هذه الأرقام، وفقًا لمسؤولي غزة، دليلًا على استمرار سياسة تل أبيب في خنق وتجويع اهل غزة. وتصر حكومة غزة على أن هناك حاجة إلى 600 شاحنة مساعدات على الأقل يوميًا لتلبية الاحتياجات العاجلة للشعب، بما في ذلك الغذاء والدواء والوقود ومواد الإغاثة، بالإضافة إلى ذلك، ينتظر أكثر من 22,000 جريح نصف مليون عملية جراحية، وتحتاج 288,000 أسرة مشردة إلى خيام ومأوى مؤقت قبل حلول فصل الشتاء.

صرح برنامج الغذاء العالمي أن المساعدات التي تلقاها خلال الأسبوعين اللذين انقضيا منذ سريان وقف إطلاق النار لم تكن كافية إلا لتلبية احتياجات نصف مليون شخص لمدة أسبوعين، وأن أزمة غذائية ومائية حادة لا تزال قائمة.

كما حذر أمجد الشوا، رئيس شبكة المجتمع المدني في غزة، من أن التركيز فقط على عدد الشاحنات أمر مضلل، لأن العديد من الشحنات مواد غير أساسية. وأكد أن “غزة تحتاج إلى أكثر من ألف شاحنة يوميًا لتغطية الحد الأدنى من الاحتياجات الحقيقية للسكان”.

 

التزام حماس بالشروط

أفرجت حماس عن جميع الأسرى الإسرائيليين العشرين الأحياء بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كما أعادت 12 جثة من أصل 28 جثة، على الرغم من اتهامها المتكرر لـ”إسرائيل” بانتهاك وقف إطلاق النار، كما أكدت حماس في بيانٍ لها التزامها ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أنه بالنظر إلى الكم الهائل من حطام الحرب الناجم عن القصف المكثف على مدار العامين الماضيين، يصعب للغاية التعرف على جثث الأسرى تحت الأنقاض. وأشارت حماس إلى أنه بدون معدات جديدة ومساعدة الخبراء، لا يمكن ضمان التعرف على جثث جميع الأسرى.

عدم عودة النازحين إلى ديارهم بشكل كامل

في حين أن عودة النازحين إلى مناطقهم وتلقي المساعدات الإنسانية كانتا بنودًا صريحة في اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن المواطنين الفلسطينيين في غزة ما زالوا غير قادرين على العثور على منازلهم بين الأنقاض بسبب القصف المستمر.

علاوة على ذلك، عرّض إنشاء “الخط الأصفر” من قبل الصهاينة الفلسطينيين لإطلاق النار وفقدان أرواحهم في طريق عودتهم إلى منازلهم، كثيرون لا يعرفون على أي جانب من الخط الأصفر تقع منازلهم، الجانب الذي لا يزال محتلاً أم الجانب الذي تم تحريره؟ تُظهر خريطة قناة الجزيرة أن الخط الأصفر وضع حوالي 58% من غزة تحت الاحتلال الصهيوني، وفي ظل هذه الظروف، تكاد تكون عودة النازحين إلى منازلهم مستحيلة بالنسبة للعديد من السكان الذين تقع منازلهم على جانب الخط الأصفر، لأن هذا الجزء لا يزال تحت احتلال الجيش الصهيوني.

في الواقع، حال وجود الاحتلال في المنطقة الصفراء من غزة وإطلاق النار في محيطها دون عودة سكان مخيم جباليا، الذين يُقدر عددهم بحوالي 100 ألف نسمة.

هذا على الرغم من أن قوات الاحتلال تجاوزت الخط الأصفر مرارًا وتكرارًا ودخلت مناطق النازحين واشتبكت معهم. مما ادى الى استشهاد فلسطينيين واصابة آخرين، صباح الاثنين، في منطقة الشعف بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، جميعهم كانوا في منطقة خارج الخط الأصفر، ويُعدّ هذا الإجراء خرقًا واضحًا لوقف إطلاق النار.

