“الشرعية” المشكلة والممولة “سعودياً وإماراتياً” تعد لحرب ضد صنعاء بقرار إسرائيلي!
مرافعة تحليلية استقصائية توثق التخادم السياسي بخطاب مدعّم بالمصادر والحقائق
“الشرعية” المشكلة والممولة “سعودياً وإماراتياً” تعد لحرب ضد صنعاء بقرار إسرائيلي!
الحقيقة /مرافعة : عبدالرحمن حسين العابد
من يتابع التطورات العسكرية الأخيرة يلحظ تصعيداً غير مسبوق من قِبل مجلس القيادة والحكومة المشكل والمدعوم سعودياً إماراتياً.
تحشيد على جبهات مأرب وتعز، نقل ألوية من العمالقة إلى بيحان، تجهيز كتائب مدرعة، وصول شحنات من الطيران المسيّر إلى مارب والساحل الغربي.
تقارير رصد حركة الطيران مثل FlightRadar24 أظهرت ارتفاعاً ملحوظاً في الرحلات المتجهة من قاعدة الظفرة الإماراتية إلى العند وسيئون، ما يعكس استعداداً لوجستياً يتجاوز مجرد التنسيق إلى التمهيد لعمل عسكري مشترك.
وفي أوائل يوليو، وصلت تعزيزات من اللواء الخامس دعم وإسناد إلى بيحان بقيادة بشير المضربي، أحد أبرز ضباط التنسيق مع الإمارات، ضمن إعادة تموضع لقوات ما تعرف باسم “درع الجنوب”.
وفي الجانب السياسي، صدرت تصريحات علنية عن القيادة الرئاسية بشأن “الحسم العسكري الشامل”، بالتزامن مع تعليق فريقهم في لجنة الحديدة، ما يشير إلى رغبة واضحة في إنهاء اتفاقات التهدئة.
السؤال: لماذا الآن؟ ولماذا كل هذا التزامن مع حركة إسرائيل الإقليمية؟
♦ أولا: العد التنازلي نحو عدوان جديد.
التحركات الأخيرة لا تُقرأ كمجرد تصعيد ميداني، بل تُشكّل خطوات متقدمة في خريطة طريق نحو حرب شاملة تُعدّ لها أطراف الشرعية بتنسيق سعودي إماراتي كامل.
فالنمط الذي نشهده يتطابق إلى حد بعيد مع مراحل العدوان في 2015:
– تأجيج إعلامي ضد صنعاء.
– تجييش عسكري على أطراف الجبهات.
– تفعيل التنسيق مع قوى أجنبية (أميركا، بريطانيا، إسرائيل).
– وخلق غطاء سياسي عبر شيطنة صنعاء وتوصيفها كتهديد إقليمي.
بل إن الجديد هذه المرة أن الاستعدادات تُنفّذ بهدوء تكتيكي، تحت مظلة “الدفاع عن مصالح اليمن” و“ردع التهديدات”، في حين أن كل المؤشرات تؤكد أن العدو الحقيقي الذي يواجهونه هو قرار صنعاء “باستمرار ضرب العمق الإسرائيلي”.
التحشيدات، الطيران، الحشود الإعلامية، البيانات الرسمية، الترويج لفشل اتفاق الحديدة، وتكثيف الحضور العسكري الغربي في المهرة وسقطرى…
كلها تشير إلى نقطة واحدة.. المرحلة الثانية من العدوان تُبنى بهدوء، وتنتظر ساعة الصفر فقط.
♦ ثانياً: من تل أبيب إلى عدن.. شبكة التصعيد العابر للحدود
منذ نهاية 2024، خرجت تصريحات إسرائيلية لافتة:
– وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قال صراحة: “الحوثيون أصبحوا تهديداً مباشراً لإسرائيل، وسنتحرك ضدهم”.
– رئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي صرّح بأن: “لدينا شركاء موثوقون في اليمن يدركون أهمية مواجهة هذا التهديد”.
– في مايو 2024، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي حينها يوآف غالانت بأن: “تهديد الحوثيين يتجاوز اليمن ويجب معالجته إقليمياً”، في إشارة صريحة إلى دور دول الخليج في محاولة تحجيم صنعاء.
