المولد النبوي في اليمن.. من قوة روحية إلى رسالة سياسية ودينية للعالم
في ظل ظروف استثنائية تعيشها الأمة العربية والإسلامية، تتجدد في اليمن ذكرى المولد النبوي الشريف، لتتحول من مجرد مناسبة دينية تقليدية إلى حدث روحي وثقافي وسياسي واسع يحمل رسائل متعددة للعالم. فاليمنيون لا يرون في الاحتفاء بالمولد النبوي مجرد زينة في الشوارع أو فعاليات شكلية، بل يعدونه فعلاً حضارياً متجذراً في هويتهم الإيمانية، ومصدراً لتعزيز وعي الأمة برسولها الأعظم وقدوته الخالدة.
يبدأ التحضير للمولد النبوي الشريف في اليمن قبل أسابيع من حلول الثاني عشر من ربيع الأول، حيث تعقد المجالس والدروس في المدارس والمساجد والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة، ليس من باب الطقوس الشكلية، وإنما لإحياء السيرة النبوية بعرضها كاملاً كما يجب أن تصل إلى الأجيال.
ويؤكد القائمون على هذه الفعاليات أن الهدف هو إعادة ربط الأمة برسولها باعتباره قائداً وقدوة يمكن استلهام مواقفه في مواجهة التحديات الراهنة، بعيداً عن المعلومات المبتورة التي أتت عبر الثقافة المغلوطة.
أحد الأبعاد البارزة للاحتفاء في اليمن يتمثل في الرد على حملات التشويه التاريخية التي طالت شخصية النبي الكريم علية الصلاة والسلام وعلى آلة، خاصة ما يتعلق بعلاقته باليهود. . فقد عملت بعض المصادر منذ العهد الأموي على تصوير النبي متسامحاً مع مكائد اليهود أو متساهلاً معهم، بينما تثبت السيرة النبوية الصحيحة أنه كان حازماً في مواجهة مؤامراتهم ولم يعقد معهم مواثيق إلا وفق مصلحة الإسلام والمسلمين.
وعليه فإن إحياء المولد في اليمن هو أيضاً عملية تصحيح للتاريخ، ورفض لأي محاولات لتفريغ السيرة النبوية من بعدها الجهادي والسياسي.
يعتبر اليمنيون أنفسهم الامتداد الطبيعي للأنصار الذين نصروا رسول الله في المدينة، ولذلك فإن الاحتفال بالمولد لديهم يأخذ بعداً إيمانياً عميقاً، حيث ينظرون إليه كتقدير للنعمة الإلهية المتمثلة ببعثة النبي الخاتم الذي جاء رحمة للعالمين.
وفي هذا السياق، يتحول المولد النبوي الشريف إلى رسالة عملية في مواجهة الإساءات المتكررة للنبي والقرآن والمقدسات الإسلامية، ليكون الرد ليس بالكلمات فقط، بل بالاحتشاد الشعبي الهائل الذي يثبت أن النبي محمد صلى الله علية وعلى آلة حاضر في وجدان الملايين كقائد ملهم ورمز خالد.
لا يقتصر المولد النبوي في اليمن على الجانب الروحي، بل يمثل رسالة سياسية بامتياز، حيث يحمل في طياته تأكيداً على أن الأمة قادرة على استنهاض نفسها حين تعود إلى رسولها وقدوتها.
كما أن الاحتفالات المركزية التي تقام في الثاني عشر من ربيع الأول، بحشود مليونية غير مسبوقة، هي رسالة قوية للعالم أن الشعب اليمني رغم ما يعيشه من ظروف حرب وحصار أكثر وعياً وحباً وتمسكاً برسول الله، وأكثر قدرة على استلهام سيرته في مواقفه ومواجهاته.
يستند اليمنيون في احتفائهم هذا إلى قوله تعالى: “ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار إلا كتب لهم به عمل صالح”، معتبرين أن مجرد الاحتشاد لإحياء ذكرى النبي الكريم هو عمل صالح يغيظ أعداء الإسلام الذين يسعون لطمس السيرة المحمدية. ومن هنا، فإن المولد النبوي في اليمن ليس مجرد مناسبة، بل مشروع استنهاض شامل للأمة، ورسالة بأن العودة إلى النبي هي السبيل لمواجهة التحديات والمخاطر التي تحيط بالعالم الإسلامي.