وأوضح إسماعيل ثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني، في حديث للجزيرة نت، أن انتهاكات وقف إطلاق النار تشمل إطلاق النار المباشر على المدنيين، والقصف والاستهداف المتعمد، واعتقال عدد من المدنيين، وتعكس هذه الإجراءات النهج العدواني المتواصل للاحتلال ورغبته في تصعيد التوترات وتعطشه الدائم لسفك الدماء والقتل.

من جهة أخرى، ينفذ جيش الاحتلال هجماته مستخدمًا الآليات العسكرية والدبابات المتمركزة على أطراف الأحياء السكنية، وأجهزة الاستهداف عن بُعد، والطائرات الحربية والطائرات المسيرة الرباعية، كما تواصل الطائرات المسيرة التحليق يوميًا فوق المناطق السكنية وتنفيذ عمليات إطلاق نار واستهداف مباشر للمدنيين.

تشير تقارير أخرى إلى أن الصهاينة يواصلون احتلال مساحة تزيد عن 45 كيلومترًا مربعًا شمال غزة رغم وقف إطلاق النار، وهو ما يُعدّ انتهاكًا واضحًا لالتزام الانسحاب من مناطق محددة في اتفاق وقف إطلاق النار.

الخط الأصفر، ذريعة الصهاينة

يبدو أن بنيامين نتنياهو يستخدم الخط الأصفر ذريعةً لمواصلة عدوانه على قطاع غزة. كما ذكرت مصادر إسرائيلية أن نتنياهو يدرس فرض المزيد من القيود على حماس وعدم الانسحاب من غزة، وسيستخدم جثث الأسرى الإسرائيليين المتبقين في غزة ذريعةً لذلك، في حين سلمت حماس عددًا من الجثث، وأعلنت أن استمرار تسليم الجثث الأخرى مشروطٌ بإزالة الأنقاض وامتلاك المعدات اللازمة.

في مقابلة مع الجزيرة، صرّح رامي أبو زبيدة، الباحث في الشؤون العسكرية، بأن إقامة الخط الأصفر داخل قطاع غزة ليس إجراءً مؤقتًا، بل هو مرحلة جديدة في احتلال غزة طويل الأمد. يعتقد أن هذا الترسيم نُفِّذ “بهدف فرض واقع أمني وجغرافي جديد في قطاع غزة، بدلاً من الانسحاب الإسرائيلي الكامل منه”.

في الواقع، يسعى الصهاينة إلى ترسيم حدود جديدة في غزة عبر الخط الأصفر، الذي يغطي أكثر من نصف مساحة قطاع غزة، بمعنى آخر، يُمكّن الخط الأصفر الجيش الإسرائيلي من الحفاظ على حرية حركته في قطاع غزة، والقدرة على شن هجمات أو توغلات محدودة في أي وقت، في عمق الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة.

كما أن السيطرة على المناطق الحدودية، ورصد أي نشاط مقاوم، أو منع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية أو الأنفاق أو المواقع المتقدمة في غزة، من أهداف الصهاينة الأخرى في تحديد خط الحدود واحتلال أكثر من نصف قطاع غزة.

كذلك، بإقامة الخط الأصفر، سيمنع الصهاينة السكان واللاجئين من العودة إلى المناطق المدمرة قرب الحدود، بهدف تغيير التوزيع السكاني في غزة مع مرور الوقت، كما يدّعون، حيث أُفرغت مساحات واسعة من شمال وشرق غزة من سكانها وأصبحت شريطًا رماديًا خالٍ من الحياة، ويتماشى هذا الوضع مع رؤية الصهاينة الدائمة لإنشاء “منطقة أمنية عازلة” في قطاع غزة.

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن استمرار احتلال الصهاينة للخط الأصفر لم يعد مجرد مؤشر على انتهاء الحرب، بل هو مرحلة جديدة من احتلال غزة مُختبئة وراء الاتفاقيات، وإذا لم يدخل وقف إطلاق النار المرحلة الثانية وينهي الخط الأصفر وينسحب الصهاينة بالكامل من جميع مناطق قطاع غزة، فستواصل المقاومة من جديد مواجهة العدوان الصهيوني غير الشرعي.

الوقت التحليلي

قد يعجبك ايضا