– وفي ديسمبر 2024، كشفت تقارير صحفية مثل Axios وWSJ عن اجتماع سري تم في أبو ظبي بين رئيس جهاز الموساد وضباط إماراتيين لمناقشة “التنسيق الأمني لمواجهة الحوثيين”.
– وفي الوقت الذي بدأت واشنطن بتكثيف ضرباتها الجوية على صنعاء والحديدة وصعدة، وتحوّل التصنيف الأمريكي للحوثي “منظمة إرهابية”، إلى لحظة إعلان للحكومة المشكلة سعودياً لاستئناف الحرب.
– لم تكن الضربات الإسرائيلية السابقة على اليمن بعيدة عن هذا النسق، ففي يوليو 2024، شنت طائرات مسيّرة هجوماً دقيقاً على منشآت في الحديدة وصعدة نُسب لاحقاً لإسرائيل، وفق تحقيقات نشرها موقع “Breaking Defense”.
الغريب أن الحكومة اليمنية الموالية للتحالف لم تُدن الضربات، بل أصدرت بيانات تتهم الحوثيين حسب وصفهم”بتوريط اليمن في صراعات إقليمية!!”.
هذا التماهي كشف أن تل أبيب لا تعمل بمفردها، بل وفق خطة تم فيها توزيع الادوار “هي تقصف الأهداف، ثم يتولى الوكلاء تبريرها”!
وهذا التزامن ليس صدفة. بل الواضح أن تل أبيب تُدير معركة البحر الأحمر على مستويين:
* ضربات عسكرية مباشرة أو استخباراتية.
* وتشغيل حلفاء محليين (الشرعية، الإصلاح، الانتقالي، جناح الإمارات في المؤتمر) لتنفيذ التصعيد برياً.
♦ ثالثاً: من البيانات إلى الأدلة.. كيف تنفذ الشرعية أجندة إسرائيل؟
هناك العديد من الاستشهادات سنذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر، ومنها:
1. خالد اليماني، وزير خارجية حكومة هادي سابقاً، جلس إلى جوار بنيامين نتنياهو في ورشة البحرين 2019، وتبادل معه الابتسامات أمام الكاميرات، وقدم له كأس الماء بود في خطوة وصفتها الصحافة الإسرائيلية حينها بأنها “أكبر اختراق دبلوماسي في الملف اليمني”.
وزير الخارجية اليمني خالد اليماني يجلس إلى جوار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في افتتاح مؤتمر وارسو. pic.twitter.com/TA2679ci0v
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) February 14, 2019
2. المجلس الانتقالي الجنوبي، بلسان عيدروس الزبيدي وآخرين، تحدث في أكثر من مقابلة عن “عدم العداء مع إسرائيل”، وشارك وفد تابع له في حوارات أقيمت في باريس ضمت دبلوماسيين إسرائيليين، وفق تسريبات فرنسية.
3. أحمد عفاش، المقيم في أبو ظبي، رُفعت عنه العقوبات الأميركية فجأة في منتصف 2024، عقب وساطة إماراتية قالت تقارير من Al-Monitor إنها مرتبطة بـ”قبوله بلعب دور انتقالي يرضي الحلفاء الغربيين والإسرائيليين”.
4. الشرعية المُشكلة والممولة سعودياً وإماراتياً، كمؤسسة، لم تُدن القصف الإسرائيلي للحديدة في يوليو 2024، رغم وجود صور أقمار صناعية توثق الضربات. واكتفت بالتبرير ببيانات تدين ما اسمته “استغلال الحوثيين للصراع في غزة”.
5. تحقيق لموقع The Cradle كشف عن لقاءات غير معلنة بين قيادات في الشرعية ومسؤولين إسرائيليين، تمت عبر وسطاء إماراتيين في أبو ظبي، ناقشت ما سمّي “خطة احتواء الردع اليمني”، بواجهة إماراتية وتمويل خليجي.
6. في فبراير 2025، نشرت صحيفة يسرائيل هيوم تقريراً عن لقاء في أثينا جمع شخصيات يمنية بدعم إماراتي مع ضباط إسرائيليين، لمناقشة مرحلة “ما بعد الحوثي” وهو ما تم الإعلان عنه لاحقاً في اجتماع تم برئاسة “أحمد بن دغر”، ونشرت الصحيفة في تقريرها أنه تم مناقشة “الترتيبات الأمنية في البحر الأحمر” بحضور الضباط الإسرائيليين في الاجتماع نفسه.
7. معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أشار في دراسة تحليلية منتصف 2025 إلى وجود غرفة عمليات “خليجية – إسرائيلية” تُشرف على مراقبة تحركات صنعاء البحرية، وتُعد وتنسّق الردع غير المباشر ضدها.
8- وفق تقرير صادر عن “مركز الأمن القومي الإسرائيلي INSS” في يونيو 2025، فإن “تحييد تهديد الحوثيين في البحر الأحمر بات ضرورة قصوى لحماية ممر التجارة الإسرائيلي، ولا يمكن القيام بذلك دون ترتيبات عسكرية إقليمية على الأرض”.
9– كما أوردت صحيفة “هآرتس” أن “الخطر القادم من اليمن تجاوز حدود التهديد الإيراني التقليدي، وأصبح معركة إسرائيلية بصيغة يمنية”.
♦ رابعاً: ليست حرب تحرير كما يزعمون.. بل تصفية لإرادة مستقلة
كل هذا يُعيد تعريف أهداف الحرب القادمة. ليست معركة ضد “انقلاب داخلي” كما روجوا من قبل، بل محاولة تصفية قوة باتت خارج السيطرة الدولية والإسرائيلية. فالأنصار، برأي تل أبيب، كسروا قواعد الاشتباك:
– ضربوا السفن المرتبطة بإسرائيل.
– هدّدوا السفن الاسرائيلية في ممرات الملاحة.
– وخلقوا نموذج “ردع زهيد الكلفة”، يهدد توازن المنطقة.
وهذا ما لا يمكن السماح به. ولذلك، سيعاد فتح أبواب الحرب باسم “تحرير صنعاء” عن طريق الأدوات، لكن على الطريقة الإسرائيلية بشكل مباشر هذه المرة.
ولم يكن من العبث أن يتم استبدال حكومة معين عبد الملك بحكومة بن بريك. فالمسألة لا تتعلق بالكفاءة أو الوطنية “بل بدرجة الولاء وقابلية التنفيذ بما تستدعيه المرحلة”.
فحكومة معين، رغم تبعيتها الكاملة، لم تكن تملك زمام التحكم بالأمور، بينما يُنظر إلى بن بريك المُعين بديلاً لمعين بوصفه “رجل الإمارات”، وقادر على التنفيذ، وهذا بالضبط ما تريده إسرائيل: حكومة تنفّذ دون تردّد، ودون شروط.
وما يؤكد هذا الأمر ما أوصى به معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS) في ورقة تحليلية نُشرت في نوفمبر 2021، جاء فيها بأن:
“إعادة تشكيل السلطة في اليمن، بدعم سعودي – إماراتي، يجب أن تتم بما يضمن عزل العناصر الراديكالية، وتعزيز فاعلية القوى التي يمكن الوثوق بها في إدارة الملف الأمني للبحر الأحمر، بما يشمل التنسيق الاستخباري مع إسرائيل مستقبلاً.” .. هكذا.. بكل وضوح!!
توصية كهذه لم تكن مجرد نظرية، بل خارطة طريق بدأت تتجسّد ببطء.. تغييرات في رأس الحكومة، تبنٍ رسمي لرؤية أمنية إسرائيلية، واستعداد صريح لخوض معركة برّية بالوكالة ضد صنعاء.
♦ خامساً: إسرائيل تضع الخطة.. والشرعية المزعومة تنفذ
كل الوقائع تؤكد أننا أمام نسخة حديثة من حروب الوكالة، تديرها تل أبيب وتُنفّذها “شرعية” بلا قرار سيادي.
وإن كان من وصف دقيق لما يجري، فهو أن أوامر الحرب تُوقّع من تل أبيب، وتُنقل عبر الرياض وأبو ظبي، وتُعلن من عدن.
وكما قال المحلل العسكري الإسرائيلي ألون بن دافيد في القناة 13 العبرية:
“لا حاجة لأن نقصف اليمن، لدينا من يفعلها من داخل اليمن نفسه.”